معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

الديسمبريون لعلاء نقد: لا يمكنك زراعة “كبد الثورة” في جسد من انقلبوا عليها
تقارير- استقصائي

علاء الدين نقد، الذي كان يستقبل “الديسمبريين” بكلماته وتصريحاته المرحَّب بها، هو ذاته الذي يواجه غضبهم اليوم منذ أن ظهر على شاشات هواتفهم كـ”ناطق رسمي باسم تحالف تأسيس”. إنه نفس الرجل، لكن ما تغيّر هو موقفه من الثورة.

في بداية الحرب، حين قامت استخبارات الجيش باعتقال الاستشاري في جراحة الكبد داخل السودان، قاد الديسمبريون حملة لإطلاق سراحه، تمامًا كما فعلوا سابقًا مع مبارك أردول عندما كبّله المجلس العسكري بالقيود ورحّله إلى جوبا. يومها، انطلقت حملة المناصرة من روح ثورة ديسمبر، وحملت في داخلها اعترافًا بدور علاء نقد في الثورة. كيف لا، وهو أحد أبناء قبيلة الأطباء الذين ردّد الثوار في حضرتهم: “كاكي البلد لابِس كُت، وجيش البلد دكتور”.

اليوم، يتعرض علاء لنيران هجوم شرس لأنّه ببساطة خلع عنه رداء ديسمبر، وتوشّح برداء آخر. أو، بتعبيرٍ آخر، حاول أن يزرع “كبد الثورة” في جسد من انقلبوا عليها، وهو أمر لا يستقيم، ولن يهب الوطن العليل الحياة.

من مواكب الثورة السلمية المطالبة بالحرية والسلام والعدالة، انتهى المطاف بالدكتور نقد ناطقًا رسميًا باسم “تحالف تأسيس”، الذي أعلن – بعد طول انتظار – إجازة نظامه الأساسي في مؤتمر صحفي. وكشف نقد عن تشكيل الهيئة القيادية للتحالف، التي تضم محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيسًا، وعبد العزيز الحلو نائبًا له. خطوةٌ تسبق أخرى منتظرة، وهي إعلان تحالف تأسيس – المدعوم ببندقية الدعم السريع – حكومةً موازية في مناطق سيطرته. خطوةٌ يرى كثيرون أنها تنطوي على مخاطر كبيرة على وحدة الدولة السودانية.

لكن لماذا يهاجم “الديسمبريون” رفيقهم السابق في حلم سودان الحرية والسلام والعدالة؟
الرد يأتي من ديسمبر نفسها، حيث يُحدّثك “الديسمبريون” عن “الغربال” الذي يسقط كل من يتخلّى عن القيم المتّفق عليها. يصفون المتخصص في زراعة الكبد بـ”الساقط” في امتحان الالتزام بقيم ديسمبر، ويرون أن مجرد ظهوره وسط المليشيا تراجعٌ لا يمكن التسامح معه. أما تبريره لخطوته بأنها تأتي في سياق “التأسيس للسودان الجديد”، فيرونه أمرًا مثيرًا للشفقة.

هم يستعيدون ذات أناشيد ديسمبر، قبل الانقلاب وبعده: “العسكر للثكنات، والجنجويد يتحلّ”.
بالنسبة لهم، فإن وجود القيادي السابق في تجمع المهنيين السودانيين، رائد السلمية، وسط من يؤمنون بفكرة التغيير بقوة السلاح، هو “رحلة صعود إلى الأسفل”. لا يليق بصاحبها إلا أن يُقذف به غربال ديسمبر بعيدًا.

بالنسبة للبعض، فإن إعلان نقد دعمه الصريح لخيار الدعم السريع يُحسب له من باب الشجاعة، لكنه في المقابل يُحسب عليه من حيث التناقض مع قيم ديسمبر. فلا حرية يمكن أن تُنتزع في واقع يسوده اللانظام، ولا سلام يمكن أن يُصنع عبر دعم من يخوضون الحرب، ولا عدالة يُنتظر أن تأتي ممن ولغوا في دماء العُزّل في ساحة القيادة وفي شوارع الخرطوم والمدن التي استُبيحت بعد الحرب. ولا ثورة يمكن أن تنتصر بسلاح من انقلب عليها.

المفارقة أن الطبيب أعلن موقفه الجديد من مدينة نيالا، حاضرة الثورة وقيمها، المدينة التي بعثت بأجمل صور المواكب الداعية للتصالح والتعايش على هدى سودانٍ كبير، سودان مدينة الاعتصام الفاضلة، حيث الهتافات “يا عنصري ومغرور.. كل البلد دارفور”، وحيث الحُلم بإعادة الجنوب بدلًا من السعي لانقسامات جديدة.

تسأل ديسمبريًا: لماذا نقول إن علاء لم يعد في صف ديسمبر وسلميتها؟ فيجيبك: لا جديد.. الغربال شغال.

في ظهوره الأخير على قناة الجزيرة، بدا علاء نقد كأنه لسان حال الدعم السريع، من خلال إفاداته ودفاعه عن وجهات نظر رعاة المشروع الجديد. بالنسبة للديسمبريين، هذا كافٍ لتبرير موقفهم الغاضب منه. فلا يستقيم أن تهتف في مواكبهم “ما في مليشيا بتحكم دولة”، ثم تأتي مبشّرًا بقيام دولتهم التي يزمعون تشكيلها. ولا يستوي أن ترفع شعار “لا للحرب”، ثم تعود لتنخرط مع أحد أطرافها بكل ما تملك من قوة.

يرى الديسمبريون أن موقفهم الغاضب من نقد يعكس في جوهره شعورًا عميقًا بعدم الرضا عن مآلات الثورة، التي ناهضت مشروعها الأساسي بأن نكون حزمة واحدة. علاء نقد، الذي نشط ضمن لجنة الأطباء، كان جزءًا من الانقسام داخل تجمع المهنيين، الانقسام الذي أنتج “قحتين” وفتح الباب واسعًا للانقلاب، ومن ثم للحرب. ولم يسلم منه حتى التيار المدني المناهض للحرب، فوجدنا أنفسنا أمام “صمود” في مواجهة “تأسيس”، وربما نصل إلى “سودانَين”.

شهداء ديسمبر بذلوا دماءهم في التربة من أجل حصاد سودان الحرية والسلام والعدالة، سودان السلمية والتعايش. وهي قيم لا يمكن أن تُزرع تحت ظل بندقية حميدتي، مهما تحالف مع الحلو، أو اختار لتجميل كلماته لسان طبيبٍ كان يومًا ديسمبريًا وثوريًا.

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *