معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

صحفيون حول كيكل.. متابعة لما انقطع عن مسلسل “صحفيون حول حميدتي”

تقارير – استقصائية

في السودان، يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه في شكل مأساة أو يعيد تفاصيله في شكل ملهاة. المناظر هي ذاتها، والمشاهد تتكرر، وصوت الأسطوانة لم يتغير. فجر كاذب يطل من خلف المراحل، دنيا تتغير، و”الجماعة” أدمنت عشق الثوابت، وصوت ينادي بالمستحيل. الحقيقة أننا كنا بالأمس أمام مشهد جديد لكنه مكرور.

بورتسودان، التي أطفأت لتوها نيران حرائق مستودعات الوقود بعد استهدافها بواسطة المسيرات، تشهد لقاء جمع صحفيين محسوبين على مكونات النظام السابق بقائد “درع السودان” أبو عاقلة كيكل، الرجل الذي كانوا يصفونه بـ”المليشياوي” المتمرد على القوات المسلحة، والذي صار الآن في نظرهم المخلّص الذي سيعيد مجد الجيش بانتصاره على مليشيا آل دقلو، التي كان حتى وقت قريب جزءاً من مكوناتها.

مشهد الذين التقطوا صورة مع كيكل في بورتسودان يعيد إلى أذهان السودانيين مشهد أولئك الذين التقطوا الصورة الأولى مع حميدتي، قبل أن يطلق طلقته الأولى في حرب أسموها “حرب الكرامة”. وهو ما يعزز فرضية أن المأساة تتجدد في سودان المليشيات التي تصنعها السلطات ويُجمّلها أصحاب الأقلام. من كانوا يصفقون بالأمس لحميدتي، غيروا اتجاههم مع الريح، واختاروا أن يكونوا في صف كيكل.

المفارقة أن كل ذلك جرى تحت لافتة كبيرة مفادها “حرب الكرامة”، وغايتها المعلنة إنهاء المليشيات. لكن في السودان، يمكن أن تحدث كل المتناقضات: تدعم الجيش في حربه ضد مليشيا حميدتي، وتقترب في الوقت ذاته من مليشيا كيكل.

كيكل في قبضة “الفلول”؛ هكذا كان تعليق البعض وهم يتفحصون الصورة التي كشفت عن الصحفيين “الوطنيين” الذين التقاهم الرجل في مقر إقامته ببورتسودان. معظم الحاضرين كانوا في صف نظام البشير الأول، وبعضهم كانوا أعضاء في الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، الواجهة الإعلامية لحزب المؤتمر الوطني في زمن سابق.

المدهش أن من احتفلوا بلقاء قائد “درع السودان”، أخرج لهم البعض تغريدات ناقدة لكيكل، لم يمضِ عليها زمن طويل، وكأنهم يؤكدون عدم وجود ثوابت تحكم تحركاتهم في المشهد السوداني المضطرب.

أعوام إلى الوراء، في ذات البلاد التي يشتعل فيها الشجر الآن وتقضي الحرب على الأخضر واليابس، يمكنك أن تتابع مشهد الإعلام وهو يحتفي بحميدتي، الذي تحوّل إلى متمرد اليوم، وهو مسؤول بشكل مباشر عن كل مآسي الحرب التي كان يخوضها وهو صائم، بحسب ما تسرّب من أخبار اللقاء. حميدتي، الذي أنتجه رحم الجيش، تطور في صفحات الجرائد، وخرج صوته من قنوات التلفزة المرتبطة بذات المنظومة الحزبية التي ترى الآن أن القضاء عليه هو استعادة لكرامة السودان والسودانيين وقواتهم المسلحة.

خلاصة الأمر هنا أن الراغبين في استعادة مزاياهم التي سحبتها منهم ثورة ديسمبر، كلما رأوا نجم مليشيا جديدة داروا حوله وانتظروه أن يعيدهم إلى مجد الأيام السابقات.

بالنسبة للبعض، فإن أول ما أُطلقت عليه النيران في حرب العبث التي اندلعت في أبريل، كانت الحقيقة. وعامان من الدوران في فلك الأكاذيب الكبرى التي تلد أكاذيبها الصغرى، قضيا على حلم الناس في صحافة تكون رد فعل لما يطلبه الشعب، يرى فيها صورته وسلطته المنقلب عليها. لكن بدا أن ذلك حلم بعيد المنال.

لا يزال الصحفيون في بورتسودان يرون في نفض الغبار عن قيادات الحرب ومليشياتها إنجازًا يتباهون به، ويمدّون ألسنة سخريتهم لأغلبية شعبية ترى في كيكل “مجرمًا” ينطبق عليه ما ينطبق على حميدتي، الذي قاتل في صفوفه، بل أكثر من ذلك، فتح له أبواب الجزيرة، وفتح على أهلها نيران الانتهاكات. والفرق بين أبو عاقلة وحميدتي هو فرق في الدرجة، لا في النوع.

حسنًا، بالنسبة لكيكل، فإن خطوة اللقاء بأهل الإعلام تمثل له درجة أخرى في مسار الصعود نحو المجد، المجد الذي تصنعه البندقية، بغض النظر عمن يحملها، أو مَن يسقط ضحية لها. إنها خطوة في ذات الطريق الذي اختطه “المليشياوي” الأول، وبدعم من نفس الناس. إنها خطوة في الطريق نحو السلطة، طريق لا يبدو بعيدًا، طريق يمهّده “صحفيون حول كيكل”، وهم يعرضون على الناس الجزء الثاني من مسلسل “صحفيون حول دقلو”.

كيكل، الذي من الممكن أن يكون العدو رقم واحد في معركة الكرامة رقم اثنين.

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *