قال المدير العام للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي دكتور معاوية السر قشي إن البحث عن صيغة مثلى تضمن غرس القيم الديمقراطية في التلاميذ عبر منهج دراسي صفي ولا صفي تعتبر واحدة من الشواغل الأساسية لخبراء المناهج في البلاد، وأن المركز القومي يجتهد في الوصول إلى تحقيق ذلك.
واستعرض قشي في ورقة علمية قدمها بمنتدى بناء الديمقراطية محاور عدة تتعلق بالعقبات والحلول لتكون التربية الديمقراطية ضمن مناهج التعليم بالبلاد، وأكد أنهم يراهنون على أجيال المستقبل أكثر من الحاضر سيما وأن الأمر لا يمكن تحقيقه إلا في مجتمع مؤمن بالديمقراطية بشكل كامل وهو ما لم يتأت في ظل العقلية السلطوية المسيطرة على المجتمع حاليا.
ويضيف قشي أن هذا التحول يتطلب إيجاد بيئة معينة وإعداد الأجيال القادمة للأمر، وقال لابد أن يكون المنهج معتمدا على المجتمع. ولفت قشي إلى أن معايير ومؤشرات الديمقراطية، تتمثل في: حفظ الحريات الفردية السياسية، التفكير، التعبير، التنظيم، التظاهر، الإضراب، احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حرية الجماعات الدينية والإثنية والثقافية، وضمان المشاركة المدنية والسياسية لكافة المواطنين دون تمييز، فضلاً عن وجود أحزاب سياسية فاعلة تعمل في بيئة حرة، وإجراء انتخابات حرة نزيهة، وإعمال المساواة أمام القانون.
وأشار إلى أهمية استقلال السلطة القضائية، وحرية واستقلال الإعلام بكافة أشكاله، وأضاف لابد من خضوع الحكومات بكافة أجهزتها المدنية والعسكرية للمساءلة والمحاسبة والرقابة، بجانب محاربة الفساد، والحماية من التعذيب والاعتقال التعسفي والنفي والفصل والتدخل في الحياة الشخصية.
وشدد قشي على ضرورة تعدد مصادر المعلومات، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات العمل، ومسؤولية المدنيين عن المؤسسات العسكرية والأمنية .
ونوه إلى أهمية مشاركة المرأة والشباب بشكل فاعل في المجتمع، لافتاً إلى أن مشكلة الديمقراطية، هي استبداد الأكثرية، فالديمقراطية التمثيلية تجعل الحكم للأكثرية، مما يتسبب في تهميش الأقلية واستتباعها، وهذا طبعاً يكون على حساب حقوق الأقلية .
وأضاف يمكن التقليل من استبداد الأكثرية عبر تقييد دستوري لحكم الأكثرية، يكفل للأقلية مساحة لممارسة حقوقها، واردف بالقول كذلك نجد أن النقاش العام هو أحد آليات الحد من استبداد الأكثرية، وذلك من خلال إيجاد مناخ تواصلي وحواري، يسهل توليد مواقف وآراء تعبر عن الجميع.
ويرى مدير المناهج في إطار حل هذه المشكلة أن يحسن المواطنون اختيار من يمثلهم، منوهاً إلى أن إشراك المواطنين في اتخاذ القرار بات ممكناً عبر وسائل الاستفتاء، لاسيما مع تطور تقنيات التواصل والتفاعل، وتابع بالقول تعاني أكثر الدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً من الصعوبات الثقافية،فالسمة الأبرز لها أن الأنظمة التي كانت تحكمها سابقاً، أنظمة شمولية.
وزاد بالقول نحن هنا نؤلف بين مفهومين: مفهوم التربية، ومفهوم الديمقراطية، فالتربية في أحدث تعريفاتها هي العملية الهادفة إلى إحداث تغيير إيجابي في سلوك المتعلم، من خلال إكسابه المعارف والمهارات والقيم اللازمة لذلك.
الأستاذ مبارك يحيى قال في تعقيبه على قشي إن هناك حاجة ملحة إلى وضع التربية الديمقراطية في المناهج وأضاف أن المناهج الدراسية ينبغي أن لا تقوم على المعلومات فقط ، مشيرا إلى أن التطورات الحالية بالعالم أتاحت المعلومات والمعرفة ولا بد من العمل على إدخال القيم في المناهج، ولفت يحيى إلى أنهم قبل سنوات كانت لديهم تجربة لوضع مادة باسم التربية السكانية في المناهج تعنى بمعالجة قضايا السكان المختلفة في المجتمعات السودانية ولكنها فشلت ونبه إلى أهمية أن تكون القيم حاضرة بالمناهج، ودمجها مع المعلومات إن أمكن وأوصى بوضوح مواقع القيم في المناهج وربطها بالامتحانات حتى ترسخ في أذهان التلاميذ .
وفي السياق قال الدكتور النور حمد إن التربية الوطنية تهدف إلى إيقاظ الحس الوطني في التلاميذ وحثهم على الدفاع عن الوطن وحمايته، وأن دروس التربية الوطنية يمكن أن تكون موجودة حتى في الانظمة الشمولية والفاشية والنازية، بينما تهدف التربية المدنية إلى تشكيل إنسان متمدن يعيش في مجتمع حديث لافتا إلى المشكلات الكثيرة التي يعانيها الشعب السوداني وغياب السلوك المتمدن في الشارع العام.
ونبه حمد إلى أن التربية الديمقراطية تعد جزءا من المدنية، وتحقيقها وغرسها في التلاميذ يحتاج إلى ممارسة جادة في الفصول عبر إبداء الآراء والنقاشات بين المعلم والتلاميذ والاستماع لهم، بدلا عن الأجواء السلطوية المسيطرة على الواقع الحالي فضلا عن إشراك التلاميذ في صناعة القرار المدرسي.
من جهتها قالت البروفيسور الشفاء عبدالقادر الخبير التربوي إن الأمر مرهون بإيجاد نظام تربوي جديد يمكن عبره تربية وتغذية الأجيال الجديدة لاستيعاب المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية، مؤكدة أن المعلم يعتبر رأس الرمح في تنفيذ المنهج ولابد من تدريبه على الأمر ، وينبغي أن يكون مؤمنا بالديمقراطية ومؤهلا لترسيخها لدى التلاميذ وقدوة لهم، مشيرة إلى أن المنهج الخفي المتمثل في سلوك المعلم هو المحك الأساسي والذي عبره يستقي التلاميذ المفاهيم ويعملون على تقليد المعلمين.
وبدوره شدد الأستاذ ياسر عبدالرحمن علي طه على أهمية توفر الإرادة السياسية لإصلاح التعليم ووضع سياسة تعليمية واضحة، والابتعاد عن الصفات السائدة بالمجتمع حاليا والمتمثلة في الأنانية وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين، وضرورة الاهتمام بالجغرافيا المحلية والجمعيات الطلابية.
وقالت الاستاذة قمرية عمر إن غرس قيم الديمقراطية في التلاميذ يحتاج إلى أرض خصبة وشددت على ضرورة الصرف على التعليم باعتبار أن المال هو العقبة الأساسية أمام تنفيذ المناهج الدراسية.
وأكدت أن تدريب المعلمين ضرورة لغرس هذه القيم ، مشيرة إلى أن المعلمين حاليا بعيدون عن هذه القضايا وغير مدركين حتى للقوانين ولحقوقهم وأن الديمقراطية مفقودة حتى داخل المدارس التي يتحكم فيها المديرين بسلطوية تامة، وكذلك الأمر في المكاتب التعليمية والوزارة.
فيما دعا الفنان أبوبكر سيد أحمد إلى حسم قضية الهوية في الأول والاعتراف ببعضنا البعض، وتدريب الطلاب على احترام خيارات الغير، قائلا إن قضية التربية الدينية مطلوبة بقدر يدعم التحول الديمقراطي وأضاف أن المشكلة ليست في الأديان ولكنها في المتطرفين، وتابع أن جوهر الأديان جميعها جيد ويمكن أن يسهم في التربية الديمقراطية.
ونوه أبوبكر إلى أن الفنون يمكن أن تلعب دورا كبيرا في ايصال الرسائل، وهو الأمر الذي أكد عليه الفنان طارق الأمين أيضا بقوله إن الفنون توصل المفاهيم بشكل كبير جدا، وأشار إلى أن للمرأة دورا كبيرا في التعليم وتعتبر وسيطا جيدا لغرس مفاهيم الديمقراطية وينبغي تدريبهن على ذلك، فضلا عن الاهتمام بالألعاب داعيا إلى تضمين ألعاب بسيطة في المناهج يمكن أن تشكل مدخلا لتأسيس الديمقراطية وسط التلاميذ.
مهند عبادي