كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان
إليكم تفاصيل الحرب بعيون سودانية
تقرير استقصائي
بكلمات محسوبة، أدانت الخارجية السودانية الاعتداء الإسرائيلي على دولة إيران واعتبرته مهددًا للسلم الدولي، قبل أن تطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ تدابير عاجلة لإيقاف التصعيد قبل أن يستفحل الأمر.
إلى هنا، انتهى الموقف الرسمي للسودان بشأن الحرب التي اشتعلت في الشرق الأوسط، والتي يُنظر إليها باعتبارها مقدّمة لحرب عالمية ثالثة.
بعيدًا عن موقف بورتسودان الرسمي، سنرصد في هذا التقرير مواقف السودانيين من حرب إيران والكيان. كيف ينظر شعبٌ تشتعل الحرب في بلاده إلى الحرب التي اندلعت في المنطقة؟ خصوصًا أنها ستلقي بتداعياتها على الإقليم وعلى بلادهم أيضًا.
الصمت من ذهب
عقب الرصاصة الأولى، انخرط الكثير من السودانيين في تقديم النصائح لحكومتهم بألا شأن لها بما يجري، وأن عليها تبنّي خيار “الصمت الاستراتيجي”، بعيدًا عن دعم أي طرف من أطراف النزاع، وفي الأذهان مواقف قديمة انخرط فيها السودان الرسمي في دعم أطراف حروب ما زال شعبه يدفع ثمنها. قالوا ذلك وفي بالهم أن دعم طرف قد يجعلهم هدفًا لصواريخ الطرف الآخر، في بلاد لم تطفأ بعد نيران المسيّرات التي ضربت عاصمتها المؤقتة مؤخرًا.
ببساطة وبمنتهى السخرية، أوصل البعض رسالتهم قائلين: هذه حرب لا نملك حتى ترف الفُرْجة عليها، في سودان الكهرباء القاطعة.
“البلابسة”.. موسم الهجرة إلى طهران
لكن، عقب اشتعال الحرب، سرعان ما ظهرت المواقف الداعمة للأطراف، إذ لم يطق الإسلاميون صبرًا وأبانوا عن موقفهم الداعم لإيران في حربها ضد إسرائيل. وسبق قائد “لواء البراءة بن مالك” ذو الخلفية الإسلامية، المصباح أبو زيد، الجميع حين غرّد قائلاً: “إيران، كل الدعم يا أبطال، معكم صفًا واحدًا”.
وهو ذات الموقف الذي تبناه عدد من الإسلاميين الداعمين للجيش في معركته ضد الدعم السريع.
المفارقة أن لغة الدعم الأولى كانت أشبه بخطابهم الداعم لمعركة “الكرامة”، حيث أرجعوا نجاح الضربة الإسرائيلية في اغتيال القيادات إلى ما أسموه “الخيانة والاختراق”، وهو المرادف للفظ “الطابور الخامس” الذي سبق أن حمّلوه وزر سقوط المدن السودانية في يد قوات الدعم السريع.
المفارقة أن “البلابسة”، في رحلتهم من بورتسودان نحو طهران، لم ينسوا مهاجمة من لا يدعم موقفهم في نصرة إيران، حيث اعتبره الكاتب الإسلامي عبد الماجد عبد الحميد “الموقف الحضاري الصحيح”، ومن يتفرجون بلا مناصرة، ومن الرصيف، سيفوتهم القطار.
وأكمل: “واهمون من يظنون أن إسرائيل ستغرق إيران في البحر، قد تخسر طهران بعض المعارك، لكنها لن تخسر الحرب، ستنهض من ركام الخيانة والعمالة وستعيد رصف الطريق.”
بالطبع، مارس “البلابسة” الداعمون لإيران ذات فعلهم في نقل تفاصيل الحرب، وملأوا “التايملاين” بالأخبار والصور المصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي، واحتفوا بتغريدة الرئيس الإيراني على منصة “إكس”: “نصر من الله وفتح قريب”، وبشّر بعض “بلابسة السودان” بعبارة: “إسرائيل تحترق.”
قبة أبو عشرين الحديدية
وجد حارس مرمى منتخب السودان، علي أبو عشرين، نفسه جزءًا من الحرب الإقليمية المشتعلة، حين قام البعض بمشاركة صورته محاولين ربطها بالعجز الذي أصاب “القبة الحديدية” في مواجهة القصف الصاروخي الإيراني.
من فعلوا ذلك، استندوا إلى الإخفاقات الأخيرة لأبو عشرين في حراسة مرمى منتخب السودان وقبوله للأهداف، رغم أن الرجل كان جزءًا أساسيًا من نجاحات المنتخب في الفترة الماضية.
المقارنة بين القبة وبين حارس الفريق الوطني السوداني تعبر عن اهتمام السودانيين بالنزاع، وفي الوقت ذاته عن روح ساخرة في التعاطي معه، رغم أن البعض رفض المقارنة برمتها، محذرًا من تأثيراتها على مستقبل الحارس الدولي الذي يتعرض لحملة من الانتقادات والتجاوزات.
