استحسن ساسة ومحللون محتوى خطاب البرهان في حطاب اليوم، مشيرين إلى أنه حمل في طياته أكثر من رسالة موجهة إلى بريد كل من الإسلاميين، والحرية والتغيير، والآلية الثلاثية.
في حين شكك آخرون في مصداقية الحديث، مشيرين إلى أن الجنرال يؤشر إلى اليمين لكنه ربما يستدير إلى الجهة المقابلة، لافتين إلى أن ما تم من إعادة (الكيزان) إلى المشهد مجددا عقب إجراءاته في 25 أكتوبر 2021 لا يسند ما قاله من حديث.
لا يخلو التحذير المتشدد من قائد الجيش للإسلاميين بأن يكفوا عن حلم العودة من خلال الجيش، بحسب محللين، من علم البرهان برغبة الإسلاميين في العودة إلى السلطة على ظهور دبابات “الجيش”.
تضمنت الرسائل، بحسب المحللين، أن الجيش جيش السودان ما جيش الكيزان، وأن الحديث عن هيكلته لن يتم خارج المؤسسة العسكرية، وألا “كيزان” في الجيش بعد اليوم، بل لن نسمح بـ”تسييسه”.
لن تشمل المفاوضات الجارية حاليا أي حديث حول هيكلة الجيش أو القوات النظامية، وعليها أن تنحصر في القضايا الأخرى.
رد على تصريحات “الفلول”
وحول الهدف من الخطاب قال الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبدالعظيم إن حديث البرهان جاء نفيا لتصريحات الإسلاميين التي أطلقتها قيادات داخل التيار الإسلامي العريض حول وجود الإسلاميين داخل الجيش ووجهوا رسالة من خلالها لـ” عبد الفتاح البرهان” بأنه إذا لم يستطع فليتنحى عن قيادة الجيش، وأضاف كما أن في خطابه رسالة للآخرين في تأكيد لعدم انحياز الجيش للإسلاميين خصوصا الذين يريد دخول معهم في عملية سياسية وأيضا للمجتمع الدولي الذي يرفض عودة الإسلاميين للسلطة مرة أخرى.
الجيش جيش السودان
حذر رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان ، حزب الرئيس السابق عمر البشير “المؤتمر الوطني” والحركة الإسلامية” الموالية له، من محاولة “الاحتماء بالجيش أو الترويج لإشاعات بأنهم سيعودون للحكم من خلال المؤسسة العسكرية”.
وقال البرهان في خطاب أثناء تفقده قاعدة حطاب العسكرية العملياتية، إن الجيش السوداني لا ينحاز لأي طرف أو حزب، مؤكدا أن الجيش جيش السودان. مؤكداً أن “الجيش غير موال لجهة معينة، وليس لديه حزب أو فئة ولم يدافع عن فئة أو حزب”.
وشدد على أن المؤسسة العسكرية “بريئة من الإشاعات التي تقول بأنها تدعم حزب المؤتمر الوطني أو (الحركة الإسلامية)، وأردف: “هذا كذب لن يعودوا إلى الحكم من خلال الجيش”.
تحذير مشدد
وتابع موجهاً حديثه لحزب البشير: “ابعدوا عن القوات المسلحة وارفعوا أيديكم وأقلامكم عنها.. الجيش لن يسمح لأي فئة بأن تعود من خلاله، لا المؤتمر الوطني ولا الحركة الإسلامية أو غيرها”.”السودان يحتاج من يديره”.
وشكك نائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي عثمان إدريس أبو رأس في مصداقية خطاب البرهان ووصفه بـ “غير الصادق”، وقال لـ”استقصائي” واصفا الخطاب “الحركة يمين والإشارة شمال”، وتابع أننا نرى أن إجراءات مصادرة الحرية والاعتقال موجهة ضد فئات محددة، وتساءل: من الذي أعاد الكيزان إلى الواجهة مرة أخرى؟.
واعتبر أبو رأس أن خطاب البرهان تذروه الرياح وغير صادق وقال موجها حديثه للبرهان إن الإسلاميين الذين تتحدث عنهم قد قمت بإلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد من أجلهم وتم إعادتهم للخدمة المدنية .
تسييس الجيش
وطرح أبو رأس سؤالا: من المسؤول عن تسييس الجيش غير قائد الجيش؟ وتابع إن حديث البرهان عن عدم الانحياز غير صحيح فهو منحاز للذين تركهم يتغلغلون في مفاصل الدولة بعد أن فصلتهم لجنة التمكين ومحاربة الفساد، لهذا فإن خطاب البرهان لا يمكن أن يصدق من قبل الشارع السوداني الذي يرى كيف يتعامل البرهان ويعلم من هم في المعتقلات الآن.
ولفت البرهان في خطابه إلى وجود تفاهمات مع القوى السياسية بشأن إدارة الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أنه جلس إلى بعض الشباب من الأحزاب السياسية بهذا الخصوص، بعد أن التمس فيهم الروح الوطنية.
وقال: “لن نتردد أو نتأخر في مساندة أي شخص يريد إنقاذ البلد ويعمل لصالحه، أما أي شخص يعمل ضد السودان فسنقف ضده”.
مبادرات متعددة
ووجه البرهان انتقاداً للقوى السياسية متهماً إياها بـ”التمترس وراء آرائها” وأنها لا تريد الاتفاق على وثيقة واحدة، وقال “نرى كل شخص لديه ورقة أو ثيقة يطرحها ويريد للناس أن تسير وراءها، لا يريدون الاتفاق على كلمة واحدة”. وشدد على أنه إذا لم تتفق القوى السياسية، فإن “السودان لا يزال يحتاج من يديره”.
ونفى رئيس مجلس السيادة، أن تكون الوثيقة الدستورية التي يتم التفاوض بشأنها بين القوات المسلحة والقوى السياسية تنص على تفكيك المؤسسة العسكرية، مشيراً إلى أن “الجيش لن يفككه أو يتدخل في تنظيمه أحد، نحن متفقون في هذا الأمر كعسكريين”.
الجيش منحاز لـ”الثورة”
وذهب الخبير الأمني خالد عبيدالله في حديثه لـ”استقصائي” في نفس الاتجاه وقال جاء خطاب القائد العام ورئيس مجلس السيادة واضحا لا لبس فيه بأن القوات المسلحة السودانية باقية على العهد بها في انحيازها لثورة أبريل ٢٠١٩م وأضاف كما أرسل البرهان رسالة واضحة بأن الحزب الحاكم السابق لا دور له في المرحلة الانتقالية، ودعا المؤتمر الوطني للابتعاد عن الجيش، وكذلك هنالك رسالة للقوى السياسة باقتراب ساعة الصفر بمن حضر، ولم يشر خطابه لأي رسالة للمحيط الإقليمي أو الدولي مما يعني أنه متوافق معه ويسير في محوره، محذرا من أن أي تصرف من جهات معادية للجيش غير مقبول وسنحارب دونه.
وقال المحلل السياسي أحمد عابدين في حديثه لـ”استقصائي ” إن خطاب البرهان اليوم مكرر مع تغير في الجمل والظرف والمكان وهو خطاب لفك الخناق من اتهامات تطاله وتطال المؤسسة العسكرية كل صباح.
وتابع، والواضح أنه يذر الرماد على العيون لكن الخطاب يحمل رسائل للخارج المهتاج من بوادر عودة الإسلاميين والداخل الذي تخندق مع جزء من المؤسسة العسكرية.
مغازلة الحرية والتغيير
وأضاف، قائلا “وفيه غزل وكلام معسول لمفاوضي الحرية والتغيير المجلس المركزي” الذين بدا له أنهم في حجر حليفه وغريمه حميدتي، وأضاف “ولسان حاله يقول أنا لم أتخلى عنكم ولن أسلم قحت المركزي السلطة” كما وجه رسالة لأطراف اتفاق جوبا مفادها أنا لن أترككم وأنتم حلفاء ٢٥ أكتوبر.
قال إن المتابع لخطابات البرهان كلها متشابهة وتحمل السم والدسم في آن واحد.
وتابع يعلم البرهان أن الخيمة التي يخاطب منها الشعب من حطاب مليئة بالإسلاميين ويعلم تماماً أنهم يتفهمون دواعي الخطاب ويعذرونه في ذلك.
وقال عابدين إن الثورة التي يتحدث عنها القائد العام للقوات المسلحة ماتت وتوزعت القوى السياسية لحمها “كيمان في الشوارع.
وأضاف أن البرهان يعلم أن تلك القوى التي يعايرها بعدم التوحد هي ذاتها لا تريد من هذا الرهق إلا كرسي وسارينا وأنه حاكم بالإسلاميين أو بجلدهم.
وأضاف وربما قصد بهذا الخطاب سنارة لجر بلابيط البحر من برج حميدتي لمبنى القيادة العامة ومعهم أصدقاؤهم من دول المحاور والسيد فولكر وثلاثيته، على العموم سيشتت هذا الخطاب المفاهيم ويعيد شك الورق من جديد والشاطر يكسب.
وأشار عبدالفتاح البرهان في حديثه أنه سواءً شكلت حكومة أو لم تتشكل، أو أتى أي حزب للحكم، فإنهم لن يسمحوا بالمساس بالجيش، ومستعدون للموت من أجل الجيش لأنه هو من يدافع عن السودان.
وزاد: “جيشنا نحميه بروحنا ومستعدون في أي لحظة وأي وقت لأن ندافع عنه لأن الدفاع عنه هو دفاع عن السودان”.
وأضاف: “كلامنا موجه لكل القوى السياسية سواء المؤتمر الوطني أو قوى الحرية والتغيير، الجيش لن ينحاز لفئة، الجيش مع وحدة السودان وحقوقه ورغبة السودانيين في أن يعيشوا حياة كريمة”.
الجيش خط أحمر
وقال إن القوات المسلحة والنظامية خط أحمر وغير مسموح لأحد بالعبث بها”.
وشدد على أن “البلد لا يتحمل التجاذبات، ونحن لا نتبع أي أحد، نحن نتبع مصلحة الوطن. القوات المسلحة ليس لديها مؤتمر وطني أو حركة إسلامية أو حزب شيوعي فهي لا تنحاز لأحد”.
وزاد: “نقول هذا لأن الناس يقولون إن الجيش فيه الكيزان (أعضاء حزب البشير) ويدعم المؤتمر الوطني. هذا كله كذب.
ووجه رسالة للإسلاميينن قائلا: لا تأملوا في أن الجيش سيعيدكم للحكم مرة أخرى”.
وقال القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق إن حديث البرهان في حطاب (صدقنا وهو كذوب).
وتابع، ما قاله البرهان اليوم في منطقة حطاب العملياتية، أمام حشود عسكرية ضمت ضباطا وصف ضباط وجنودا ليس بجديد، وقد رشحت به بعض التسريبات منذ الأمس، تهيئة للشارع السوداني والمراقبين الإقليميين والدوليين، وخلاصة رسائل البرهان التي قال بها يكذبها الواقع، وتابع فقد قال إن الجيش السوداني لا حزب له ولا فئة ولا جهة، وهو يعلم علم اليقين أن آمر التنظيم للحركة الإخوانية عمر زين العابدين طليق اليد والحركة يدخل ويخرج من كافة الوحدات والأسلحة والفرق ومنظومة الصناعات الدفاعية ويجتمع بالضباط كيفما ووقتما شاء، بمن فيهم جنرالات في القصر الجمهوري، والقيادة العامة.
وأضاف أما إطلاقه تحذيرا للذين يريدون التواري خلف الجيش رغم تخصيصه بالذكر الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، فهو حديث مكرر قاله بنفس الطريقة حينما احتد الخلاف بينه وبين المدنيين في الحكومة الانتقالية، وهو ما يعني أن هنالك خلافا ما بينه وبين الإسلاميين، ولكن المدهش أن هؤلاء المنتسبين للحركة والتنظيم يتخذون من مؤسسات الجيش حماية لاجتماعاتهم ومقرا لتنظيماتهم في برج الاتصالات ومقر شركة زادنا وغيره من مقار منظومة الصناعات، وأندية القوات النظامية.
وأضاف عروة صرخ البرهان صائحا وموجها الإسلامويين رفع اليد والأقلام، عن الجيش السوداني وهو الذي مكن صحيفة القوات المسلحة من لحى الإخوان وتنظيم الجبهة الإسلاموية، وصارت الحزب السياسي الناطق باسم البرهان طوال الفترات السابقة واتخذ كتابها ورئيس تحريرها وإذاعات القوات المسلحة من تلك الوسائط منصات إخوانية بامتياز تنال من القوى السياسية المناوئة للانقلاب، دون أن يوجهها البرهان برفع يدها عن الشعب السوداني وقواه الحية التي وصفها البرهان بالوطنية والمسؤولية.
- ردد البرهان مقولة ظل يصيح بها الشهداء في الشارع السوداني بأن قال “نحن جيش السودان”، ولم يستطع أن يكمل المقولة بأن الجيش ما جيش الكيزان، وهو يضمر إكمالها في حناياه، ولكنه يوقن أن التفكيك الأخير لجنرالات القوات المسلحة طال عدد من الكفاءات غير المؤدلجين أو المنتمنين للتنظيم والحركة بل فيهم مهنيون قمة الانضباط والنزاهة والدعم للاستقرار والمدنية والإيمان بالديمقراطية ولكنه أحالهم إلى التقاعد ليفسح المجال لجنرالات الإخوان المعمدين من عمر زين العابدين.
- أما الحديث عن زيارة بعض الشباب من القوى السياسية، ففيه خبث ليس بجديد على البرهان، وترك الحبل على الغارب ليتوهم الجميع أن هنالك فئات سياسية تسهر وتنادم البرهان سرا، وترك الأمر معمما ليوسع دائرة التشكيك في القوى السياسية التي حددت موقفها من العملية السياسية ورسمت ملامح الانتقال السياسي بوضوح وسلمته للرباعية والثلاثية ولعامة الشعب السوداني.
-
مدح المعارضة
- في ذات الأوان أراد البرهان أن يكسب بعض النقاط والثقة من قوى المعارضة حينما قال: ” لم نلمس منهم إلا الوطنية والشعور القومي” ، وهم ذات القوى السياسية العميلة الفاشلة التي وصمها بالانفراد بالقرار وزجها في السجون ووصمها بالخيانة، وبقوله هذا يريد أن يجد تعاطفا يحقق له بعض رغباته الوقائية من المساءلة والمحاسبة التي لا تملك القوى السياسية أمرها، وليته تقدم بجراءة ليطلب ذلك الأمر من أسر الضحايا بعد اعتذاره وإقراره بالذنب وتصريحه بالاستعداد للمثول أمام أي منصة عدالة مرجوة.
-
ظاهر إيجابي يكذبه الواقع
- رغم ما في ظاهر الحديث من إيجابيات إلا أن الواقع والوقائع تكذب البرهان، فمنذ قرارات الانقلاب في 25 أكتوبر تمت استعادة الحزب المحلول والحركة الإسلامية وتمكينهما من كل مفاصل الدولة، ولو كلف البرهان نفسه قليلا لوجد منسوبي الدفاع الشعبي والحركة والحزب وكتائب التنظيم وتحركات علي كرتي لا تبعد من مكتبه سوى أمتار قليلة، وهنا أستذكر قولي له حينما احتج على حديثي بأن مثواه سيكون كوبر، خاطبني قائلا: انت عايز تدخلني كوبر؟ فقلت حينها بحضور نائبه دقلو واللواء برمة والفريق ياسر العطا: “بأن كوبر ستكون نزهة لك يا سيادتك، وسيكون مصيرك الدروة ورصاصة في الجبهة حال عاد النظام المباد”، وما هذه الأحاديث إلا خوف من الانقلاب القادم للإخوان.
وجدير بالذكر أن السودان يُعاني منذ عام كامل، فراغاً دستورياً، وتحديداً منذ التدابير التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021.
إذ حل البرهان مجلسي السيادة والوزراء، وأقال رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد، وجمد العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، ولجنة إزالة التمكين ومكافحة الفساد، التي كانت معنية بتفكيك نظام البشير، في خطوة وصفها بأنها “تصحيحية لمسار الثورة”، بينما اعتبرتها القوى السياسية وفاعلون في المشهد السوداني أنها تُمثل “انقلاباً على الحكومة المدنية”.
وتجري الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيقاد، جهوداً لتسوية الأزمة السياسية، بين المدنيين والعسكريين، وتوصلت إلى صيغة لتسوية سياسية.
وأفادت وكالة “بلومبرغ” الشهر الماضي، باقتراب الجيش ومجموعة من قوى المعارضة من التوصل لاتفاق، بوساطة أمريكية، يمنح قادة الجيش حصانة من المتابعات القضائية.
وينص الاتفاق المقترح على أن يوافق الجيش على تعيين رئيس دولة غير عسكري، ورئيس وزراء يختاره المدنيون، فيما يمنح شكلاً من أشكال الاستقلال والحصانة للجيش من الملاحقات القضائية، وهي التنازلات التي من شأنها أن تلغي الالتزامات الواردة في الوثيقة الدستورية التي كُتبت بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير.
إدريس عبدالله