المجد لمن نزع السلاح من عقل الدولة لا لمن رفعه على صدور الناس
بقلم: مواهب عبد اللطيف
حين يصرّح الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائلًا: “لا مجد للساتك، المجد للبندقية”، فهو لا يكتفي بالاستهزاء بثورة شعبية عظيمة، بل يعلن – دون مواربة – اصطفافه الكامل إلى جانب منطق العنف والحرب، واختياره طريق الدم على حساب مشروع الدولة المدنية التي خرج السودانيون من أجلها في أبهى لحظات التاريخ.
هذا التصريح لا يُقرأ في سياق المعركة العسكرية فقط، بل في سياق فكري وسياسي بالغ الخطورة: إنه إعلان قطيعة مع فكرة السياسة ذاتها، مع دولة القانون والمؤسسات، مع منطق التفاوض والحوار، مع مشروع الدولة الحديثة التي تتأسس على التعدد والعدالة، لا على البندقية.
“اللساتك”، في خطاب البرهان، لم تكن مجرد أداة للضرب أو شعارًا شعبيًا عابرًا، بل هي رمزًا لوعي مقاوم، لكرامة جيل، لثورة استعادت المعنى من الشارع السوداني بعد عقود من القمع والكبت. اللساتك هي سلاح الضعفاء الأقوياء في وجه الطغيان، وصوت الرفض في زمن الإذعان، وشعار صلب في وجه الرصاص الغادر. الاستهزاء به هو استهزاء بكل أم شهيد، وكل ميدان اعتصام، وكل حنجرة هتفت “حرية سلام وعدالة”.
أما “البندقية” التي يفاخر بها البرهان، فهي البندقية التي فرّقت بين الإخوة، وقصفت البيوت، وقتلت الآلاف من الأبرياء، وأعادت البلاد إلى أسوأ كوابيسها. البندقية التي يتحدث عنها لم تُحمِ السيادة، ولم تصنع أمنًا، بل دمرت الخرطوم والجزيرة ونيالا والفاشر والجنينة. فكيف يكون المجد لسلاح يهدّ ما تبنيه الشعوب بعرقها ودموعها؟
الثورات لا تقاس بما تملكه من سلاح، بل بما تحمله من مشروع، ومن أخلاق، ومن استعداد للتضحية من أجل المستقبل. والمجد الحقيقي هو لمن يرفض الحرب لا لمن يؤججها، لمن يفتح أبواب السياسة لا أبواب الثكنات، لمن يصغي إلى صوت الأمل لا إلى أزيز الرصاص.
سيذهب جنرالات البندقية كما ذهب من قبلهم، وستبقى الثورة حيّة، رغم الجراح، لأن من يملك الحق، ولو بيد فارغة، أقدر على صناعة الغد من صاحب بندقية مرتعشة.