حربنا وحربهم
فتحت حرب الإقليم الباب واسعًا أمام المقارنات بينها وبين حرب السودان التي تجاوزت العامين. حيث بدا البون شاسعًا بين صراع وصراع، وبالطبع بين امتلاك أدواته هنا وهناك.
ففي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن 200 طائرة شاركت في الهجوم على إيران، يتداول البعض خبر تصادم بين مسيّرتين، إحداهما تابعة للجيش والأخرى للدعم السريع في سماء نيالا.
بينما وقف البعض متفرجًا على أنقاض مبنى في تل أبيب دون أن يعلقوا، بل تساءلوا ساخرين عن ضوء ينبعث من إحدى الشقق: “حرب والكهرباء شغالة، كيف يعني؟”
كما أن الضربات التي تصيب أهدافها بدقة دون أن تتجاوزها دفعت البعض للتساؤل حول العدد الحقيقي لضحايا التدوين الخاطئ وقصف الطائرات للمدنيين.
ولم يخلُ الأمر من مفارقات تتعلق باحتفاء البعض بدعم المعارضين الإيرانيين لدولتهم في الحرب، وتوظيفها للتقليل من مواقف معارضين سودانيين، دون مراعاة للفوارق بين المعركتين، فالحرب في السودان تشتعل وسط البلاد، بينما تقف عدة دول بين طهران وتل أبيب.
مفارقات تشبه المقارنة بين استخدام التقنيات الحديثة في الحروب، وبين تحويل المدنيين إلى مجرد دروع بشرية بين أطراف النزاع السوداني.
خلاصة المقارنة هنا انتهت بمطالبة البعض السودانيين بالاعتذار للعالم عن حربهم، التي لا تشبه الحروب في عبثها الغارق حتى آخر مدى.
مصير الحرب
تعيد حرب الإقليم السؤال حول جدوى التفاوض كأحد أدوات حسم الحروب وإنهائها في العالم، وهو السؤال الذي يعيدنا مرة أخرى إلى ثنائية الصراع السوداني ومواقفه المتضادة بين “بل بس” و”لازم تفيف”.
المفارقة هنا، أنه في الوقت الذي انخرط فيه كثيرون في تيار “بل بس” وانقسموا بين مناصرة إيران والكيان، تبنّى أحد عتاة “البلابسة” في السودان خيار الدعوة للتفاوض لإنهاء الحرب، محذرًا من تأثيرات الاستقطاب الإقليمي على الاستقرار، وأنه يمكن أن تتحول الحرب إلى حرب عالمية ثالثة.
بينما يطرح سودانيون سؤالًا آخر يتعلق بمصيرهم الشخصي، وهم المتواجدون في منطقة الخليج بعد أن لفظتهم الحرب بعيدًا عن بلادهم: ما العمل لو اشتعلت الحرب هنا؟ وإلى أين سيكون المسير؟ لماذا كلما حاولنا الهروب من الحرب لاحقتنا نيرانها؟
مثل هذه الأسئلة تضع الجميع في مواجهة الآثار الكارثية للحرب ومترتباتها على المستويات كافة. فمن فقدوا وظائفهم في الخرطوم قد يفقدونها أيضًا في أماكنهم الجديدة، فضغط الحرب الاقتصادي لا يمكن احتماله، ومؤكد أنهم سيفقدون “الطمأنينة” في ظل الصراع، سواء في الإمارات أو عُمان، العراق، الكويت، السعودية، البحرين، الأردن، أو حتى مصر، التي تقع أيضًا في مسرح الصراع.
لذلك هم يرددون “لازم تقيف”، وفي بالهم أن أجمل ما في الحرب نهايتها. لا يهم بأي أدوات تتم عملية الموت، فما يفعله الصاروخ يفعله الكلاش العادي. الفرق هنا فقط في ثمن القتيل؛ ففي الوقت الذي يفقد البعض روحه بسلاح قيمته ملايين الدولارات، يموت آخر بطلقة سعرها أقل من ربع دولار.
سيستمر السودانيون في طيّ نسيان العالم، ذلك العالم الذي كان يتفرج على الكارثة الإنسانية في بلادهم دون أن يحرّك ساكنًا، في زمن كان أكثر هدوءًا، وفي شرق أوسط لم تكن تضئ لياليه نيران الصواريخ العابرة للبلدان. فما بالك الآن؟
يجب أن تنتهي حرب الإقليم، ومعها يجب أن ينتهي العبث في السودان.
الحزب الشيوعي : لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية.. ونرفض استغلال مزاعم "الأسلحة الكيميائية" للتدخل…
رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان تقرير - رحاب مبارك سيد أحمد | 11 يونيو…
وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء استقصائي - مصعب محمد علي…
رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان استقصائي – تقارير تواصل…
مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين خاص - استقصائي اتهم مسؤولون ليبيون، يوم…
احتجاجات وادي حلفا تُجبر السلطات على التراجع عن برمجة قطوعات الكهرباء اخبار - استقصائي خرج…