على أنقاض الوطن تُعزَف الألحان: حين يصمت العقل ويغنّي الخراب
مواهب عبد اللطيف – استقصائي
في بلدٍ تتصاعد فيه ألسنة اللهب، وتتساقط فيه الأرواح تحت ركام الطائرات المسيّرة، تعلو الأصوات لا من أفواه المنكوبين، بل من حناجر مغنّيات يتجوّلن بين الجنود في مدينة بورتسودان، المدينة التي لم تبرأ بعد من رعب القصف. مشهد يثير الدهشة، بل الغضب أحيانًا: أي دور يمكن أن يؤديه الغناء في أرضٍ تستغيث؟ وهل أصبح الترفيه بديلًا عن القرار، والألحان بديلاً عن صوت العقل؟ سؤال يتجاوز الفن ليطرق باب السياسة، ويضعنا وجهًا لوجه أمام حقيقة مُرّة: الحرب لا تُواجَه بالتصفيق، بل بالحكمة.
لقد أثار الظهور المستفز (لمغنّية) وسط قوات أمنية في مدينة بورتسودان، التي تعرّضت مؤخرًا لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة وأسفرت عن دمار واسع في مرافق حيوية، الكثير من التساؤلات. جاء هذا الظهور في توقيت مشحون سياسيًا وعسكريًا، وسط ضجيج إعلامي ملحوظ، ما دفع الكثيرين للتساؤل: هل يمكن لصوت الغناء أن يُطفئ نيران الحرب؟ أم أن صوت العقل وحده هو القادر على إخمادها؟
لا شك أن الفن كان — ولا يزال — أداة للمقاومة المعنوية في وجه الدمار، ووسيلة لنقل رسائل الأمل والصمود. إلا أن في لحظاتٍ تُدمَّر فيها المدن، ويُقتل الأبرياء، ويُهجَّر الملايين، يصبح الحديث عن الترفيه في قلب المأساة حديثًا سياسيًا بامتياز، يُقاس بميزان الأخلاق والعدالة، لا بالضجيج والصور المتداولة.
ما حدث في بورتسودان لا يمكن فصله عن استراتيجية صناعة الصورة، التي تعتمدها أطراف في السلطة لتحويل الكاميرا إلى أداة خداع، تلتقط اللقطة المريحة وتتجاهل الكارثة. فتبدو المدن التي تعاني من رعب المسيّرات وكأنها ساحات احتفال، بينما الحقيقة تقبع خارج إطار الصورة، حيث النازحون والجوعى والمكلومون.
زيارة المغنّيات في هذا السياق تبدو محاولة لصرف الأنظار عن واقع إنساني مأساوي يُواجه بالتجاهل لا بالحلول، في وقتٍ لا تزال صرخات المدنيين تتعالى في المدن المحاصرة، والطائرات المسيّرة تلاحق النازحين، والمجاعة تطرق أبواب آلاف العائلات. أمام هذا الواقع، لا تبدو الموسيقى كافية، بل عاجزة، إن لم تُرفَق بموقف أخلاقي واضح يطالب بوقف الحرب لا بتجميلها.
الفن لا يجب أن يُستخدم كأداة تلميع لواقع مشوّه، أو كقناع يُسدل على وجه المعاناة. فصوت الغناء لا يمكن أن يُغْني عن صوت العقل، بل يجب أن ينحاز إليه؛ أن يسانده في الدعوة إلى إنهاء الحرب والضغط من أجل السلام، لا أن يُستغَل لصناعة مشهد زائف من “الاستقرار” وسط الرماد.
لا أحد يطالب بإسكات الفن، بل بإعادته إلى موقعه الحقيقي: إلى جانب المقهورين لا المستعرِضين، في صفّ المطالبين بوقف الحرب لا المبرِّرين لاستمرارها. فالفن الحقيقي لا يُجمِّل الجريمة، بل يفضحها. والغناء الذي لا ينتصر للعدالة يصبح ضجيجًا يُستخدم لإسكات الضحايا لا لمساندتهم.
فالحرب لا يُطفئها اللحن، بل القرار. ولا يُنهيها التصفيق، بل التفاهم والاعتراف المتبادل. نحن بحاجة اليوم إلى أصوات تنادي بوقف القتال، لا إلى أغنيات تُموّه الجراح. في وطن يحترق، يجب أن يكون الفن صوتًا للحقيقة، لا خلفية موسيقية لمعركة لا منتصر فيها.
لقد فُضح الزيف وسقطت كل الذرائع. لا حديث عن وطن ولا كرامة ولا حرية في ظل تمزيق السودان وتشريد شعبه. أنتم لا تمزّقون وطنًا فحسب، بل تمزّقون ضمائركم. كل رصاصة تُطلق الآن تصيب قلب السودان، وكل يوم من هذه الحرب وصمة لن تُمحى من كتب التاريخ. إن استمراركم في القتال ليس بطولة بل جريمة، وليس ثباتًا بل عنادًا مدمّرًا. إن كنتم قد فقدتم البوصلة، فلتصمتوا على الأقل، ودعوا صوت السلام يتكلّم.
فالسودان باقٍ رغمكم، لكنكم لن تبقوا، وسيذكركم الناس لا كأبطال، بل كجلّادين أضاعوا وطنًا.
كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان إليكم…
الحزب الشيوعي : لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية.. ونرفض استغلال مزاعم "الأسلحة الكيميائية" للتدخل…
رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان تقرير - رحاب مبارك سيد أحمد | 11 يونيو…
وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء استقصائي - مصعب محمد علي…
رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان استقصائي – تقارير تواصل…
مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين خاص - استقصائي اتهم مسؤولون ليبيون، يوم…