أعلن رجل سبعيني يدعى أحمد التجاني أنه مسيح بني إسرائيل، وأن الإنجيل ذاته وروحه، وقال إن صورته التي كان عليها في بني إسرائيل لم تتغير إلا بقدر طفيف، نتيجة الاختلاف بين النشأتين، نشأة بني إسرائل ونشأة الأمة المحمدية.
وذكر في دعوته التي أطلقها في 9 سبمتبر الحالي، أنه مآل القرآن ومآل الحديث النبوي في الإخبار عن المهدي المنتظر لكل الأمم والملل والشعوب، وبهذه الدعوة بلغ عدد الذين ادعوا النبوة 31 نبيا مزيفا، هذا العدد ، فتح شهية النساء لادعاء النبوة، لأن في الغالب الأعم يكون ادعاء النبوة والعيسوية من نصيب رجال، لهم اتباع ومريدون، ويكاد السودان يكون أكثر الدول التي بلغت هذا الرقم.
النبية التي قتلت صبية
في أغسطس هذا العام دخلت سيدة “كمبو الأمين” مضمار المغامرة المحفوفة بالمخاطر فأصبحت أول امراة سودانية تدعي النبوة، وفي ولاية الجزيرة ريفي أبوقوته احيطت كمبو الأمين بالأتباع والمريدين، ووضعت نفسها في موضع المعالج، لكن وفاة امرأة وطفلة على يديها – حيث كانت تعالج بالسياط والضرب المبرح – وضعت حداً فاصلاً بينها وبين أهل المنطقة، إلا أن أتباعها هددوا كل مشكك، في نبوتها، بالقتل، فسرت حالة من الخوف والذعر، ما جعلها عرضة لملاحقة الشرطة والتي ألقت القبض عليها في يوم 22 اغسطس المنصرم .
النبي الطائر
لم ينجو كل الذين ادعوا النبوة من أحكام السجن أو الإعدام أو النفي، ماعدا شخص واحد تمت محاكمته فقط عبر الأسافير ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو الروائي والكاتب محسن خالد والذي أعلن عن نبوأته في العام (2018) وأطلق تحذيراً من الاستهزاء بدعوته، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين ألبس ثوب النبوة لرئيس الحزب الليبرالي في ذلك الوقت عادل عبد العاطي، وقال أنا وعادل أنبياء، ولزيادة التأكيد سمى نفسه يحيي بن زكريا بن محمد بن عاصم بن الطيب بن عمران، ونشر محسن في دعوته “أزيدكم من الزجاجة مصباح، من تزعمون كذباً وإفكاً أنه عادل عبد العاطي، هو نبي الله ورسوله إلياس بن فاتح، أحد الأنبياء المتروك عليهم في الآخرين، وسيستيقظ، لو ليس اليوم فغداً”.
اللافت في الأمر أن عادل عبدالعاطي أبدى سخرية من ادعاء محسن، فقال : “النبي الطاير تعرض للحبس من قبل أهله والضرب بالسياط إلى أن تخلى عن دعوته”.
العيسويون
على مدى نصف قرن من الزمان ادعى 11 شخصاً العيسوية في السودان أي منذ العام 1900 وحتى العام 1951، بداية بعلي عبدالكريم والذي نفى وسجن أتباعه أما آخرهم فهو أبوبكر خاطر1951 ، و في خلال عشرة أعوام متتالية ظهر 7 ممَن ادعوا العيسوية – 1900 وحتى 1910 .
ويقول عبدالله الفكي البشير إن ادعاء النبوة في تلك الفترات يعود إلى معارضة الاستعمار الانجليزي ولم يكن مستغرباً أن كل الذين ادعوا العيسوية كانوا يدينون بالدين الإسلامي لأن في ظنهم أن ظهور النبي عيسي قد يفتح الباب ليتحول العالم كله إلى الإسلام ولم يك ادعاء العيسوية قاصراً على السودانيين فقط ففي أكثر من بقعة إسلامية ظهرت أسماء.
أنبياء تحت المشانق
تراوحت الأحكام على مدعي النبوة ما بين النفي والإعدام والسجن، فمن الذين حكم عليهم بالإعدام 13 شخصاً، وأول من جرت محاولة قتله بعد السجن هو حمد النحلان ود الترابي. جد حسن عبد الله الترابي والذي تم سجنه وكانت هناك محاولة لقتله بالسم في مكة. (عاش بين 1600 -1700م) أما آخرهم فهو الفكي عبد الله السحيني (النبي عيسى) (دارفور- نيالا) والذي أعدم في عام 1921.
أما اول من تعرض للنفي فهو علي عبدالكريم – عيسوي – وتم نفيه في العام 1900 ، وتعد حالة المهندس الزراعي محمد ( الاسم الأصلي مجهول)، فريدة (نبي آخر الزمان) ، لكونه أعلن دعوته مرتين الأولى في العام 2000 وبعد خمسة أعوام قضاها في المنفى عاد مرة أخرى في العام 2005 ليجدد دعوته، إلى أن تمت مصادرة جواز سفره، أما محمد محمود والذي ادعى أنه (رسول الله والمهدي المنتظر). من قرية الخندق في شمال السودان. فبعد أن أعلن دعوته في مواقع التواصل الاجتماعي، لاحقته السلطات ونفته إلى القاهرة في العام 2006، ومن لم ينف أو يعدم تم اعتقاله أو حبسه.
ويقول المؤرخ محمد سعيد القدال إن حالات الإعدام في فترة الاستعمار الانجليزي جاءت نتيجة لمخاوف المستعمر البريطاني من بروز وانفجار الحركات الدينية في السودان، لأن في ظنهم أن التطرف الديني كامن في عمق بسيط تحت السطح ، وأن المهدية لم تمت في السودان، إنما خنقت ولكنها ماتزال تمتلك الكثير من الحيوية، وسوف تظهر على السطح كلما سنحت لها الفرصة.
و لفت المؤرخ محمد عمر بشير إلى أن كتشنر طالب مديري المديريات عام 1899م بأن يقهروا فوراً وبعنف أي تمرد أو عصيان له توجهات دينية. وجاء ونجت ليقول: “يتعين علينا ألا نتراخى لحظة في احتياطاتنا ضد انتشار مثل هذه الحركات، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك أن نسحقها في بدايتها بلا رحمة”.
وربط القانوني إسماعيل التاج الأحكام القضائية التي صدرت في حق مدعي النبوة بالمنهج الفكري لدى السلطات الحاكمة، ويرى أن مدعي النبوة لا يجب إصدار اية احكام ضدهم، مشيراً إلى أن غياب العقل النقدي هو من سمح لمحاكمة مدعي النبوة، ولفت التاج إلى أن الأنظمة الشمولية والديكتاتورية تضع القوانين والأحكام التي تتناسب مع شدة القمع والكبت.
وقال التاج إن في أوقات الشدة والقهر واشتداد القبضة تبدأ في الظهور أسماء الساعين إلى النبوة، وعادة ما تتهم حكومات البطش والتنكيل بأن مدعي النبوة يعكرون صفو الأمن وتعكير الحياة، ليصبح مصيرهم إما السجن أو الإعدام تحت أعواد المشانق، أو النفي.
وفي فترة حكم الإسلاميين ظهر ثلاثة من مدعي النبوة سليمان أبوالقاسم والذي ادعى العيسوية في العام 2012 وهو صاحب مدونات حافلة بالكتابة، كما برز مهندس زراعي سمى نفسه نبي آخر الزمان وقد أعلن دعوته في العام 2005 إلى جانب محسن خالد.
وبعد انقلاب الـ25 من أكتوبر ظهرت حالتان وهما سيدة كمبو الأمين وأحمد التجاني.
ضلالات العظمة
يقول محمد فاروق إن مدعي النبوة أصبح ينتهي بهم المطاف عند المصحات العقلية، وترفض المحاكم النظر في قضاياهم بحجة عدم سلامة المدعى عليهم نفسيا أو عقليا كما حدث حتى في مواجهة من يعلنون إلحادهم، ورجح فاروق أن تنامي الوعي الحقوقي العالمي هو من يقف حائلاً بين محاكماتهم، لافتاً إلى أن الحكومات المستبدة لا تتعاطف مع مواطنيها بقدر ما تخشى رد فعل المجتمع الدولي.
وبالنسبة للطبيب النفسي محمد الفاتح فإن ادعاء النبوة يعد من ضمن أعراض الأمراض النفسية، ويصنف بأنه ضلالات العظمة، وعادة ما يعتقد مدعي النبوة أن له قدرات أعلى ومكانته أرفع، لذا يصعب إقناعه لجهة أنه مضطرب الوجدان ، ويرى محمد أن هؤلاء جديرون بالتعاطف أكثر من العقاب.
مغامرة وانتحار
ويرى القيادي بالتحالف السوداني محمد فاروق أن أنظمة الاستبداد تجعل المجتمعات مضطربة، كما أنها تدفع بالجهل والخرافة فتسيطران على كثير من الأشخاص، ويرى فاروق أن هناك سطوة أخرى لاتقل عن سطوة الأنظمة الحاكمة، وهي الاستبداد الديني، وربما الدولة ذات الطبيعة الدينية وحدها تأخذ اضطراب هؤلاء الأفراد على محمل الجد، وتضعهم في مواجهة حد الردة.
ويقول محمد عمر بشير إن مناخ الكبت والقهر يساهم في ظهور ادعياء النبوة، وأن هذا الادعاء مغامرة محفوفة بالمخاطر بل بالانتحار، وأن فيها تقليدا جامدا لحركة الإمام المهدي.
ويشير إلى أن ضيق الحياة وعنتها يغلفان حياة السواد الأعظم من السودانيين، نعم هم يريدون مخرجاً يبصرون به الأنفاق الضيقة لكن حالات ادعاء النبوة لن تتوقف في السودان وستكون مثل تكرار المسرحية.
استقصائي/ مصعب محمد علي