(تدخين البنات) … السر الذي أخرجته الحريات إلى العلن

 

البحث عن الراحة والهروب من الضغوط، والمحاكاة والتعبير عن الحرية الشخصية، أبرز أسباب لجوئهن لـ”مص السجائر” في الأماكن العامة

رفضت ناشطات اعتبار تدخين البنات من الحقوق النسوية، إلا أن مدخنات قلن لـ”استقصائي” إن من بين أسباب لجوئهن لممارسة عادة “مص السجائر” انتزاع حقهن في اختياراتهن.

وفيما تنوعت وتعددت دوافعهن للتدخين، إلا أن معظمهن لفتن إلى أن بحثهن عن الراحة النفسية وراء إقدامهن على التدخين، ومن بين الأسباب التي ذكرنها أيضا محاولة الهروب من المشكلات، والإعجاب بالأب المدخِّن.

التدخين في السر

واعتبرت آلاء عبدالرحمن، وهي ثلاثينية تدخن منذ أن كانت طالبة في الثانوي، أن تدخين البنات ظاهرة موجودة كانت تمارس في السر، وما حدث أن ثورة ديسمبر أتاحت لها فرصة الظهور إلى العلن.

وروت آلاء حكايتها مع تدخين أول سيجارة، مشيرة إلى أن طقوس والدها في شرب “الشيشة” حببتها في التدخين الذي  لا تعتبره مرتبطا بالحركة النسوية وقضايا المرأة، لكنها فقط تجد أثناء ممارسته راحة نفسية.

وطبقا للحاجة الثمانينية “حواء أب زيت” فإنها مازالت تمارس التدخين عادة يومية منذ أن تعاطت أول سيجارة خلال جلسة “زار” أيام عهد الرئيس الراحل جعفر نميري.

جلسات الزار

وتحكي حواء أن تدخين النساء كان مرتبطا لديهن بالظار أو ” الدستور” وهي طقوس قديمة، حيث تعتقد المرأة أن لديها خداما من الجن تنفذ لهم طلباتهم ، مقابل القيام بخدمتها، وقالت إنها بدأت تشرب في جلسات الظار ، وبعدها أصبح التدخين عادة تمارسها يوميا، وذكرت أن زوجها لم يعترض ولم يعتبر تدخينها مشكلة كما أن نسيبتها هي الآخرى كانت تدخن.

 

وقالت عابدة  عباس إنها مارست التدخين قبل ثلاث سنوات، حيث كانت تمر بضغوطات نفسية، فقررت أن تشتري علبة سجائر وتشرب واستمرت لفترة تمارس التدخين وحدها بعيدا عن عيون الآخرين، فأحست براحة واسترخاء مما جعلها تستمرئ العادة.

وأضافت أن التدخين ليس جزءا من القضايا النسوية، وهو من تفاصيل تخصنا كنساء نحتاجها ولا يمكن وصفها بأنها جزء من قضية المرأة  وحقوقها، إلا أن المجتمع هو الذي يريد أن يعكس هذا المفهوم، حتى يضيق مساحة المرأة في انتزاع حقوقها.

ضغوط نفسية

من جانبها قالت سيدة تاج السر، البالغة من العمر 27عاما، إن أول مرة تدخن فيها حينما كانت طالبة بجامعة النيلين قبل ثماني سنوات، وكانت تمر بظروف صعبة للغاية، وحسب قولها فإنها كانت تجلس في مكان بعيد في الجامعة وهي تبكي فجاء إليها بعض زملائها فسألوها عن سبب البكاء، وأثناء جلوسوهم معها، لمعرفة سبب الحزن، أشعل أحدهم ” سيجارة” فحدّقت إليه فسألها إن كانت ترغب في التدخين فأجابته بنعم فناولها السجارة، فقالت إنها شعرت بالراحة بعد ذلك، ومنذ ذلك الحين دخلت في عداد المدخنات, وتابعت، قائلة: رغم أن تلك البداية مرت عليها أكثر من ست سنوات إلا أنني أدخن في أماكن محددة إلا في حالات الضرورة أدخن في أماكن عامة ولم يحدث أن اعترضني أحد.

وفيما تقول سيدة أنه على الرغم من أن نفس السبب الذي يجعل الرجل يشرب السجائر يجعل النساء يدخن، تتساءل فلماذا ينظر المجتمع للمدخنات “كبنات قليلات أدب” ؟.

وأضافت أن تدخين النساء في الأماكن العامة لاعلاقة له بالقضايا النسوية، لكنه محاولة لأخذ وضعية المرأة الطبيعية في المجتمع، بما يجعلنا نساء ورجالا متساويين في الحقوق وفي الخطأ والصواب.

صدمة المجتمع

وتابعت إن مصادمة  المجتمع  بالحق الطبيعي للمرأة، يمكن أن يحقق  نتائج سريعة لصالح القضايا النسوية.

وبحسب آلاء فإن إحدى قرباتها كانت تدخن “الشيشة” وعندما تخرج تأتي آلاء مع بنات السيدة المدخنة فيجربن، وهكذا حتى أصبحن يدخن معها”مرة مرة” .

وتابعت آلاء أن الموضوع أصبح بالنسبة لها “كيف” يشعرها بالراحة، بعدها أصبحت تدخن   السجائر باعتبارها أسهل من الشيشة .

وأضافت أنها لا تواجه مشكلة في الحصول على  السجائر لأن  حبيب ابنة خالتها هو الذي يشتري لهن السجائر، وهي تدخن في أماكن محددة، وأصبح التدخين مصدر راحتها من كل ما يغضبها .

من جهتها، قالت الناشطة السياسية والمهتمة بقضايا النوع الاجتماعي وفاق قرشي في حديثها لـ” استقصائي” يجب أن نؤكد على  أن التدخين مضر بالصحة للجنسين “النساء، والرجال” خصوصا النساء الحوامل، فهو يؤثر على الأطفال، وعلى الجهاز التنفسي.

انفتاح المجتمع

أما انتشار تدخين البنات ـ بالنسبة لقرشي ـ فجاء نتيجة لانفتاح المجتمع، وهو من تمظهرات انفتاح المجتمع، ويمكن اعتباره آلية من الآليات لمصادمة قوانين المجتمع القامعة لوجود النساء في كل المساحات التي يخترنها بأنفسهن.

وأضافت أن المجتمع إما أن يضعنا في المساحات التي يريدها يعني ” نأكل ونشرب ونلبس بالطريقة التي يقولها أو يقم بلفظنا ” وتابعت أعتقد أن النساء يحاولن جاهدات خرق تلك المعادلة.

وقالت يجب أن نؤكد على حق المرأة في اختيار كيف تعيش؟ وماذا تلبس؟ وتدخن أو لا تدخن، هذه حقوقها الأساسية.

من جهتها  تقول الناشطة السياسية  رويدا حسن البالغة من العمر ٢٤ سنة إنها لا تدخن  ولا تعتقد أن التدخين انتشر في الوقت الحالي نتيجة  ارتباطه بالقضايا النسوية أو بحقوق المرأة لأن الظاهرة كانت موجودة بين الأجيال السابقة من النساء، والآن هناك نساء في الستين يمارسن التدخين.

وأضافت أن الحركة النسوية  تطالب بحقوق،  أما التدخين  فهو مضر  بالصحة  ولا يمكن  أن يكون جزءا من الحقوق  فهو مسألة  شخصية  للفرد  ذكرا  كان أم أنثى.

من جانبه قال عضو لجان مقاومة جنوب الحزام عمر هنري، إن التدخين مضر بالصحة و كل يعلم ذلك، بنسبة للجنسين ويرجع انتشاره مؤخرا  وسط النساء بصورة أوسع في الثلاث سنوات الأخيرة، إلى مساحة الحرية التي وفرتها الثورة.

قلة أدب

من جهته، قال الصادق إبراهيم إنه لا يستطيع أن يتعامل   مع بنت تدخن على الإطلاق، وبالنسبة له فالتدخين مخصص للرجال فقط، وأن هناك سلوكا يشبه  البنات نحن كشباب  لا يمكن أن نمارسه “يعني ما ممكن  نمشي الكوفير” وتابع الصادق  السجائر للشباب فلا يمكن  أن  تشرب فتاة  السجائر وقال إنه يشعر بالاشمزاز عندما يرى فتاة  تدخن ويعتبر أي فتاة تدخن  قليلة أدب .

من جانبه قال الناشط السياسي نجم الدين يوسف زاكي إن التدخين لا يمكن تصنيفه ضمن القضايا النسوية، والقضايا التي تهم المرأة، ولكن يمكن أن نقول إنه ظاهرة اجتماعية، أو سلوك شخصي أو رغبة في التدخين وليست لها علاقة برجل وامرأة فالفرد يقوم بالتدخين من أجل أن التدخين يجعله سعيدا و يمنحه إحساسا بالراحة النفسية.

هيمنة الذكور

وأضاف يمكن أن تجد امرأة مدخنة وليست لها علاقة بالحركة النسوية، وقال إن المجتمع السوداني يضيّق مساحات النساء ويهيمن فيه الذكور ما جعله يعتبر أن التدخين مرتبط بالرجولة، وهذا من صنع المجتمع  فإن التدخين  لا علاقة  له برجل  أو امرأة وهو  مضر  بالصحة  للجنسين فإن كان  يجب  منعه  فللاثنين  معا  وليس لجنس دون الآخر.

وأوضح أن هوامش  الحريات  بعد الثورة اتسعت فتم استغلالها  أو فهمها  بمنظور  مختل  جعل  بعض الناس قصدا  أو من غير  قصد يصور  بعض الأفعال  على أنها  جاءت  بها  الحريات  وهذا  جعل  الكثيرين  يظنون  ذلك .

من جانبه قال الباحث  الاجتماعي أحمد الفحل  إن تدخين النساء  ظهر  في  المجتمع  منذ  الستينات  وفي ذلك الوقت لم يكن هنالك  تقدم حقوق في قضايا المرأة  .

ولفت إلى أن هناك محاولة لجعل  ظاهرة  تدخين النساء مرتبطة بالقضايا  النسوية بعد انتشارها  بصورة  واسعة  في الفترة  ما بعد ثورة  ديسمبر المجيدة بعد سنين  من القمع الذي مارسته ديكتاتورية  البشير، ورفضت المبرر  الأول له الظار  .

استقصائي/ إدريس عبدالله