استقصائي
تسلم رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الأسبوع المنصرم، أوراق اعتماد سفير إيران لدى السودان، حسن شاه حسيني، منهيًا قطيعة بين البلدين استمرت لثماني سنوات.
وقطع السودان علاقاته بإيران في يناير/كانون الثاني 2016، إبان حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، اعتراضًا على اقتحام مباني السفارة السعودية في طهران من محتجين غاضبين على مقتل رجل الدين السعودي الشيعي، نمر النمر.
ويأتي التطور الجديد في العلاقات السودانية الإيرانية، في ظل معاينة بورتسودان للانشغال الغربي والعربي بملفات شديدة السخونة مثل ملف الحرب على غزة، أو في تورط بعض هذه الأطراف في مساندة مليشيا الدعم السريع.
وتتهم السلطات السودانية، صراحةً دولتي الإمارات، وتشاد، بدعم عناصر الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة، وترى أن دولًا غربية على رأسها بريطانيا، حالت دون مناقشة مجلس الأمن الدولي لقضية تورط الإمارات في الصراع السوداني، حماية لمصالحها التجارية مع الدولة الخليجية الغنية.
العلاقات السودانية الإيرانية
شهدت علاقات السودان وإيران تأرجحًا كبيرًا في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، فالعلاقة التي تمتنت أواصراها في أوج أزمة الحصار الغربي على السودان منذ تسعينيات القرن المنصرم، تمظهرت بشكل كبير في المستوى العسكري، حيث لعبت طهران أدوارًا بارزة في تطوير منظومة الصناعات العسكرية السودانية.
وفي الصدد، لطالما اتهم الغرب إيران بتأجيج الحرب الأهلية في جنوب السودان (دولة جنوب السودان الحالية)، وإقليم دارفور في غرب السودان، من خلال إمداد الجيش السوداني بالعتاد والأسلحة، بينما كان مصدر القلق الغربي هو ما يثار عن تحول شرق السودان لمعبر لتمرير السلاح الإيراني إلى مقاتلي حماس و”حزب الله”، بمباركة البشير.
وانتهى القلق الغربي، بإعلان البشير المشاركة في الحلف العربي الذي تقوده السعودية لاقتلاع الحوثيين في اليمن، مارس/آذار 2015.
وتتهم الرياض التي تقود تجمعًا دوليًا فيما اصطلح عليه بـ”عاصفة الحزم”، طهران، بدعم الحوثيين في اليمن، بجانب تهم أخرى تتصل بالتآمر ضد أنظمة الحكم الخليجية، وبنشر المذهب الشيعي في الدول العربية التي يعتنق معظم مواطنيها المذهب السني.
وبعد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، شهدت حقبة الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين، أغسطس/آب 2019 – أكتوبر/تشرين الأول 2021، تقاربًا كبيرًا مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، توج ذلك بشطب اسم السودان من قوائم الإرهاب، ديسمبر/كانون الأول 2020، والتحاقه بالاتقافات الإبراهيمية مع الاحتلال الإسرائيلي، يناير/كانون الثاني 2021.
وبعد استيلاء قائد الجيش على السلطة من المدنيين في أكتوبر/تشرين الأول 2021، واصل البرهان تقاربه مع الخليج، حتى وإن أصيبت علاقات الخرطوم والعواصم الغربية بالفتور جراء ما تراه انقلابًا عسكريًا على حلفائها المدنيين.
لذا رغم مرور ثماني سنوات على إغلاق السفارة الإيرانية في الخرطوم، لا تزال كتيبة قوامها المئات من مقاتلي الجيش المدعومين بعناصر الدعم السريع، تعمل بتنسيق تام مع قيادة عاصفة الحزم على الجبهة اليمنية.
لكن وجود تلك الكتيبة في اليمن، سيكون محل شك في ظل التطورات التي يشهدها ملف العلاقات الخارجية السودانية من جهة، وملف العلاقات السعودية الخارجية من جهة ثانية، لا سيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية في مارس/آذار 2023.
مستوى العلاقة
لعل السؤال الأبرز من عودة السفير الإيراني إلى السودان، يتصل بالمستوى الذي ستتحرك فيه علاقات بورتسودان – طهران.
يرى المحلل السياسي، محسن هاني، أن علاقات البلدين ستتموضع في المستوى السياسي، ولن تتخطاه إلى ما سواه، ويقول هاني إن كلًا من بورتسودان وطهران، تلعبان كروتهما الرابحة في العلاقة مع الغرب، بمنتهى البراعة، وواصل مفسرًا: “البرهان يعمل للكسب من هذه العلاقة في الضغط على الغرب وحمله على وقف الدعم المقدم لمليشيا حميدتي، أو في توقيع اتفاق سلام تكون صيغته مرضية للجيش ويتضمن إدماج عناصر المليشيا في الجيش الوطني.
ولفت إلى أن البرهان يمسك بكروت قوية، أبرزها تحويل البحر الأحمر إلى قواعد لروسيا والصين وإيران، وبإمكانية عودة السودان ليكون معبرًا للسلاح الإيراني تجاه غزة ولبنان، وبمستوى أقل عبر سحب الكتيبة المقاتلة في اليمن، مشيرًا إلى أن الدعوة الأمريكية لطرفي الحرب في السودان، لجولة مفاوضات مباشرة في جنيف السويسرية الشهر المقبل، لا علاقة لها بالانتخابات الأمريكية كما يعتقد كثيرون، لكنها ذات صلة وثيقة بحملة إعادة السودان إلى المعسكر الغربي.
وعن الفوائد المرجوة لإيران من هذا الحلف، قال هاني إن طهران وجدت في الحد الأدنى موطئ قدم في السودان، ولكن في الدرجات الرفيعة ستحصد كثيرًا من الثمار في حال حسم البرهان أمره وقرر معاداة الغرب والتحول للمعسكر الشرقي، وعندها سيكون هذا التحالف مصدر صداع كبير أسوة بما كان في حقبة البشير قبيل 2015.
حلف عسكري
يعتقد محلل الشؤون العسكرية، التجاني عبد القوي، أن المستوى الوحيد الذي يمكن أن توضع فيه علاقات السودان وإيران، هو المستوى العسكري.
ويقول إن الجيش السوداني منذ اندلاع حرب أبريل/نيسان 2023 وهو يعاني من نقص إمدادات الأسلحة والذخائر، في مقابل الدعم غير المحدود الذي تلقاه مليشيا الدعم السريع.
وشدد على أن توجه بورتسودان تلقاء طهران وموسكو، يهدف بشكل رئيس إلى إعادة التوازن العسكري في ظل تمدد المليشيا في ما يقارب 70% من مساحة البلاد، وأوضح أنه في ظل عدم تكافؤ المعركة، قد تلجأ بورتسودان إلى تكرار السيناريو الروسي في سوريا بدعم موسكو سلطة رئيس النظام بشار الأسد.
أما كفة ميزان الأرباح الإيرانية العسكرية من إعادة العلاقات مع السودان، فيتمثل على حد قوله في موانئ السودان على البحر الأحمر، وفي تحسين موقف الحوثيين في اليمن بإنهاء مهمة الكتيبة السودانية هناك، وليس نهاية بإثارة القلق الغربي من عودة التعاون العسكري مع حماس انطلاقًا من الأراضي السودانية.
الموقف الخليجي
قبل عدة سنوات، رفضت السعودية مرور طائرة الرئيس المعزول عمر البشير، في رحلة مزمعة إلى الصين، فهل ستصمت الرياض على تقارب بورتسودان وطهران؟
يرى أستاذ العلاقات الخارجية، سيف اليزل خالد، أن السعودية وعلى الرغم من تقاربها الأخير مع إيران، فإنها لن تتحمل إنشاء بورتسودان لعلاقات مع طهران دون أن يكون ذلك مشمولًا برعايتها.
وقال ستشهد الفترة المقبلة تحركات محمومة للسعودية لإرساء السلام في السودان، وتقديم حزم دعم جديدة للمتأثرين بالحرب، مع إطلاق وعود وتعهدات كبيرة بالمساعدة في إعمار الدولة التي مزقتها الحرب. وأبان اليزل بأن السعودية لن ترغب بحال من الأحوال في وجود إيران بخاصرتها، وعلى الجهة المقابلة للبحر الأحمر.
وفي السياق اعتبر أن عودة الكتيبة السودانية لن يكون مصدر قلق للسعودية، في ظل انخفاض وتيرة العملية العسكرية في اليمن، وظهور بوادر لإنهاء الخلاف هناك في طاولات التفاوض.
على الرغم من التأثيرات العميقة التي يمكن أن ترسمها عودة علاقات السودان وإيران، فإن تلك المسارات لن ترسم على الأرض قبل جولة مفاوضات جنيف المقبلة، فإما أن ينجح الغرب في استعادة البرهان لمعسكره، وإما أن يتحول الرجل بكلياته تجاه المعسكر الشرقي، لتبدأ فصول معركة جديدة، لا يمكن مقارنتها بما يجري في السودان حاليًا، على كارثيته.
نقلًا عن موقع نون بوست