معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

دخان “المسيّرات” وقود الحرب السودانية الجديد
تقرير – استقصائي

يخبرونك أن الحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة.. وهناك أكثر من 230 سودانيًا من المدنيين في مدينة النهود بغرب كردفان تمت تصفيتهم بواسطة قوات الدعم السريع التي أعلنت، الخميس، سيطرتها على المدينة الاستراتيجية. الرقم لا يشمل العسكريين من الجانبين الذين سقطوا في المواجهات المباشرة، ويُضاف إليه أرقام الضحايا الذين سقطوا في المناطق حول المدينة مثل “خماس” وغيرها. يحدثونك في الوقت الذي تخبرك فيه لجان المقاومة في النهود بأن الناس تمت تصفيتهم بدم بارد.

في وقت حديثهم عن “النهاية”، يغادر أهل المدينة الوادعة أرضهم في مسيرة هروب تبدو بلا نهاية وبلا إجابة على السؤال: إلى أين؟ ومشهد مغادرة أهل النهود مدينتهم التي دخلتها الحرب هو مجرد مشهد مُعاد من زمن آخر، ومن مناطق مختلفة في السودان، الذي يحاول أن يتنفس تحت نيران الحرب منذ أكثر من عامين.

يحدثونك عن نفس الحياة السليمة، والْأبيض، أم المدائن بكردفان، تختنق بالحصار، وحين تحاول أن تتنفس طبيعيًا لا تجد ما تستنشقه غير رائحة البارود ودخان الحرائق العالق في أجوائها. تخبرك الصورة المتداولة من سماء المدينة عن حقيقة ما يجري على الأرض، الأرض التي قرروا أن يحكموا أهلها، وفي حال لم يحدث ذلك، فلن يجعلوها صالحة للحياة.

يحدثونك باقتراب حسم الحرب، في الوقت الذي تصل فيه مسيّرات الموت العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، بعد أن سبقتها إلى مدينة كسلا، ولا يكاد يمر يوم دون أن تزور مسيرة سد مروي في الولاية الشمالية. يسقط الجنود مضرجين بدمائهم في قاعدة الجيش بمدينة كوستي بعد أن استهدفتهم مسيّرة. سحب الدخان فوق سماء مدينة الفاشر تُحدثك أن الحرب لم تنتهِ بعد، وأن الثقاب حتمًا يعقبه الاشتعال.

في الوقت الذي يتحدث فيه “البلابسة” عن انتهاء الحرب بانتصار، ومناداة الناس للعودة إلى بيوتهم، تشتعل سماء المدينة الساحلية بنيران المسيّرات التي تصل المطار وقاعدة عثمان دقنة. تخرج الإدانة من السعودية وقطر، ويخرج صوت الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الأعيسر، ليعدّد المسيّرات ويحدّد عددها بسبع انتحارية وثامنة استراتيجية، ثم يوجّه سهام اتهاماته نحو أبوظبي مهددًا بأن بلاده تمتلك حق الرد وسترد.

وعقب الهجوم الأول، صدر تنوير من قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية، الفريق محجوب بشرى، للبعثات الدبلوماسية المتواجدة في المدينة، حول الهجوم وحول استراتيجيات الدفاع التي ستتخذها الحكومة من أجل توفير الأمان والسلامة. لكن صباح يومٍ آخر، حدث هجوم جديد من مسيّرة استهدفت المدينة، وأدى إلى اشتعال النيران في المستودعات الرئيسة للمؤسسة السودانية للنفط، وتم تداول فيديو الحريق بشكل واسع.

لكن، وفي إفادته للبعثات الدبلوماسية ببورتسودان، كشف الفريق محجوب بشرى عن إمكانية تجدّد الهجوم، مضيفًا أن العدو على دراية تامة بمواقع القوات، وله القدرة على التخطيط لهجوم معقّد ومتعدد المحاور. وكشف أيضًا عن دور إماراتي فيما حدث، حيث إن المسيّرات التي استهدفت بورتسودان انطلقت من قواعد عسكرية إماراتية في الصومال.

في الوقت الذي يحدثونك فيه عن نهاية الحرب، تدخل البلاد نفقًا جديدًا؛ نفقًا يقود نحو ذات الموت، أدواته هذه المرة المسيّرات، وهي تأتي في سياق سباق التسلح بين طرفي الحرب، وهو ما يشير في الوقت نفسه إلى دخولها مرحلة جديدة في ظل غياب أي ملمح من ملامح إيجاد حلول تفاوضية بين طرفيها. كما أن الهجوم بالمسيّرات اعتبره البعض بمثابة رد من قبل قوات الدعم السريع على قصف طال مطار نيالا بدارفور. وما يفاقم من خطورة حرب المسيّرات هو امتلاك قوات الدعم السريع لسلاح نوعي منها، بمقدوره التحليق والوصول إلى مناطق بعيدة. كما أن خطورتها تترتب الآن في وصولها إلى عمق شرق السودان، وتأكيدها على أنه لا يوجد مكان آمن في سودان الحرب.

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *