زيارة وفد البنك الدولي ومعلومات جبريل إبراهيم المضللة

خاص – استقصائي
في مطلع ديسمبر الجاري، زار وفد من البنك الدولي مدينة بورتسودان، التقى خلال الزيارة وزير المالية والاقتصاد الوطني جبريل إبراهيم. وبعد الزيارة قالت وزارة المالية في تصريح صحفي إن البنك الدولى أعاد علاقته مع حكومة السودان، بعد تعليق العلاقات منذ عام 2021.
وكانت البعثة برئاسة المدير الإقليمي للبنك الدولي في السودان وإثيوبيا وإريتريا مريم سالم وتضم يويتشيرو إيشيهارا المدير القطري للسودان بالبنك، بمشاركة د.محمد عثمان، الخبير الاقتصادي بمكتب البنك في السودان. وفي خبر وكالة السودان للأنباء (سونا) عن الزيارة قالت إن “جبريل إبراهيم أشاد بالزيارة وبعودة علاقات البنك مع السودان بعد تعليقها واستمرار تمويل المشروعات”، وأضافت في الخبر “. وكشفت وزارة المالية عن استمرار تمويل البنك الدولي للسودان بمحفظة تمويلية بقيمة 540.2 مليون دولار.
غير أن مصادر متطابقة ذات صلة بالبنك الدولي ومن داخل وزارة المالية كشفت لـ” استقصائي” عن أن زيارة بنك الدولى كانت لأسباب مختلفة عن ما أعلنت عنه وزارة المالية وما جاء في خبر وكالة السودان، وما صرحت به قيادات في الوزارة من بينهم الوزير جبريل للإعلام.
وقال مصدر من البنك الدولي إن “ما أعلن عنه من وزارة المالية كذبة سياسية لها أغراض معلومة”.
مصادر متطابقة ذات صلة بالبنك الدولي ومن داخل وزارة المالية كشفت لـ” استقصائي” عن أن زيارة بنك الدولى كانت لأسباب مختلفة عن ما أعلنت عنه وزارة المالية
قطع العلاقات بين البنك الدولي والسودان

قبل تفكيك حقيقة زيارة وفد البنك الدولي إلى بورتسودان، من المهم العودة إلى أسباب وفترة قطع العلاقات بين البنك والحكومة والتي تدهورت عقب انقلاب عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية. وقال مصدر من البنك الدولي – طلب حجب اسمه- إنهم علموا بأمر الانقلاب في وقت مبكر من صبيحة 25 أكتوبر 2021، وبعد ساعات من الانقلاب، اتخذت رئاسة البنك في واشنطن قراراً قضى بتجميد كافة مشروعات البنك في السودان. وأضاف “ليس البنك الدولي وحده، فصندوق النقد اتخذ ذات الخطوة، وجميع الجهات الممولة والمانحة فعلت ذلك” وأشار إلى أنهم لا يدعمون حكومة انقلابية، لأسباب عديدة. وقال “في حالات الحكومات الانقلابية تنتفي الشفافية والمحاسبة، وتنقل البدول إلى تصنيف بيئة غير مستقرة”.
وفي رده على سؤال مباشر عن صحة قرار البنك الدولي استعادة علاقته مع الحكومة في بورتسودان وفقاً للزيارة الأخير، أجاب: “البنك وصندوق النقد الدوليان أوقفا التعاون وبرامج الإصلاح منذ صباح انقلاب 25 أكتوبر 2021، ولا يزال هذا الإيقاف ساريًا حتى اللحظة، امتثالًا لأحكام السياسة التشغيلية OP 30 الخاصة بالعمل في البيئات غير المستقرة سياسيًا.” وأضاف “البنك الدولي لا ينخرط في تعاون اقتصادي بغرض التنمية مع دولة حكومتها تخوض حرباً ومصرة على استمرارها”.
حقيقة الزيارة وتضليل الحكومة

قال مصدر من البنك الدولي إن “المشروعات التي تم الحديث عنها هي مبادرات موجّهة بالكامل من المانحين لدعم صغار المزارعين والشركات الصغيرة والمتوسطة، وليست برامج حكومية.” أعدنا عليه السؤال بطريقة أخرى وفحواه أن حكومة الأمر الواقع ممثلة في وزارة المالية صرحت بمعاودة التعاون مع البنك الدولي واستئناف العلاقة مع حكومة الأمر الواقع وأنه بصدد تمويل مشروعات حكومية بمبلغ (700) مليون دولار، وفي إجابة مقتضبة قال “هذا غير صحيح”.
تفعيل مشروع “صمود”

وفي التفاصيل كشفت المصادر عن أن سبب الزيارة تفعيل المرحلة الثانية من برنامج تمويلي أطلقه البنك منذ 2024، يعرف بمشروع (صمود)، وحجم التمويل فيه كان (130) مليون دولار، ويمنح البرنامج الأولوية لقطاعات الزراعة، سلاسل القيمة، المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والقدرات الإنتاجية للمجتمعات المستضيفة والنازحين، بحسب البنك الدولي.
رابط برنامج صمود (https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2024/04/15/new-afe-world-bank-initiative-sudan
وفي مزيد من التفاصيل قال المصدر “من المهم التأكيد على أن تمويل البرنامج يأتي من صندوق مانحين متعدد الأطراف، وليس من موارد البنك الدولي نفسه، بينما يضطلع البنك بدور التصميم والإشراف الفني.”
وتم الاتفاق على تنفيذ البرنامج عبر وكالات الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الإنسانية، مع توجيه المنح مباشرة للمستفيدين من مجتمعات النازحين والمزارعين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وقال مسؤولون بالبنك الدولي، عند إطلاق برنامج صمود في (15 /أبريل/2024)، أي بعد عام من الحرب “يُموّل هذا المشروع بمنحة قدرها 130 مليون دولار أمريكي من صندوق دعم الانتقال والتعافي في السودان (STARS) متعدد المانحين، وسيُقدّم تمويلًا مباشرًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي، وسيتم تنفيذه بالشراكة مع منظمات غير حكومية دولية ومحلية”. وتعمد المشروع ذكر التعاون مع حكومة الأمر الواقع بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.
وقالت ميلينا ستيفانوفا، مديرة مكتب البنك الدولي في السودان، عند إطلاق البرنامج “نحن متحمسون لإطلاق برنامج (صمود) ومن خلال تعاوننا مع اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات غير الحكومية، نهدف إلى تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، وتعزيز الأمن الغذائي، وتمكين المجتمعات المحلية. ويشهد هذا المشروع على التزامنا بدعم شعب السودان وثقتنا بمستقبل أفضل وأكثر استدامةً وقدرةً على الصمود”.
ويمثل صندوق “ستارز الاستئماني “أحد تعهدات المجتمع الدولي لحكومة الدكتور عبدالله حمدوك، ويمثل منصةً تنسيقيةً شاملةً لمشاركة البنك الدولي في جهود التعافي والانتقال في السودان. ويحظى بدعمٍ سخيٍّ من كندا، والاتحاد الأوروبي، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، والمملكة العربية السعودية، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا، والسويد، والمملكة المتحدة.
البنك وصندوق النقد الدوليين أوقفا التعاون وبرامج الإصلاح منذ صباح انقلاب 25 أكتوبر 2021، ولا يزال هذا الإيقاف ساريًا حتى اللحظة
الانتقال إلى برنامج “ثبات”
فرق من شركة/ منصة 249— شركة يديرها شباب سودانيون- وفرق فنية أخرى بعمليات العناية الواجبة والتحقق من أهلية المستفيدين ضمن إطار مشروع (صمود)، الولايات المستهدفة في بداية المشروع كانت نهر النيل والولاية الشمالية، وخُصص مؤخرًا مبلغ 50 مليون دولار إضافية لولاية الجزيرة ضمن توسيع نطاق تدخلات البرنامج وتحديداً المناقل والقضارف، وكانت المنح مباشرة للمزارعين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بحسب البنك الدولي.
وقالت المصادر إن زيارة وفد البنك لاستئناف المشروع في نسخة جديدة أطلق عليها اسم (ثبات) بعد نجاح مشروع (صمود)، ومن المقرر أن تغطي المرحلة الثالثة والرابعة من المشروع ولاية الخرطوم ودارفور.
لماذا التقى الوفد جبريل؟

ربما يخطر على ذهن كثيرين سؤال عن سبب زيارة الوفد بورتسودان ولقائه وزير المالية جبريل إبراهيم. طرحنا هذا السؤال على مصادر في البنك الدولي والذين أكدوا بدورهم أن الزيارة في إطار التنسيق اللوجستي ولا تعد بأي حال عودة تعاون البنك مع حكومة بورتسودان. وقال المصدر زيارة وفد البنك الدولي إلى بورتسودان لا تعني أي اعتراف بسلطة الأمر الواقع بغية تطبيع العلاقات، وانحصرت في إجراءات ميدانية ولوجستية تتصل بتسهيل وصول فرق العمل إلى الولايات المستهدفة، بما يشمل إصدار تصاريح الحركة والتشغيل ولا تُعد الزيارة بأي شكل اعترافًا أو تعاونًا حكوميًا أو دعمًا للموازنة، بل تأتي ضمن إطار عمل فني محدود مسموح به في البيئات الهشّة وفق ضوابط البنك الدولي”. وقالت المصادر إن جبريل يعلم أن صلاحيات إنهاء تعليق التعاون مع السودان يصدر عن البنك وليس من صلاحية المدير الإقليمي ولا مدير البنك في السودان ويتشيرو ايشيهارا الياباني الجنسية.
الزيارة في إطار التنسيق اللوجستي ولا تعد بأي حال عودة تعاون البنك مع حكومة بورتسودان
البنك يطالب بالديون
أكدت المصادر أن تصريحات وزارة المالية التي جاءت في المؤتمر الصحفي وما نشر في الوكالة الرسمية “سونا” لا صلة له بالحقيقة، وأن مسألة الاقتصاد السوداني الكلي خلال اللقاء لم تتعدَّ أسئلة فنية حول أوضاع المؤسسات الاقتصادية وتأثرها بالحرب، وتوقعات وزارة المالية للاقتصاد بعد الحرب، دون تعهدات بدعم مشروعات. والأخطر في اللقاء، بحسب مصدر في وزارة المالية، أن وفد البنك الدولي أبلغ وزير المالية جبريل بأن السودان مطالب بسداد مبلغ (987) مليون دولار سنوياً لسداد ما عليه من ديون والتزامات للبنك، وهذا يعني أن البنك عاد وطالب بديونه على السودان والتي سبق وتنازل عنها في فترة حكومة الدكتور عبد الله حمدوك.
وزار مدير البنك الدولي ديفيد مالباس السودان قبل شهر واحد من انقلاب 25 أكتوبر، وقال إنه يتعهد بنحو ملياري دولار في صورة منح للمساهمة في مكافحة الفقر وعدم المساواة، ودعم النمو ولكن البنك علق نشاطه بسبب الانقلاب.
كذبة سياسية وفضيحة
شواهد كثيرة تؤكد أن وزارة المالية تعمدت الكذب على الرأي العام السوداني، وتبذل حكومة الأمر الواقع مجهوداً كبيراً للحصول على شرعية أو اعترف دولي. وتأثر النشاط الحكومي في تقديم الخدمات بعد الانقلاب، وزاد الأمر سوءاً بعد اندلاع الحرب. وقال مصدر من وزارة المالية “جبريل لم يكن يتوقع أن تكون مقاطعة بيوت التمويل بهذه الحدة وأن يمتنع المانحين عن تقديم مساعدات للحكومة فترة طويلة”.
وقال عدد من الناشطين أن جبريل يكذب حتى يطمئن مؤيدي الحكومة أن الحكومة معترف بها دولياً، أو على الأقل بدأ المجتمع الدولي يعترف بها ويتعامل معها، وقال المصدر إن “التقارير التي تتحدث عن عدم التعامل بشفافية مع الإغاثة والمعلومات عن التصرف فيها لأغراض خاصة يمنع البنك الدولي تسليم الحكومة أموالاً لأي مشروع”. وذكرت المصادر أن البنك الدولي ينفذ المشروعات عبر وكالة الأمم المتحدة والمنظمات والقطاع الخاص، ولا يتعامل مع الحكومة في التنفيذ. وقال المصدر “أوردت وكالة سونا في الخبر المنشور الآتي: وبحث اللقاء المشروعات التي بدأ تمويلها من محفظة البنك منذ العام 2024م ويستمر إكمال تنفيذها عبر المحفظة خلال الأعوام القليلة القادمة، وتتمثل في تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود”، مشيرا إلى أن الوكالة الرسمية تحاشت أن تذكر المعلومات كاملة من أجل التضليل وتمرير الكذبة السياسية على حد قوله، تقرير البنك الدولي (Sudan Overview) المنشور في أغسطس 2025 يؤكد أن البنك لا ينوي تمويل مشروعات في السودان. وصرح مستشار الوزارة بأن البنك قبل أن يدعم ميزانية الحكومة وتمويل مشروعات تنموية بمبلغ (700) مليون دولار وهي معلومات مضللة، إذ إن البنك قال إن التمويل سيتوجه إلى المزارعين والأعمال المتوسطة والصغيرة ولا علاقة له بميزانية الدولة.
وقال المصدر “بعد هذه الكذبة السياسية سيكون البنك أكثر حذراً في التعامل مع وزارة المالية وحكومة الأمر الواقع في بورتسودان”.
وانتشر بيان الوزارة والمؤتمر الصحفي على نطاق واسع وفي قنوات فضائية كبيرة من بينها قناة الجزيرة وقناتا العربية والحدث، الأمر الذي يضع مصداقية الحكومة على المحك.
وقال عدد من الناشطين أن جبريل يكذب حتى يطمئن مؤيدي الحكومة أن الحكومة معترف بها دوليا
