معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

الضلع الصامد:
المرأة السودانية في زمن الحرب: أدوار جديدة وتحديات مضاعفة 
مواهب عبداللطيف – استقصائي 

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، وجدت المرأة السودانية نفسها في قلب عاصفة لم تعشها الأجيال السابقة بهذا الاتساع والدمار. لم تعد المرأة مجرد ضحية جانبية في مسرح النزاع، بل أصبحت فاعلًا أساسيًا في معركة الحياة اليومية، تتحمّل عبء الأسرة والمجتمع وسط انهيار الدولة، وتواجه تحديات أمنية واقتصادية ونفسية تتزايد يومًا بعد يوم.

مع غياب الرجال بسبب القتال، أو الاختفاء القسري، أو الهجرة القسرية وفقدان مصادر الدخل، انتقلت المسؤوليات بأكملها إلى النساء. الأم أصبحت المعيلة، والمربية، والحامية، والممرضة، وصانعة القرار. تشير تقديرات منظمات إنسانية إلى أن ما لا يقل عن 60% من الأسر في مناطق النزوح باتت تُعيلها نساء منذ اندلاع الحرب، في وقت انهارت فيه شبكات الدعم الحكومي والاجتماعي.

في مخيمات النزوح وأحياء اللاجئين، تتجلّى المرأة السودانية كعمود خيمة الحياة، تصارع الجوع والخوف، وتحاول أن تصنع من اللا شيء ملاذًا آمنًا لأطفالها.
في دارفور، الخرطوم، الجزيرة، وكردفان، أنشأت النساء مطابخ شعبية، ولجان إغاثة، ومبادرات توثيقية رغم انعدام التمويل أو الغطاء الرسمي. ورغم ذلك، لم تحمِ هذه الأدوار الجبارة النساء من أن يكنّ أهدافًا للعنف والانتهاك.

تُوثّق تقارير محلية ودولية مئات حالات العنف الجنسي ضد النساء، من بينها اغتصاب جماعي واستخدام منهجي للاغتصاب كسلاح حرب في بعض المناطق. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الضحايا يفوق ما هو موثق بكثير، في ظل خوف كثيرات من التبليغ، بسبب الوصمة والضغط المجتمعي.

ومن بين الأصوات النسائية التي تنقل حجم المأساة، تبرز شهادة (س.أ)، وهي أم لخمسة أطفال، تقول في رسالة لاستقصائي :

“أنا من مواليد 1984، خريجة جامعية. كنت أعيش في أم درمان، مدينة المهندسين. منذ اندلاع الحرب، نزحت إلى ست مناطق، وفقدت كل شيء. أطفالي — أعمارهم بين 3 و15 عامًا — عانوا من الجوع والتشرد. فقدت الاتصال بزوجي في مايو 2023، ولا أعلم عنه شيئًا حتى الآن. عشنا فترة في النيل الأبيض وسط معاملة قاسية، ثم قررت أن أهرب بأطفالي إلى مصر، بدون أي شيء، حتى دون ملابس. اليوم نحن بلا تعليم، بلا حماية، بلا منزل، ولا معيل.”

قصة (س أ) ليست استثناءً، بل مثال صارخ على هشاشة الوضع الإنساني. إنها وجه آخر لعشرات الآلاف من النساء السودانيات اللاتي انتقلن من حالة الاستقرار إلى هاوية التشرد والفقد، وسط تجاهل داخلي وتواطؤ دولي.

لقد كشفت الحرب ضعف البنية القانونية والاجتماعية لحماية النساء. ومع انهيار مؤسسات الدولة وتعطّل آليات العدالة، أصبح الإفلات من العقاب هو القاعدة، وتحول العنف القائم على النوع إلى ممارسة يومية.

لكن، ورغم هذه الظروف القاسية، لم تستسلم النساء. تحوّلت المبادرات النسوية إلى صوت مقاوم يوثّق، وينظم، ويطالب. ظهرت تحالفات جديدة تقودها ناشطات ومجموعات نسائية تنادي بوقف الحرب، وتطالب بتمثيل حقيقي للنساء في مفاوضات السلام — لا كزينة سياسية، بل كصاحبات مصلحة وتجربة ورؤية.

المرأة السودانية في زمن الحرب ليست مجرد ضحية. بل شاهدة على الألم، وفاعلة في التغيير، ومحركة لأمل جديد في وطن منهك. تقاتل يوميًا — لا فقط من أجل النجاة — لكن من أجل أن لا يُبنى المستقبل على أنقاض تضحياتها دون أن تُمنح مكانًا مستحقًا في صفوف صُنّاعه.

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *