معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

 

 

لم تعد (مريم) عاجزة عن تعليم أبنائها الأربعة، بعد أن اكتشفت أن مبلغ الرسوم الدراسية لواحد منهم في السودان يكفي لتعليمهم جميعا بمصر.

وقال أحد الأطباء إنه لم يلجأ للهجرة إلا بعد أن أصبح راتب العامل بأحد مطاعم الخرطوم أكثر من راتب الطبيب.  

وتتردد كثيرا هذه الأيام في مجالس السودانيين عبارة “البلد بقت طاردة” التي تترجمها أرقام المغادرين يوميا عبر المنافذ الجوية والبحرية والبرية، التي تكشف عن نوع جديد من الهجرة يشمل جميع أفراد الأسرة.

وفي حين تكشف غرفة الباصات السفرية عن هجرة ألف شخص يوميا إلى مصر، يشير أحدث تقرير لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلى أن عدد المهاجرين السودانيين إلى مصر تضاعف خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ليصل إلى 4 ملايين فرّ نصفهم من السودان هربا من ظروف “الانقلاب”.

ومع إشراقة كل صباح جديد، يطرق أبواب الهجرة أكثر من ألف سوداني يزيدون كلما اشتدّ الخناق بفعل الانقلاب وازدادت الخدمات سوءا، وارتفعت معدلات البطالة والجريمة، وتفشى الفقر، والمرض، وغاب الأمن، وازداد الناس خوفا، وتفاقمت المعاناة.

أصبحت “الهجرة” فكرة في ذهن معظم السودانيين، ينجح في تنفيذها المهاجرون فيما يبقى الآخرون مضطرين لا يجدون سبيلا ولا حيلة للفرار من جحيم الظروف.

يقول مهاجرون إلى مصر إنهم وجدوا كثيرا مما افتقدوه مؤخرا في وطنهم السودان، فمطلوبات المعيشة في متناول اليد، وما كان مستحيلا يبدو ممكنا في المهجر الجديد.

وطبقا لعبدالرحمن عثمان صاحب أحد مكاتب العقار، فإن سوق العقارات تأثر بشكل واضح من المهاجرين الذين تسببت هجرتهم في زيادة المعروض في السوق، فهبطت أسعار الأراضي والعقارات بشكل واضح، ولأول مرة تنخفض أسعار الأراضي وتستمر في الانخفاض بشكل يومي.

وكشف عدد من المهاجرين لـ (استقصائي) عن أسباب هجرتهم، حيث قال المواطن موسى محمد إن الأوضاع المتردية بجانب عدم الاستقرار السياسي والأمني أجبرته على الهجرة مع أسرته، مشيراً الى أن المعيشة وغيرها في مصر أقل بكثير من السودان، وأضاف قائلاً: (المعيشة هنا أرخص من السودان وكل شيء متوفر وفي متناول اليد، والسكن هنا أقل كلفة من السودان، ويمكن أن تمتلك شقتين في القاهرة بمبلغ لا يشتري لك قطعة خالية في ضواحي الخرطوم).

ومن جهته قال الأمين العام لغرفة البصات السفرية حسن عبد الله حمد لـ(استقصائي) إن عدد المسافرين إلى مصر يومياً يبلغ (960) مسافراً 20% منهم فقط يعودون.

وفي ذات السياق أكد مصدر رسمي بالقنصلية المصرية أن متوسط عدد الذين يحصلون على تأشيرة دخول إلى مصر بلغ 3 آلاف شهرياً، فيما لا تشترط السلطات تأشيرة دخول للنساء من كل الأعمار وللرجال فوق الخمسين عاما.

أرقام مخيفة

وطبقاً لإحصاءات رسمية تحصل عليها (إستقصائي) من اتحاد غرفة البصات السفرية، فإن (350) ألف مهاجر غادروا البلاد خلال العام الماضي.

وقال الأمين العام لاتحاد غرفة البصات السفرية حسن عبد الله حمد إن متوسط الرحلات اليومية إلى مصر يتراوح بين (17) و (22) رحلة، وعدد الركاب يتراوح بين (960) و (1000) راكب يومياً والعودة بنسبة 20% فقط، مؤكداً أن جميعهم مهاجرون، وأضاف قائلاً: (القصة ليست سفراً وإنما هجرة إلى مصر، وهناك (30) ألف مهاجر يغادرون البلاد شهرياً، والبصات تعود من هناك محملة بالبضائع فقط)

من جانبها كشفت مدير وكالة (إكس لاند) صفاء الحاج عن إدخالهم يومياً ما لا يقل عن (17) جوازاً في القنصلية للحصول على تأشيرة، ووصفت ذلك بالإحصائية المخيفة والكبيرة، وعزت ذلك لعدم توفر مقومات الحياة الطبيعية بالسودان.

وضع أفضل

وبالحديث عن أسباب تزايد أعداد المهاجرين إلى مصر يقول المواطن إسحاق حسن لـ (استقصائي) إن الأسباب التي دفعته للهجرة مع عائلته عديدة، منها عدم الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد، بجانب تردي الوضع الاقتصادي وعدم استقرار العام الدراسي، وقرر الهجرة شمالاً نحو الجارة مصر لما تتميز به من عوامل مشتركة بينها وبين السودان كاللغة وسهولة التنقل وغيرها، إضافة لرخص المعيشة وتوفر كل شيء مقارنة بالسودان، ومضى قائلاً: (أما بالنسبة للسكن هناك فإنه أقل تكلفة من السودان، والخيارات متعددة، ويمكنك أن تمتلك شقتين في القاهرة بمبلغ لا يشتري لك قطعة أرض في ضواحي الخرطوم).

أما المواطنة مريم الرشيد التي لديها أربعة اطفال فقد قالت لـ (استقصائي) إنها فضلت الهجرة إلى مصر بحثاً عن تعليم وصحة ومعيشة افضل من السودان، وأشارت إلى أن الإقامة في القاهرة أقل تكلفة من السودان، وأضافت قائلة: (ألفين جنيه مصري بتعيشنا ملوك اقعد في السودان ليه؟) مؤكدة أن تكلفة تعليم أبنائها الأربعة في مصر تعادل تكلفة تعليم واحد منهم في السودان، وأردفت قائلة: (لو استطعت في المستقبل سوف أنقل كل أسرتي إلى مصر، وأنصح الجميع بالمجيء إلى مصر كي يعيشوا بسلام ويبتعدوا عن جشع السودانيين المتمثل في ارتفاع سعر كل شيء، خاصة الإيجارات التي أصبحت هماً يلازم المواطن حتى في النوم).

وفي ذات السياق يقول المواطن محمد خالد لـ (استقصائي) إنه يقيم في مصر منذ عشر سنوات مع أسرته ولديه خمسة أطفال، وأضاف قائلاً: (عندما قررت العودة للوطن وجدت أن المعيشة أصبحت صعبة ولا أحد يستطيع أن يعيش في السودان إلا أصحاب الدخل المجزي)، مشيراً إلى أنه عاد إلى مصر مجدداً، وأردف قائلاً: (نحن دولة ليست فقيرة ولكن تردي الأوضاع الاقتصادية جعل الكثيرين يفرون من العيش في السودان)، وتساءل قائلاً: (لماذا الصحة والتعليم في مصر أفضل على الرغم من وجود كفاءات بالسودان؟), ونوه بأن الحال إذا استمر على هذا الوضع سيُترك السودان للأجانب، ويصبح السودانيون لاجئين.

وضع طارد

وفي هذا الإطار يقول الطبيب محمد حسن لـ (استقصائي) إنه لم يكن يفكر في الهجرة إلى خارج البلاد، إلا أن الوضع أصبح طارداً للمواطن السوداني، لافتاً إلى عدم وجود تقييم للمواطنين خاصة الأطباء، وأضاف قائلاً: (الدخل أصبح غير مجزٍ، وراتب العامل بأحد المطاعم أكثر من راتب الطبيب)، منوهاً إلى أن الوضع في مصر أفضل وأن 90% من السودانيين المقيمين في مصر لديهم شقق تمليك، وقال: (يمكن أن تمتلك شقة في مصر في فترة وجيزة، أما في السودان فيمكن أن تعمل (20) عاماً ولا تمتلك غرفة)، مؤكداً أنه قام ببيع منزل أسرته في السودان واشترى ثلاث شقق في مصر، وإنه يعيش الآن في وضع يحلم به كل إنسان، على حد قوله.

ضائقة معيشية

وبالحديث عن أعداد الأسر المهاجرة إلى جمهورية مصر، قالت مدير إحدى وكالات السفر لـ (إستقصائي) فضلت حجب اسمها إن الهجرات العائلية إلى مصر اصبحت كبيرة، مشيرةً إلى أن اسباب الهجرة تعود إلى الضغوط المعيشية، مبينةً أن المعيشة في مصر أفضل من السودان، وأضافت قائلة: (يمكن أن تبيع منزلك في السودان وتشتري شقة وسيارة وتعيش بالمتبقي في مصر، وإذا مارست أي عمل يمكن أن تنعم بعيشة رخية وآمنة، وطلب الفول في السودان بـ (500) جنيه أما في مصر بخمسة جنيهات)، منوهة بأن مجيء السياح إلى السودان توقف بسبب عدم الاستقرار وتقاطعات الوزارات ووجود مشكلات في الفيزا، وأردفت قائلة: (مصر بها تساهيل في كل شيء، لذلك أصبح الإقبال عليها من قبل السياح والمهاجرين كبيراً جداً، أما السودان ففيه ضغط وتعقيدات).

ومن جانبها قالت مدير وكالة (إكس لاند) صفاء الحاج (إن معظم السودانيين اتجهوا إلى مصر وتركيا نسبة لتوفر الخدمات في تلك البلدان)، مشيرة إلى أنهم يومياً يقومون بإدخال ما لا يقل عن (17) جوازاً في القنصلية المصرية للحصول على التأشيرة، ووصفت ذلك بالإحصائية الكبيرة، وأضافت قائلة: (نحن وكالة واحدة وتأتينا كل يوم هذه الأعداد، ولا أعلم شيئاً عن بقية الوكالات، والسودان أصبح بلداً يفتقر لمقومات الحياة الطبيعية، وهناك ارتفاع في الأسعار بدون رقابة والناس باعت أملاكها ومشت استقرت في مصر، وأنا كمان عارضة ممتلكاتي للبيع، وأول ما أبيعها سوف أستقر في مصر).

ظاهرة مهددة

وبحسب أستاذ علم الاجتماع أشرف أدهم، فإن هجرة العديد من الأسر السودانية إلى جمهورية مصر مؤشر يوضح إلى أي مدى أصبح السودان طارداً لسكانه وأصبح التدهور الاقتصادي يؤثر في استقرار الأسر، وأشار إلى أن الهجرة إلى مصر من أجل الحصول على غذاء وصحة وتعليم أفضل بكثير مما هو موجود في السودان، وقال: (هذا يجعلنا نفسر لماذا تهاجر هذه الأسر إلى مصر كثيراً، على الرغم من أن هناك أسراً تهاجر إلى دول أخرى، فالمجتمع المصري قريب من المجتمع السوداني، و الأسر السودانية لا تجد صعوبة في الاندماج، و الحصول على الخدمات في مصر أمر سهل وهي جيدة)، مؤكداً أن هذه الظاهرة أصبحت مهددة لاستقرار الأسر في السودان.

خبرات أكثر وعلاقات أقل

وبالحديث عن الآثار الاقتصادية للهجرة العائلية يقول رئيس اللجنة الاقتصادية بالجمعية السودانية لحماية المستهلك حسين القوني (إن الظروف المعيشية والخدمات الصحية في مصر أفضل من السودان، والذين فضلوا العيش في مصر تمكنهم ظروفهم من ذلك، ولكن بالمقابل افتقدوا العلاقات الاجتماعية التي تشتهر بها الأسر السودانية)، لافتاً إلى أن الهجرة العائلية لها تأثير كبير في الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وقال: (والعزاء أنه مهما اكتسبوا من خبرات ومعارف وتجارب في دول المهجر فإنهم سوف يعودون بها إلى السودان لتطويره، والسودان غني بموارده، ولكن ضعف الإرادة السياسية وتدهور الخدمة المدنية أجبرا الكثير من الكفاءات على الهجرة)، مبيناً أن الهجرة من الأسباب التي أدت إلى إفراغ البلاد من الكفاءات التي يمكن أن تساعد في تطوير النشاط الاقتصادي، وأثر ذلك سلباً في قدرة السودان على إدارة موارده، لافتاً إلى أن كثيراً من الأسر التي هاجرت مازالت متصلة ببقية الأسرة في السودان، مؤكداً أن الهجرة أثرت في الاقتصاد والاستثمار بصورة كبيرة، مناشداً الحكومة تبصير المهاجرين بمآلات المستقبل وضرورة الارتباط بالوطن.

 

 استقصائي

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *