معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

 

 

 

 

تباينت آراء ساسة وعسكريين استطلع (استقصائي) آراءهم حول سيناريوهات “الإصلاح الأمني والعسكري”، إلا أنهم أجمعوا أن غياب الدستور “الدائم” لعب دورا في توفير ظروف “الانقلاب”.

 

 

“عندما أعلنت الإنقاذ “الشريعة”، وأعلنت “الجهاد” اضطرت لاستحداث جيش آيديولوجي هو مليشيات الدفاع الشعبي، وعندما شعر النظام بحاجته إلى الحماية الخاصة، استحدث هيئة للعمليات بجهاز الأمن، وفي الحالتين كان الجيش موجودا يعز استخدامه لغير مهامه القومية”.

هكذا برر عسكريون سابقون رؤيتهم حول “قومية الجيش”،  لافتين إلى أن التربية العسكرية داخل مؤسسة القوات المسلحة، كفيلة بـ(صهر) الولاءات الضيقة أيا كانت في الولاء للمهنة.

وبينوا أن الثغرة التي تتسلل من خلالها السياسة إلى أسوار مؤسسة الجيش هي غياب الدستور الدائم، والتزام المؤسسة العسكرية الخط الذي تحدده وترسمه الحكومة.

عقيدة الدولة

 

وقال الفريق محمد بشير سليمان لـ(استقصائي) إن الجيش دائما يستمد عقيدته من عقيدة الدولة، وطنية كانت أم دينية.

وأضاف أن الجيش يخدم عقيدة الدولة ولما كان توجه الدولة أيام الإنقاذ “دينيا”، تجلى ذلك في عقيدته، التي ستتغير بتغيّر عقيدة الدولة..

وكانت الآلة الإعلامية ظلت خلال 30 عاما تمزج بين الانتماء العسكري والولاء للإسلاميين إلى درجة أصبح من الصعب الفصل بينهما.

و يرى الفريق أن عقيدة الجيش دائما هي ترجمة لعقيدة الدولة، وعلى الرغم من أن الإنقاذ أعلنت الشريعة و”الجهاد”، إلا أنها خصصت لدعوتها جيشا آيديولوجيا تمثل في قوات الدفاع الشعبي.

وطبقا لسليمان، فإن التغييرات التي أجراها الإنقاذيون في جلالات الجيش مثلا، كانت لضرورات قيمية وأخلاقية أكثر من كونها تعبر عن الإسلاميين.

وقال إن الإنقاذ لم تكن دولة إسلامية بل كانت أمنية، تعلي من شأن الأمن وتتجسس على الجيش نفسه.

وقطع بأن البلاد لن تنتقل إلى الديمقراطية إلا بإبعاد الجيش من معترك السياسة، وأن أكبر أخطاء الحكومات المتعاقبة في السودان كان هو إقحام الجيش في السياسة، مؤكدا أن التربية التي يتلقاها منسوبو المؤسسة العسكرية تجعل منها مؤسسة قومية عصية على خدمة أي أجندة حزبية كانت أم آيديولوجية.

وفي حين يرى سليمان، أن الإنقاذ على الرغم من محاولاتها تغيير ولاء الجيش إلا أنها لم تستطع، بدليل أنها أنشأت هيئة العمليات في جهاز الأمن لحمايتها، أجمع محللون وساسة استطلع (استقصائي) آراءهم، على أن تجربة الدفاع الشعبي أثرت سلبا على العقيدة العسكرية، وأن الإنقاذ قدّمت الولاء للتنظيم على الولاء للمهنة، إلا أنهم اختلفوا حول تصوراتهم لتنقية المؤسسة العسكرية مما علق بها من ولاء للإسلام السياسي أو للسياسة أيا كان لونها.
تسييس الجيش

وحول أثر برنامج عسكرة المجتمع الذي نفذته الإنقاذ على “تسييس الجيش” ، قالت نائب رئيس تحرير صحيفة الديمقراطي الأستاذة رباح الصادق المهدي لـ(استقصائي) إن عسكرة الحياة العامة ظاهرة شهدتها معظم البلدان بعد نيل استقلالها في منتصف القرن العشرين، فلم ترتبط بنظام الإنقاذ.

وأضافت أن عوامل داخلية وإقليمية ودولية عديدة تضافرت في ذلك، فمع عدم اكتمال البناء القومي وتعثر التجارب الديمقراطية التي لم تنبت على أراضٍ صديقة للديمقراطية، ولم تستصحبها ديمقراطية اجتماعية اقتصادية ثقافية تنهض على جذور وأصول حضارية راسخة، وواجهتها تحديات ونشأت حولها استقطابات أغرت المؤسسات العسكرية للتدخل مدفوعة بأيد أجنبية عديدة، وحتى لا نغرق في التفصيل فالأمر أظنه درس ومحص كثيراً.

وترى رباح أن دكتاتورية الجبهة الإسلامية كانت شرسة في معاداة الجميع واعتبار كل من ليس جبهة إسلامية رجسا من عمل الشيطان.

وهذه الشيطنة، بحسب رباح، انسحبت على كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، وانتهت إلى تصفية كل وجود غير جبهجي داخل الخدمة العامة مدنية كانت أم عسكرية.

الجيش والديمقراطية

واتفق ساسة وعسكريون سابقون تحدثوا لـ(استقصائي) على أن أفضل حالة يمكن أن يستعيد فيها الجيش كامل دوره هي الحكم الديمقراطي، ففي حال تشكيل حكومة ديمقراطية بعيدا عن الصراعات السياسية يمكن إعادة بناء جيش موحد وقومي.

واستنكر الفريق محمد بشير تعدد الجيوش، مشيرا إلى أن الدولة الديمقراطية لا تحتمل سوى جيش واحد، وضرب مثلا بالولايات المتحدة الأمريكية، وقال إن الجيش يحمي الدستور ويقف في مسافة واحدة بين الحكومة والمعارضة ما التزمتا الدستور، ولا يتدخل إلا عند حدوث مهدد أمني.

واستغرب سليمان تزويد قوات الشرطة الاحتياطي المركزي بعربة مدرعة في حين يسير الجنود في بعض الجبهات حفاة بلا “أبوات”..

ولا يرى كثير ممن يعملون في وظائف عسكرية “غضاضة” في موالاة الإسلام السياسي باعتباره ولاء للوطن، وأنهم يذودون عن حمى الوطن ولا ولاء لهم إلا لله والوطن..

لا يتقبل كثير ممن عملوا أو مازالوا في الجيش السوداني فكرة أن يتخلوا عن الولاء للإسلام السياسي، ويتعاملون مع هذه الدعوة باعتبارها معاداة للدين، إذ فهموا الدين انتماء لهذه الجماعة أو على الأقل موالاتها..

وكانت “جلالات” القوات النظامية التي إما ابتدعها الإسلاميون أو أجروا عليها تعديلات تجعل من الولاء للإسلاميين رديفا للولاء العسكري.

تجييش المجتمع

قدمت الحركة الإسلامية، نفسها لمنسوبي القوات باعتبارها نصيرا لهم، من خلال سعيها إلى تجييش المجتمع عبر تجنيد المهنيين من أطباء ومهندسين وقانونيين وصحفيين ومن جميع طبقات المجتمع في مليشيات الدفاع الشعبي التي يتلقى المتدربون في معسكراتها دورات تؤهلهم للانتساب إلى تنظيم الحركة الإسلامية، في الوقت الذي تتم فيه عسكرتهم في التدريبات الميدانية .

ارتداء طلاب المدارس للزي العسكري، خلال عشرية الإنقاذ الأولى، وترديدهم، شعارات، وأناشيد “الإسلاميين” كـ”في حماك ربنا” أسهم بشكل مباشر بالربط بين العسكرية وآيديولوجيا الإسلام السياسي.

استمرّت عمليات عسكرة المجتمع وأسلمته في آن واحد، خلال السنوات العشر الأولى لحكم الإسلاميين، وسادت مظاهر “العسكرية” الممزوجة بـ”الأسلمة” في دواوين الحكومة وإداراتها وهيئاتها العامة.

منذ تلك الفترة، أصبحت “العسكرية” و “الكوزنة” وجهين لعملة برنامج الإنقاذ لإعادة صياغة الإنسان السوداني.

عزّزت هذه الرابطة حوافز وإجراءات اتخذها النظام، منها على سبيل المثال، السماح للعسكريين بإطلاق اللحى، بل ومنحهم علاوات مادية على ذلك.

واتفق محللون وساسة استطلع (استقصائي) آراءهم، على أن تجربة الدفاع الشعبي أثرت سلبا على العقيدة العسكرية، وأن الإنقاذ قدّمت الولاء للتنظيم على الولاء للمهنة، إلا أنهم اختلفوا حول تصوراتهم لتنقية المؤسسة العسكرية مما علق بها من ولاء للإسلام السياسي أو للسياسة أيا كان لونها.

جهاد “زائف”

وأشارت رباح إلى أن الإنقاذ روجت لإعلان “زائف” للجهاد عبر أبواق شعبوية مضللة متلاعبة بالعاطفة الدينية لكثير من الشباب الذين غرر بهم في تلك الحرب.

ويرى  بكري الجاك استاذ السياسة العامة و الادارة بجامعة Long Island University أن مهمة تنقية القوات النظامية من الوجود الإسلامي، مسألة طويلة ومعقدة وتتطلب عملية إحلال، وجزء منها تغيير ثقافة و آخر استبدال بأفراد جدد، ولا يمكن أن تتم بمحض القول إننا نرغب في التخلص من أصحاب التوجه السياسي الإسلامي في المؤسسة العسكرية.

ولفت الجاك إلى ضرورة إرساء عقيدة قتالية جديدة وثقافة جديدة للمؤسسة العسكرية.

العقيدة العسكرية

وأضاف أن المؤسسة العسكرية في حاجة إلى تجديد، وعقيدة جديدة. وهذه العقيدة من المفترض أن يكون أساسها وجوهرها: حماية الحدود، صيانة الدستور، تقديس المواطنة. لابد من توفر عقد اجتماعي وهو عبارة عن دستور دائم أو الأسس التي تقوم عليها الدولة السودانية. وأن تصبح المؤسسة العسكرية هي الحامي الأول لهذا الدستور. وإن لم يحدث؛ فلن يكون لذلك معنى! الآن أفراد هذه المؤسسة يرددون قسما مفاده حماية الوطن وطاعة الدستور. وهم أول من يخالف الدستور ليصنعوا دستورهم. هذا الأمر يحتاج إلى عقيدة ثقافة و منهج جديد متكامل.

وبحسب الجاك فإن تجربة الدفاع الشعبي لها دور كبير في تشويه القوات المسلحة، التي لم تكن خالية من مشاكل، إلا أنها  إلى حد ما كانت احترافية والكفاءة العسكرية فيها هي شرط الترقي والقبول، بعد ذلك الكفاءة تم استبدالها بالولاء للتنظيم، والكفاءة السياسية، بأكثر من الكفاءة العسكرية وهذا أمر معروف.

الإصلاح العسكري و البناء الدستوري

وقلل الجاك من قدرة أطراف الاتفاق السياسي حاليا على معالجة مسألة الاصلاح، لأنها عملية طويلة ومعقدة، ولا يمكن أن تتم بمعزل عن عملية البناء الدستوري.من يظن أنه بالإمكان إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية، في ظل عدم وجود دستور دائم، و عقد اجتماعي محدد لدورها في إطار الدولة، لن يتحقق له ذلك! وهولاء يظنون أن الإصلاح عملية فنية! والإصلاح هو عملية سياسية متكاملة، تتطلب رؤية، و تحديد دور و موقع هذه القوات في الدولة. وإلا فلن نكون قد أنجزنا شيئا.

يذكر أن القوات المسلحة السودانية أنشئت في عام 1925 وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية، ولها عقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية ونظام انضباط عسكري صارم وتقوم بمهام مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن في حالة الأوضاع الأمنية المضطربة.

وتأسست نواة الجيش السوداني الحديث قبل عام 1955م وعرف آنذاك بقوة دفاع السودان وكانت تتكون من عدد من الجنود السودانيين تحت إمرة الجيش البريطاني المحتل وبعد العام 1956 عندما استقل السودان عن الحكم الثنائي الإنجليزي المصري تم تكوين جيش وطني جديد بكافة فرقه ابتدا بفرقة المشاة ثم البحرية والجوية وعرف باسم الجيش السوداني.

خمسة انقلابات

وعرف الجيش السوداني بخبرته القتالية الطويلة فقد ظل في وضعية قتالية منذ (الحرب العالمية الثانية) وفترة ما بعد الاستقلال بسبب التمرد والحروب الأهلية المتقطعة، والتي أكسبته الكثير من ربط الجأش والانضباط تحت كل الظروف.

لم يكن الجيش السوداني غائبا عن المسرح السياسي حيث استولى على السلطة في السودان خمس مرات بنجاح وهي فيما عدا المحاولات الفاشلة:

الأولى في 17 نوفمبر 1958 م، بقيادة الفريق إبراهيم عبود

الثانية في 25 مايو 1969 م، بقيادة العقيد جعفر نميرى

الثالثة في 6 أبريل 1985 م، عندما تم تكليف المشير عبد الرحمن سوار الذهب وزير الدفاع حينذاك برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد الانتفاضة

الرابعة في 30 يونيو 1989م، بقيادة العميد عمر البشير.

الخامسة في 11 أبريل 2019م بقيادة الفريق أول أحمد عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس عمر البشير حينذاك برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد ثورة 19 ديسمبر.

السادسة، عندما أعلن قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021 إجراءات استولى بموجبها على السلطة.

 

 

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *