اتهم الكاتب والمفكر الدكتور النور حمد الإنقاذ بحرف العقيدة العسكرية عن مسارها الصحيح، وتحويل الجيش إلى لاعب سياسي يدين قادته بالولاء للحزب الحاكم.
وأضاف خلال حوار أجراه معه (استقصائي) أن أفضل طريقة لإعادة هيكلة الجيش أن تجري مناقشتها في البرلمان (المجلس التشريعي), لتصبح تشريعا واجب النفاذ، تجنبا للبلبلة و(البطبطة).
وأوضح حمد خلال الحوار، مفهوم العقيدة العسكرية، وكيف أنها تأثرت بآيديولوجيا الإسلام السياسي، وكيف يمكن تنقية الجيش من السياسة، وإلى تفاصيل الحوار:
يمكن تلخيص العقيدة العسكرية في أنها فهم قيادات الجيش وعموم أفراد الجيش، أي جيش، وفي أي بلد، لوظيفتهم ودورهم الذي ينبغي عليهم أداؤه. وفي الأوضاع الديموقراطية والدستورية الصحيحة تعني العقيدة العسكرية الدفاع عن أرض البلاد ومائها وسمائها ضد الأعداء الخارجيين. لكن تختلف العقيدة العسكرية بين النظام الشمولي والنظام الديموقراطي. ففي أي نظام شمولي يجري حرف العقيدة العسكرية عن مسارها الصحيح لتصبح مهمة الجيش حراسة النظام القائم وهو ما يخلق عداوة بين الشعب الذي يتوق لحريته والجيش الواقف بجانب النظام الشمولي القمعي الظالم. وأسوا أنواع انحراف العقيدة العسكرية ذلك الذي يحدث في ظل الأنظمة الشمولية ذات الطابع الديني. فالجيش في مثل هذه الحالة في ظل المفاهيم الدينية الخاطئة يتحول إلى مليشيا جهادية لحماية النظام وقمع الشعب.
قبل الإنقاذ كان الجيش، باستثناء فترتي عبود ونميري، جيشا مهنيا بعيدا عن السياسية. أما في نظام الإنقاذ فقد تحول إلى لاعب سياسي وأصبح قادته أعضاء في الحزب الواحد الحاكم.
الأسباب هي الهوس الديني الذي ينتج عن الفهم الخاطئ للدين. وينتج عن هذا الفهم الخاطئ رفض لقواعد الديموقراطية والدستور والانحراف بوظيفة الجيش من حماية أرض البلاد ومائها وسمائها، وجره إلى معمعة السياسة وتحويله إلى فاعل سياسي.
بدأ الاسلامويون اختراق الجيش بكثافة عقب المصالحة مع الرئيس الأسبق جعفر نميري. وخاصة بعد ان امتلك الإسلامويون مؤسسات مالية وأصبحت القروض المالية وربما الهبات الشخصية وسيلة للتجنيد للتنظيم وسط الضباط وعامة الشخصيات المؤثرة في المجتمع. وقد قادت هذه الجهود الموجهة للجيش إلى غرس الجانب الديني في بنية فرع التوجيه المعنوي في الجيش. وبدا من ثم إرسال الضباط إلى تلقي دورات دينية في جامعة إفريقبا العالمية التي كانت تسمى آنذاك “المركز الإسلامي الإفريقي”، الذي يسيطر عليه كوادرهم. واستمر هذا الاختراق للجيش عبر فترة الديموقراطية الثالثة إلى أن حدث انقلاب البشير في عام 1989. بعد إمساكهم بالسلطة شرع الإسلامويون في تسريح القيادات في الجيش والأمن والشرطة. ولعل انقلاب البعثيين الذي جرى في عام 1990 قد دفعهم إلى تسريع عملية التسريح وتصفية الجيش من الضباط المشكوك في مناوءتهم للإسلامويين. وجرى تكثيف التسريح والإبدال حتى أصبحت كامل قيادات القوات النظامية العليا والوسيطة، تقريبا من المنتمين تنظيميا إلى الإسلامويين.
سقوط النظام لم يغير شيئا في بنية الجيش. ولذلك لا رغبة للجيش في التحول الديمقراطي. وهو لن يقبل به إلا تحت ضغط عال من الشارع ومن القوى الإقليمية والدولية. أما العقيدة العسكرية التي حولها الإسلامويون إلى فهم جهادي للصراع السياسي في البلاد فقد اختلطت مع المصالح الشخصية لكبار الضباط. فالثراء والجاه العريضان اللذان أصابتهما قيادات القوات النظامية من التمكين والدولة الموازية التي صنعها الإسلامويون، جعلا قيادات القوات النظامية حريصة كل الحرص على الإبقاء على الأوضاع القائمة؛ على عوجها وفسادها. فقد كفلت الدولة الموازية فرص الثراء العريض والوجاهة للمنتمين لتنظيم الإسلامويين من قادة الجيش والقوات النظامية، ومن المدنيين. فالثراء العريض والوجاهة الاجتماعية والمنصب الرفيع شكلت دافعية إضافية لاستبقاء الأوضاع القائمة. ويساعد في ذلك، أيضا، خداع النفس بأن ثراءهم ومناصبهم هي تمكين إلهي لهم، وأنهم ينصرون من خلاله الدين.
يحتاج هذا إلى ضغط بالغ العلو من جانب شارع موحد، إضافة إلى قيادات سياسية مدركة ذات كاريزما من عيار عال.
إعادة الهيكلة لا تعني تفكيكا للجيش، وإنما تعني إعادته لمهنيته، ليصبح جيشا للبلاد بعد أن جرى تحويله عبر ثلاثين عاما إلى جيش تابع لتنظيم سياسي بعينه.
أعتقد أن أفضل طريقة لإعادة الهيكلة أن تجري مناقشتها في البرلمان (المجلس التشريعي), لتصبح تشريعا واجب النفاذ، تجنبا للبلبلة و(البطبطة).
نعم لقد طرقنا ذلك في بداية هذا الحوار. ينبغي أن تعود العقيدة العسكرية إلى الوضع الذي كانت عليه لحظة الاستقلال عندما بدأت البلاد ممارسة الديموقراطية. يتم ذلك عن طريق إبعاد القادة الكبار الذين يثبت انتماؤهم إلى نظام الإنقاذ والمؤتمر الوطني. وأن يحري إدماج مليشيا الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش. وأن تجري مراجعة مناهج الكلية الحربية لتتضمن العقيدة الصحيحة للجيش التي تباعد بينه وبين ممارسة السياسة. وأن تجري مراجعة خطاب التوجيه المعنوى على نفس الصورة.
نعم أسهم ذلك في زيادة ربط الجيش بأيديولوجيا الإسلامويين. فقد أشرف الجيش على تكوين تلك المليشيا وأصبح الجهاز الإعلامي للإسلامويين المدنيين ذراعا للتوجيه المعنوي للجيش وليس أدل على ذلك من برنامج “ساحات الفداء”. وقد حارب الدفاع الجيش جنبا إلى جنب مع الجيش الأمر الذي خلق وحدة عضوية بينه وبين الجيش. لكن من ناحية تاريخية، فقد جرى ربط بعض قادة الجيش بحراك الإسلام السياسي قبل نشوء الدفاع الشعبي بسنوات.
نعم خصمت من العلاقة الصحية بين الجيش والشعب. فالجيش أصبح من حيث قياداته جيش حزب سرق السلطة وليس جيش وطن.
إفصاح قادة الجيش المنتمين إلى الإسلامويين عن انتمائهم السياسي عمل خاطئ سببه اختطاف الإسلامويين لكامل الدولة وجعلها حكرا على حزبهم. إضافة إلى ظنهم أن الوضع الذي صنعوه وضع نهائي لن يتغير أبدا.
لكن من وجهة نظري لا أرى مبررا لأن يجري منع المنتمي للقوات النظامية من الانتماء الحزبي. أقصد، من الممكن أن يحتفظ النظامي في الجيش أو الأمن أو الشرطة وغيرها، بانتمائه لنفسه، ولا يعبر عنه إلا سرا عند الاقتراع في صندوق الانتخابات. وعلى سبيل المثال، فإن أفراد الجيش الأمريكي يمارسون حق الاقتراع في الانتخابات. وعموما لا ينبغي أن يجري منع أي مواطن في أي وظيفة في الدولة من ممارسة حقه الانتخابي، لأن ذلك حق دستوري لأي مواطن. المطلوب هو ألا يكون الجيش وغيره من القوات النظامية كمؤسسة منخرطا في السياسة. وألا يعبر قادته عن انتماءاتهم السياسية بغرض التأثير على الجنود وجرهم إلى انتماء قادتهم.
استقصائي اختتم رئيس اللجنة الرفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي المعنية بالسودان،محمد بن شمباس اليوم الخميس جولة…
وصف المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو اللقاء الذي جمعه مع نائب وزير الخارجية…
استقصائي استقبل نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي اليوم الاثنين المبعوث الامريكي الخاص للسودان…
استقصائي قالت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، إن الغرض من الاجتماع التحضيري للقوى السياسية…
استقصائي قالت الأمم المتحدة أمس أن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تعرض لها السودان مؤخراً…
استقصائي يُنتظر أن تشهد مدينة جدة السعودية مباحثات سودانية أميركية للتشاور بشأن مشاركة الجيش في…