“السودان ينهار بصمت”: الحرب تحاصر، الجوع يفتك، والكوارث تُكمل المأساة

“السودان ينهار بصمت”: الحرب تحاصر، الجوع يفتك، والكوارث تُكمل المأساة

 

استقصائي – وحدة الرصد والتحقيقات | 31 يوليو 2025

 

المصادر: تقارير أوتشا (OCHA) وصفحات الأمم المتحدة الرسمية

 

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بصراعات دولية أخرى، يواجه السودان واحدة من أخطر الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إلى جانب وكالات أممية أخرى، تقارير صادمة تكشف عن تصاعد خطير في أعداد الضحايا المدنيين جراء الجوع والمرض والتشريد في عدد من مناطق السودان، في ظل حصار طويل الأمد، وتصاعد النزاع المسلح، وتدهور الخدمات الأساسية.

ووفق ما نُشر على الصفحات الرسمية للأمم المتحدة، فإن مدنًا مثل الفاشر، ومحلية طويلة، ومواقع النزوح في شرق دارفور وكسلا وشمال كردفان تشهد أوضاعًا إنسانية متدهورة بشكل متسارع، حيث يُبلغ عن وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، وانتشار الكوليرا، ودمار واسع نتيجة الفيضانات والعواصف، إلى جانب موجات حر مميتة في مناطق أخرى كمدينة بورتسودان.

التقارير تحذر من أن الاستجابة الإنسانية لا تزال ضعيفة، حيث لم يُموّل سوى 23% من خطة الأمم المتحدة للعام 2025، مما يهدد بمضاعفة الكارثة ما لم يتحرك المجتمع الدولي على وجه السرعة.

 

حصار الفاشر: الجوع يفرض سلطته

 

مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تعيش تحت الحصار منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا. خلال هذه الفترة، أصبحت المدينة نموذجًا مصغرًا لانهيار الدولة. تقارير أوتشا التي استندت إلى مصادر محلية، تؤكد وقوع وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية، بعد أن أُغلقت المطابخ المجتمعية نتيجة نفاد الإمدادات. ووصلت الكارثة لحدّ دفع بعض السكان إلى تناول علف الحيوانات.

 

الأسواق التي بقيت مفتوحة شهدت قفزات هائلة في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، مما جعل الحصول على الطعام أمرًا شبه مستحيل لغالبية السكان. خلف كل هذا، يقف واقع النزاع المسلح الذي يمنع دخول المساعدات ويعزل المدينة عن بقية البلاد.

 

النازحون: فريسة الجوع والمرض والسلاح

 

في ولاية شرق دارفور، يعاني موقع لقاوة للنازحين، الذي يضم أكثر من 7,000 شخص، من انعدام الغذاء وتكرار الهجمات المسلحة. الوضع هناك يتجاوز الحاجة الإغاثية الطارئة، ويعكس فشلًا ممنهجًا في حماية الفئات الأضعف.

 

وفي محلية طويلة بشمال دارفور، تصاعدت الإصابات بالكوليرا، ما دفع المنظمات الإنسانية إلى توسيع مراكز العلاج. غير أن هذه الجهود تصطدم بواقع قاسٍ: نقص في الأدوية، شح في مياه الشرب، وانعدام البنية الصحية الأساسية.

 

أوتشا حذرت في تقاريرها من ضرورة التوسع في حملات التوعية، وتوفير المياه النظيفة، وبناء مراحيض عاجلة، وإلا فإن موجة الأمراض قد تتحول إلى وباء لا يمكن السيطرة عليه.

 

الكارثة المناخية: فيضانات تحاصر، وحرّ يقتل

 

بالتوازي مع آثار الحرب، يواجه السودان كوارث طبيعية لا تقل قسوة.

في الرهد بولاية شمال كردفان، تسببت أمطار غزيرة في تشريد نحو 550 شخصًا وتدمير أكثر من 170 منزلًا خلال يوم واحد.

 

أما في كسلا، فقد اجتاحت السيول موقع غرب المطار للنازحين، وأثرت على أكثر من 6,000 شخص. غمرت المياه الخيام، وترك الأطفال والنساء في العراء دون غذاء أو غطاء، وسط بيئة غير صحية تنذر بتفشي الأمراض.

 

وفي مدينة بورتسودان، أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى 47 درجة مئوية هذا الأسبوع إلى وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من 50 بضربات شمس. تقارير أوتشا أفادت بأن المستشفيات هناك عاجزة عن استقبال الحالات، وسط انقطاع للكهرباء ونقص حاد في التجهيزات والمستلزمات الطبية.

 

تمويل مفقود وخطر يتوسع

 

رغم حجم الكارثة، لا يزال تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة بعيدًا جدًا عن الحد الأدنى المطلوب. تسعى الخطة لمساعدة 21 مليون شخص من الفئات الأكثر هشاشة في السودان، بكلفة إجمالية تبلغ 4.2 مليار دولار، إلا أن ما تم جمعه حتى الآن لا يتجاوز 952 مليون دولار، أي حوالي 23% فقط من الهدف.

 

أوتشا جددت دعوتها للمانحين الدوليين لتقديم دعم عاجل، محذّرة من أن “الأزمات المتراكبة في السودان – من النزاع المسلح إلى المجاعة إلى الكوارث المناخية – تشكل تهديدًا وجوديًا للملايين”، وأن التأخير في الاستجابة “لن يعني سوى المزيد من الموت والجوع والانهيار”.

 

“استقصائي”: توثيق مستمر ومساءلة واجبة

 

في وقتٍ تخفت فيه التغطية الدولية، وتبقى المسؤولية السياسية غائبة، يعمل “استقصائي” على توثيق الحقائق ومساءلة الأطراف المعنية.

الأرقام التي تنشرها الأمم المتحدة، والمشاهد التي ينقلها الناشطون المحليون، تُظهر أن الكارثة في السودان ليست مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل انعكاس لفشل سياسي إقليمي ودولي طويل الأمد.