Categories: سياسة

استعادة الدبيبات.. وحمدوك جدل البيت والبلد

استعادة الدبيبات.. وحمدوك جدل البيت والبلد  |
استقصائي.. تقارير | 24 مايو 2025م

 

كتب الصحفي السوداني ورئيس تحرير صحيفة التيار، عثمان ميرغني، على صفحته بمنصة فيسبوك:
“نهنئ الدكتور عبد الله حمدوك باستعادة الجيش لمنطقة الدبيبات”،
وهي التغريدة التي جاءت ضمن سلسلة منشورات لمناصري الجيش من “البلابسة”، في محاولة للتقليل من قيمة رئيس الوزراء الذي أُطيح به من قِبل المكون العسكري، وهو ذاته الذي يخوض الحرب الآن.
وتندرج هذه المحاولات ضمن مساعٍ لربط رئيس تحالف “صمود” – الرافض للحرب – بالدعم السريع الذي يقاتل حاليًا في الميدان.

بالنسبة لخبراء في المجال العسكري، فإن نجاح الجيش في استعادة منطقة الدبيبات الاستراتيجية يُعد فتحًا عملياتيًا مهمًا، وهو يمضي في معركته لفك الحصار عن الأبيض وكادوقلي والدلنج وبابنوسة، وبالطبع لتحرير مناطق بولاية غرب كردفان، وصولًا إلى تحرير دارفور.

لكن الأمر هنا يطرح تساؤلًا لا يتعلق بقدرة الجيش وحلفائه على الحسم العسكري، بل يتعلّق بما يجعل من انتصار الجيش في استعادة منطقة ما يُعدّ هزيمة لرئيس الوزراء السابق، وبالطبع قائد التحالف الرافض للحرب برمتها؟

إنّ هذا يعكس امتدادًا لسردية الحرب “المضللة”، التي تحاول توصيف ما يجري باعتباره نتاجًا لما ظلت تقوم به القوى المدنية. ويتناغم هذا الخطاب مع سمفونية “قحت قحت قحت” التي يعزف عليها أنصار الشمولية بلا إحساس بالذنب، أو حتى محاولة إيجاد منطق لما يقولونه. وهو جزء من محاولات ترتيب واقع سودان ما بعد الحرب، الواقع الذي يفترض فيه – بحسب هذه السردية – أن تُمحى ثورة ديسمبر من الذاكرة.

وهذا لا يمكن أن يتحقق دون انتهاج خطاب التجريم، الذي ظل ديدن أبواق الحرب منذ طلقتها الأولى، بل وقبلها. والأرشيف مليء بخطابات قيادات الحزب المحلول وهم يحشدون لحرب أطلقوا عليها “حرب الكرامة”.

أما تغريدة ميرغني التي غلّفها بالتهنئة لعبد الله حمدوك، ونزع عنه حتى صفة كونه “رئيس وزراء سابق”، فقد تُعد الأفضل مقارنة بتغريدات أخرى على “التايملاين” من أنصار الجيش، والتي حفلت بإساءات يصعب حتى نقلها، ناهيك عن ذكر أسماء من كتبوها من “بلابسة” و”بلبوسيات”. لكنها تؤكد على حقيقة واحدة: في الحرب لا تسقط المدن ولا يسقط الناس؛ بل تسقط الأخلاق، وخاصة ممن يمتلكونها، فما بالك بغيرهم؟

“الجيش حرر لكم منازلكم، يمكنكم الآن العودة إليها”
مقولتهم المكرورة يرددونها، ولكن هذه المرة في حضرة الرجل الذي خرج، وبعد ساعة فقط من اندلاع الحرب، مرددًا: “لازم تقيف، ولا يوجد منتصر على أشلاء شعبه”.
المفارقة أنه حين قال قوله هذا، كانت المعارك لا تزال محصورة في المدينة الرياضية والقصر والقيادة العامة. ولا أحد كان يتوقع انتقالها إلى الكلاكلة والحاج يوسف، ناهيك عن “الدبيبات”، تلك المنطقة البعيدة التي لا يعرف أهلها غير رعاية أنعامهم وزراعة أراضيهم، ومن ثم حصادها. لكنهم لا ينسون أن ثمارهم الحقيقية في أبنائهم المتعلمين، لذا يبعثونهم لتلقي الدراسة، ومنهم “حمدوك”.

بالنسبة للكثيرين، فإن محاولة ربط حمدوك بتحرير الدبيبات – باعتبارها مسقط رأسه – هي امتداد لخطاب الحرب الذي يصورها كصراع بين جهات ضد جهات، ومكونات قبلية ضد مكونات قبلية، وحواضن ضد حواضن.
المفارقة أن توصيف الحرب لدى حمدوك مختلف تمامًا عن توصيف من يشعلون نارها الآن.
فهي – برأيه – نتيجة حتمية للتفاوت التنموي، وابنة الفقر، وتعطيل المشاريع الإنتاجية. وهي نتاج لتعدد الجيوش، الذي سبق أن حذّر من مخاطره حين كان رئيسًا للوزراء. ومؤكد أنها نتيجة حتمية للعلاقة بين السلاح واغتصاب السلطة في المجتمع السوداني.

في اللحظة التي حاول فيها “البلابسة” اختصار حمدوك في بيته بـ”الدبيبات”، اعتبر مناصروه أن بيته ومقامه هو السودان الكبير.
وعلى الذين لم يواسوه حين تسبب الطيران في مقتل بعض أفراد أسرته الممتدة، تأجيل تهنئتهم له حتى يتم استعادة كامل السودان للسلام والاستقرار، واستعادة الناس لعافيتهم وقدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
فالرجل ليس مجرد ابن “الدبيبات”، بل يمثل، لدى كثيرين، بأدبه الجم وتجاوزه، مؤسسًا لسودان تسوده قيم الحرية، السلام، العدالة، التنمية، والاستقرار.
هو المؤسس لما تم رصفه بالدم من قبل شهداء ديسمبر الثورة، وليس لسودان حرب العبث والعودة إلى نادي العقوبات.

shawgi amari

Recent Posts

كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان

كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان  إليكم…

4 ساعات ago

صدقي كبلو لاستقصائي: لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية

الحزب الشيوعي : لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية.. ونرفض استغلال مزاعم "الأسلحة الكيميائية" للتدخل…

يوم واحد ago

رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان

رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان تقرير - رحاب مبارك سيد أحمد | 11 يونيو…

5 أيام ago

وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء

وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء استقصائي - مصعب محمد علي…

6 أيام ago

رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان

رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان استقصائي – تقارير تواصل…

6 أيام ago

مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين

مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين خاص - استقصائي اتهم مسؤولون ليبيون، يوم…

أسبوع واحد ago