معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

سيطرة فرضتها الأعمال الكوميدية على إنتاج الدراما السودانية خلال الخمسة أعوام الماضية، وذلك من خلال الأعمال الدرامية في الشاشات السودانية، وكذلك في المسرح، بالرغم من الإشراقات التي ظهرت مؤخراً في السينما السودانية بمجهودات شباب، أوصلتهم للعالمية، غير أن الكوميديا ظلت العنوان الأبرز للدراما في السودان مؤخراً.

المشاهد يبتلع القسوة بالضحكة

الدرامي والكاتب المسرحي الأستاذ مصطفى أحمد الخليفة ينظر إلى واقع الدراما وسيطرة الكوميديا بقوله إن الأخيرة تعتبر الأقرب لنقد الواقع والحالة المجتمعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، لافتاً إلى أن التراجيديا تتناول الشخصيات النبيلة والسامية والمآسي، ويضيف : “كما هو معروف الكوميديا بدايتها كانت عند الإغريق، وكانت تنتقد ما آل إليه حال المجتمع والمتغيرات التي تحدث بالإضافة إلى أنها تخلق حالة من المرح والضحكة، حتى تطور الأمر وأضحى لديها مهرجانات” .

ويشير مصطفى إلى أن الكوميديا تطورت و تعددت وتفرعت أشكالها، وزاد: “ظهر لنا مثلاً الكوميديا السوداء والتي يمكن أن تشير إلى مرارة الواقعة وتحكي المعاناة بشكل ساخر”، موضحاً أن الكوميديا عامة سريعة التوصيل للأشياء الآنية من أحداث تدور في المجتمع وهي الأقرب لقلوب المشاهدين والمتابعين لها. وقال: “حتى إن شكسبير في مسرحياته التراجيدية القاسية استعان بالكوميديا في عدد من المشاهد في مسرحياته فيها عمق ليرتاح المشاهد من قسوة ما يتابعه في المسرحية، ومعظم المسرحيات بالوطن العربي في عهد الستينيات والسبيعنيات حتى تسعينيات القرن الماضي استخدمت الكوميديا لنقد الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العربي والحال التي وصل إليها ، ومثال إلى ذلك في السودان ما قدمته مثلاً مسرحية المهرج لفرقة الأصدقاء المسرحية، والتي هي أقرب للكوميديا السوداء”.

وأكد مصطفى أحمد الخليفة أن الكوميديا ليست مجرد سخرية فحسب، وأضاف: “هنالك شروط وضوابط لصناعتها ، وسيطرتها على الأعمال المسرحية والدرامية يعود لأنها أقرب للغة العصر في سرعة تناولها للواقع ونقده وهي واحدة من الأدوات التعبيرية بالدراما، ويمكن أن نصفها مثل الدواء المر الذي نعطيه للطفل ، حيث تتم إضافة السكر أو الشوكلاته لكي يكون طعم الدواء جيداً للطفل، وهو نفس الحال في الكوميديا والتي من خلالها يمكن أن نفسر سيطرة الكوميديا على الدراما ، من خلال الضحكة يبتلع المشاهد الجرعة القاسية من المأساة الحاصلة في المجمتع الذي يعيش فيه أو يحيط به أو حول العالم”.

ثلاثة أسباب رئيسية لسيطرة الكوميديا

ويرى الكوميديان محمد جلواك أن أبطال الأعمال الدرامية في الخمسة أعوام الأخيرة جميعهم نجوم الكوميديا مثل محمد عبدالله موسى ، و عبدالله عبدالسلام “فضيل”، أبوبكر فيصل “جبريل”، علي ورطة “الزاكي” بالإضافة لمحمد جلواك ، وهم في الأصل نجوم الكوميديا.

وشير جلواك إلى أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية يمكن أن تقسيمها بالنسب ، وزاد : “20% يمكن أن نمنحها للقبول العالي لهؤلاء النجوم بشكل عام جعلهم يتمددون في مساحتهم الزمنية ، في السابق كانوا جزء من العمل الدرامي ، كما شاهدنا تاريخياً في مسلسل “دكين”، و”الدهباية، سكة الخطر” وخلاف ذلك، تجد الكوميدي هو داعم للعمل أو للبطل الدرامي أو لاعبين خط ، سواء كان الفياض أو جمال عبدالرحمن  في بعض الأعمال ، أيضاً كانوا مع الشخصيات الرئيسية ، بل كانوا استراحة العمل، حتى في “دغوتات” الأخيرة كان الزاكي هو استراحة المسلسل، في نفس نهج المدرسة القديمة ، لكن هم وجدوا قبول عالي جعلهم يطمحون في أن يكون لهم عمل قام بذاته”.

لافتاً إلى أن نسبة الـ25% تشكل نجوم الكوميديا لديهم إمكانية الإرتجال والتجديد والإضافة وملأ الفراغات في السيناريو الدرامي الجاف هذا يجعلهم يأخذون أكبر مساحة في العمل ، إضافة إلى أنهم  أصبحوا منتجين والإعتماد الكلي على مقدرته في جلب دعم ورعاية للمسلسل ولديه المقدرة على جلب دخل جيد، ولدى كل واحد مجموعة، لكنهم في النهاية هم يسيرون على المدرسة القديمة ، مثل مدرسة الفاضل سعيد، وعادل إمام ، الإعتماد على النجم الواحد، وهو ما يعيبهم.

وأضاف جلواك : “ثالثاً 55% الوضع الراهن أصبحت الكوميديا الساخرة الأكثر سوقاً وهذا الأمر ليس في السودان فقط، بمعنى أنك لو قمت بإنتاج عمل درامي ضخم ، وقام الكوميديا بتصوير مشاهد بالموبايل فقط، تجد عدد المتابعين والمشاهدين للعمل الكوميدي أعلى ، إذا قارنا إنتاج من ذكرتهم سابقاً من نجوم الكوميديا مع مثلاً فيلم “ستموت في العشرين” وهو أصبح فيلم عالمي ، تجد أن الفيلم مشاهدته على اليوتيوب لم تصل أو تتجاوز حاجز المليون مشاهدة تقريباً في حين أن نجوم الكوميديا تجد مشاهدة أعمالهم تتجاوز المليونين مشاهدة تقريباً، وهذا يعود للقبول الكبير للكوميديا، حتى وإن كانت سوداء”.

ويشير جلواك إلى وجود سبب آخر يقرأ من ما بين السطور ، وقال: “لا يمكن أن يقول ذلك إلا من قبل شخص عاش داخل مطبخ الإنتاج الدرامي أن المنافسة حالياً محصورة ما بين نجوم الكوميديا، لأننا في السودان ليس لدينا سينما، في العالم المنافسة تكون بين نجوم السينما والكوميديا”، ونوه جلواك إلى أن السوق حاليا يعتمد إعتماداً كلياً على العمل الخفيف والسريع وهذا الشيء ليس على مستوى الدراما بل حتى في الغناء ، ويضيف جلواك: “الإيقاع أصبح سريع ، وهذا هو إيقاع الكوميديا لأن المسلسل يمكن أن يكتب في شهرين ويتم تصويره في أربعة شهور، ويعرض بعد ستة أشهر يبقى لمن اتكتب قبل سنة، لكن الكوميديا يمكن الآن أكتب فكرة فيها المستجدات الحالية، مثل حمدوك وترك والحرية والتغير ، يعني حدث اليوم، الزمن هو من فرض سيطرة الكوميديا على الدراما”.

ظروف إنتاجية قاسية

“بداية يجب أن نعرف أن الدراما تقوم على شقين مهمين وهما الكوميديا والتراجيديا ، وأشكال تقديم الدراما مختلفة وبها الكثير من التعقيدات”، هكذا بدأ الكوميدي أبوبكر فيصل حديثه إلينا، مشيراً إلى أن الترجيديا تعتمد على مقومات وأشكال إنتاج أكبر ، في حين أن العمل الكوميدي يعتمد على قدرات الممثل، وقال : “لا ننسى أننا في السودان ظروف إنتاجنا بها الكثير من المطبات لصناعة عمل درامي ترجيدي، لذلك أصحبت الكوميديا هي السائدة، أضف إلى ذلك أن الشعب السوداني تعود على الكوميديا بشكل كبير، وبصراحة أصحاب وأسياد الدراما الحقيقية الذي يقدمون أعمال درامية يعملون في ظروف قاسية وإنتاج باهظ الثمن ، لذلك تظهر المسلسلات بشكل باهت ، ومباشرة يقوم المشاهد السوداني بالمقارنة ما بين الدراما المصرية والتركية ونظيراتها مقارنة بالدراما السودانية ، لذلك لا تجد القبول الكبير، مع إن المشاهد لا يدرك حجم المعاناة في إنتاج دراما جيدة مع ظروف إنتاجية صعبة ، والإنتاج الدرامي في الدول الأخرى يتم فيه صرف مبالغ كبيرة جداً، على عكس السودان”.

وأشار أبوبكر إلى أن الكوميديا ظلت هي السائدة في العمل الدرامي لأن الممثل أو الكوميدي لا يحتاج في كثير من الأحيان لإنتاج ضخم ، ويمكن أن يقوم بتصوير مشاهد عبر التلفون ويجد متابعة واسعة ، وزاد: “لأن المشاهد في العمل الكوميدي لا يركز مع تفاصيل العمل ويكون كل تركيزه في مع أدوات الممثل ومقدراته”.

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *