صالح محمود: ما ورد حول الرباعية في الإعلام أُسيء فهمه
محاولة لربط الشيوعي بالحزب المحلول والفصائل القمعية محاولة يائسة لتشويه الحقيقة
الشيوعي : هناك تدخلا دوليا ملزما في بعض الحالات بموجب القانون الدولي
التجربة أثبتت أن تدخل الجيش في السياسة كان كارثيا.
في هذا الحوار يوضح صالح محمود المحامي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، موقف الحزب الحقيقي من محاولة ربطه بحزب المؤتمر الوطني المحلول أو غيره من الفصائل العسكرية القمعية على حد قوله، كما فسر اللبس الذي صاحب بيان الحزب من “الرباعية”، منتقدا المواقف الشخصية التي تغرد بعيدا عن الحزب، وقال “قد تؤدي بعض التصريحات الفردية إلى تشويش الصورة العامة للحزب” وكذلك أكد صالح على موقفهم من التدخلات الدولية، وعلى الرغم من أنه استثنى تدخلات أممية وفق ظروف محددة إلا أنه قرن ذلك بالحفاظ على سيادة السودان.الحوار يستعرض أيضا قدرة الحزب على استنهاض الجماهير، دور الثورة الممتدة عبر الأجيال، والتحديات التي تواجه استعادة السيادة الوطنية، مع التمسك بالثوابت الفكرية والتنظيمية للحزب، وضمان أن يكون الشعب السوداني هو صاحب القرار النهائي في مستقبل بلاده.
حوار – مصعب محمد علي
كيف ترون مستقبل الوحدة الوطنية في ظل دعوات للانفصال وتنامي الحركات المسلحة؟
نحن نرى السودان دولة لا يمكن أن تفرض عليها هوية بعينها، سواء كانت عروبية أو إسلاموية. هويتنا هي هوية الشعب السوداني فقط. الحزب الشيوعي يصر على الانتقال إلى حكومة وطنية ديمقراطية تكون السلطة فيها للشعب وحده، لا للوكلاء المحليين ولا لقوى الاستعمار الجديد. رؤيتنا تقوم على القطيعة مع التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وعلى استعادة المسار الديمقراطي في زمن الحرب أو السلم. نعتمد في ذلك على مقررات مؤتمراتنا، وعلى المواثيق التي وقعنا عليها مع قوى التغيير منذ ثورة أكتوبر 1964 وحتى ثورة ديسمبر 2018، والتي نعتبرها مرجعيات ملزمة تعبر عن تطلعات جماهير الشعب السوداني.
أنتم ترفضون أي تسوية مع العسكر، ولديكم مواقف واضحة من التحالفات. هل يعني ذلك أنكم تراهنون على ثورة جديدة تقلب المشهد كليا؟
نعم، نحن نرفض أي تسوية تمنح العسكر دورا جديدا في حكم السودان. هذا الموقف ليس براغماتيا أو انتهازيا بل هو موقف مبدئي، ويستند إلى مطالب الجماهير منذ ثورة ديسمبر، حيث رفعت اللاءات الثلاث: لا للتسوية، لا للشراكة، لا لشرعنة الانقلاب. دور الجيش يجب أن يكون حماية البلاد والدستور، وليس حكم البلاد.
التجربة أثبتت أن تدخل الجيش في السياسة كان كارثيا. هو من أشعل الحروب في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، حيث تم تجنيد المليشيات القبلية وارتكبت جرائم واسعة النطاق، أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتدمير المجتمعات. مساحة دارفور وحدها تعادل فرنسا تقريبا لكنها دمرت بفعل قرارات عسكرية اتخذت بعيدا عن مصالح الشعب.
كما تحالفت النخب العسكرية مع قوى خارجية مثل الصين وروسيا وفرنسا، وجرّت البلاد إلى صراعات دامية. داخليا، سلمت بعض القوى السياسية ـ خصوصا الطائفية ـ السلطة للعسكر، وفي أبريل 2019 رأينا كيف تحالفت قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري رغم أن الشارع طالب بإبعاده. حتى رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك قبل بشراكة مع العسكر، تنازل عن وزارتي الدفاع والداخلية، ووافق على سياسات اقتصادية أضرت بالشعب، مثل تحرير الجنيه والالتزام بشروط المؤسسات الدولية.
من هنا موقفنا واضح: لن نقبل بأي شراكة مع العسكريين ولا مع الإسلاميين. كما نقول دائما: من المستحيل أن يختلط الماء بالزيت.
هل ترون أن السودان قادر على تجاوز هيمنة القوى الإقليمية والدولية على قراره السيادي، أم أن هذه التدخلات أصبحت واقعا لا مفر منه؟
السودان عرف التدخلات الأجنبية منذ عهود الممالك القديمة مرورا بالاستعمار التركي المصري والاستعمار الحديث. لكن التجربة أثبتت أن السودانيين قادرون على تجاوز هذه الهيمنة. فقد نجحوا في انتزاع الاستقلال رغم الانقسامات الداخلية، كما أظهروا إرادة موحدة خلال ثورات أكتوبر 1964، وانتفاضة 1985، وثورة ديسمبر 2018، التي جمعت مواطنين من دارفور وكردفان والشرق والشمال والجنوب بشعارات موحدة، بينها: “لا لحكم العسكر” و”لا للاستعمار الجديد”.
ما هي الأسس التي تستندون إليها في القول بقدرة السودان على استعادة سيادته؟
نستند إلى مواثيق التغيير الجذري التي وقعتها قوى الثورة، والتي تركز على إنهاء التبعية الاقتصادية والسياسية، وصيانة السيادة الوطنية، وإدارة التنوع العرقي والثقافي والديني بعدالة تضمن مشاركة جميع السودانيين في السلطة والثروة. السودان بلد قارة يملك موارد هائلة ومناخات متعددة، والتحدي الحقيقي هو إدارة هذه الموارد بعدالة وشفافية لصالح الشعب، لا لصالح القوى الخارجية أو وكلائها المحليين.
لكن هناك من يرى أن التدخلات الدولية والإقليمية باتت جزءا من معادلة السودان؟
صحيح أن هناك تدخلا دوليا ملزما في بعض الحالات بموجب القانون الدولي، مثلما حدث في دار فور منذ 2003 حين صدرت قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع لحماية المدنيين ووقف جرائم الإبادة والتطهير العرقي. هذا النوع من التدخل مشروع، لأنه يستند إلى مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ويهدف لحماية المدنيين عندما تفشل الدولة الوطنية في ذلك.
كيف يرى الحزب التعامل مع المجتمع الإقليمي والدولي في ظل هذه القضايا؟
الحزب يرى أن حماية المدنيين، محاسبة مرتكبي الجرائم، وفتح المعابر الإنسانية هي أولويات يجب أن تطالب بها الجماهير من المجتمع الدولي والإقليمي. هذه المواقف تتوافق مع المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن، وهي جزء من البرنامج الثابت للحزب، ولا تخضع لأي اعتبارات سياسية ضيقة أو مصالح شخصية.
لكن ما نرفضه هو التدخلات التي تستهدف فرض تسويات سياسية أو هيمنة اقتصادية لمصلحة قوى بعينها. هذه القضايا يجب أن يقررها الشعب السوداني وحده.
كيف ترون الدعوات للانفصال ؟
برأينا لا يوجد اليوم إقليم يطالب رسميا بالانفصال كما حدث مع الجنوب. ما يجري في بعض المناطق هو محاولات لتشكيل حكومات موازية، كما حدث مع مجموعة نيروبي، وهذا أقرب لتجارب ليبيا أو اليمن منه إلى الانفصال الكامل. حتى الحركات المسلحة لا تملك القدرة على فرض الانفصال، فهي لم تحصل على اعتراف دولي ككيانات مستقلة، ولم تطرح رسميا مشروع الانفصال.
وماذا عن احتمال تكرار سيناريو الجنوب في مناطق أخرى مثل دارفور أو الشرق؟
لا نرى أن الظروف مهيأة لتكرار هذا السيناريو. صحيح أن هناك مظالم تاريخية وجرائم موثقة مثل مجزرة الضعين، لكن هذه المظالم لا تعني بالضرورة أن المجتمعات تسعى للانفصال. غالبية السودانيين، حتى في المناطق الأكثر تضررا، يطالبون بالعدالة وتقاسم عادل للسلطة والثروة، لا بتقسيم البلاد.
ما قدرة الحزب فعليا على استنهاض الشارع السوداني بعد سنوات الحرب والانقسام؟
الحزب الشيوعي ظل يمتلك القدرة على استنهاض الجماهير على مدى تاريخه الطويل، من فترات الاستعمار إلى ثورات أكتوبر 1964، 1985، وثورة ديسمبر 2018. قدرته هذه تستند إلى عضويته الفعالة في مجالات الفكر، الثقافة، والفنون، حيث كتب أعضاؤه الشعر الثوري و أنتجوا الشعارات التي أصبحت ملكا للجماهير، مثل “حرية، سلام، وعدالة”.
هذا التأثير ليس مجرد خطاب نظري، بل فعل ثوري حقيقي، يتجسد في إشعال الجماهير عبر البيانات، الأدبيات الثورية، والأنشطة الثقافية والفكرية. حتى وسط الشباب والقبائل المختلفة، يملك الحزب القدرة على تحفيز المشاركة في قضايا الحرية، السلام، العدالة، وحدة البلد، وصيانة السيادة الوطنية.
كيف يرد الحزب على الانتقادات التي تقول إنه يكتفي بالمواقف النظرية دون أدوات فعلية للتأثير؟
الحزب لا ينظر إلى الفعل الثوري بمعزل عن النظرية. الفعل بلا مرجعية فكرية لا يمكنه تحقيق التغيير. الماركسية، التي يعتمدها الحزب، ليست مجرد تحليل، بل أداة لتغيير الواقع. استنهاض الجماهير، نشر الوعي السياسي، والمشاركة في الساحات الثقافية والسياسية هو فعل ثوري متواصل.
رغم أن الحزب لم ولن يستخدم السلاح ، لكن التأثير الفكري والثقافي والسياسي يظل أداة فاعلة وملموسة، كما ظهر في ثورة ديسمبر، التي أظهرت قدرة الحزب على تحريك الجماهير وإلهامهم حتى في أصعب الظروف.
ما خطة الحزب لمخاطبة الأجيال الجديدة، التي تشكلت تجربتها السياسية في سياق مختلف عن أجيال ما قبل الحرب؟
الحزب يدرك أن الجيل الجديد عاش تجارب مختلفة، تعصف بها الحروب والانقسامات، لكن هذا الجيل يمتلك شغفا للانخراط السياسي. خطتنا لمخاطبة هؤلاء الشباب تتمثل في توفير بيئة تعليمية وسياسية منظمة، تشمل: المدرسة الحزبية، فتح فرص التطوع والمشاركة، دمج الخبرة مع الطاقات الجديدة بهذه الآليات، يضمن الحزب استمرارية الثورة السودانية عبر الأجيال، ويؤسس لقوة سياسية متجددة قادرة على الدفاع عن سيادة السودان، وحدة أراضيه، وعدالة توزيع الثروة والسلطة.
هل يمكن القول إن الثورة السودانية أصبحت قوة ممتدة عبر الأجيال؟
نعم، الثورة قوة متراكمة، نضالها يمتد منذ عقود. الأجيال الجديدة، رغم تعرضها للمخاطر والانتهاكات، تؤكد أن الثورة ليست ملكا لجيل واحد، بل هي قضية وطنية مستمرة. الحزب يضمن استمرارية هذه الثورة عبر تعليم الشباب، وتوجيه طاقاتهم نحو الفعل المدني والسياسي، و إلهامه بالقيم الأساسية: الحرية، العدالة، والسلام، وحدة السودان، واستقلال القرار الوطني.
هناك جدل حول بيان “الرباعية”، هل يعكس تباينا داخل الحزب؟
البيان الأخير كان موقفا سياسيا ملزما لأعضاء الحزب وفق لوائحه الداخلية، وليس انعكاسا لأي خلاف تنظيمي أو فكري. من حق الأعضاء التعبير عن ملاحظاتهم، لكن الالتزام بالموقف الأساسي يظل واجبا.
ما ورد حول الرباعية في الإعلام أُسيء فهمه في بعض الأحيان باعتباره بيانا للحزب، بينما هو بيان للتحالف، والحزب حرص على توضيح موقفه لاحقا. الالتباس ناتج عن قراءة سريعة للبيانات وتسرع البعض في الحكم، لكنه لا يعكس انقساما حقيقيا، فالحزب لديه برنامج ثابت، ويستند إلى المبادئ الأساسية: حماية المدنيين، العدالة، وتوفير المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع.
هل هناك احتمال انقسام داخلي في الحزب بسبب هذه الضغوط والتحديات الإقليمية؟
الحزب لديه آليات داخلية لحماية وحدته التنظيمية والفكرية. أي اختلاف في الرأي يناقش ضمن الهياكل الحزبية، ويتم التعامل معه وفق اللائحة الداخلية. تاريخ الحزب شهد اختلافات، لكنه حافظ دائما على جوهره التنظيمي والفكري. أعضاء الحزب، سواء كانوا مؤيدين أو لديهم ملاحظات، يلتزمون بالبرنامج الأساسي ويعملون على تطويره دون تهديد وحدة الحزب أو قيمه.
واجه الحزب انتقادات بسبب آراء وتصريحات أطلقها بعض أعضائه في المنابر العامة ووسائل التواصل الاجتماعي. إلى أي مدى تُعتبر هذه المواقف معبرة عن الحزب أم عن أصحابها فقط؟
الحزب الشيوعي السوداني يقوم على قواعد تنظيمية واضحة ومنهج فكري مستند إلى المبادئ الماركسية اللينينية التي تفرق بين المواقف الفردية والتوجهات الجماعية المعلنة. أي تصريح أو رأي يصدر عن عضو في منابر عامة أو وسائل التواصل الاجتماعي يعبر بالضرورة عن فهمه الشخصي، وليس بالضرورة عن موقف الحزب الرسمي، إلا إذا صدر في سياق منبر حزبي أو بيان رسمي. هذا التمييز ضروري لضمان أن وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية لا تتأثر بالآراء الفردية، وللحفاظ على مصداقية الحزب بين الجماهير والقوى السياسية الأخرى.
هل تعتقدون أن بعض هذه الآراء الفردية أضرت بصورة الحزب بين القوى السياسية والجماهير؟
قد تؤدي بعض التصريحات الفردية إلى تشويش الصورة العامة للحزب، خاصة لدى المتابعين غير الملمين بهيكل الحزب الداخلي برنامجه الفكري. ومع ذلك، الحزب يعتمد على ثقافة سياسية راسخة، تتيح تصحيح المسار من خلال المناقشة الداخلية، والتوضيح للجماهير بأن هذه الآراء لا تمثل الحزب بالضرورة. من منظور ماركسي، هذا جزء من ديناميكية العمل الجماهيري: مواجهة الأخطاء الفردية بالتصحيح الجماعي، بما يحافظ على وحدة البرنامج ومصداقية المواقف الأساسية، مثل الدفاع عن العدالة الاجتماعية، حقوق العمال والفلاحين، وحماية المدنيين، وتحقيق السيادة الوطنية.
في الآونة الأخيرة صدرت إشارات من بعض قيادات المؤتمر الوطني المحلول فيها قدر من “المغازلة السياسية” للحزب بل ودعوات لعمل مشترك. كيف يقرأ الحزب هذه الرسائل؟
الحزب الشيوعي السوداني لا يُقارن ولا يُساوى بأي حال مع حزب المؤتمر الوطني أو أي فصيل ديكتاتوري آخر. كل من يحاول ربطنا بهم أو تصويرنا في سياق “مغازلة سياسية” هو متربص بالحزب يسعى للي عنق الحقيقة وتشويه مساره النضالي الطويل. الحزب تاريخياً كان في الصفوف الأولى ضد قمع الأنظمة المستبدة، وواجه السجون والملاحقات والدماء من أجل الحرية والسلام والعدالة. كل محاولات ربطنا بالمؤتمر الوطني، سواء بالتصريحات أو التفسيرات المغرضة، لا تزيد إلا وضوحًا بأن الحزب ثابت على مواقفه الثورية، وأنه لا يساوم على المبادئ ولا يتقاطع مع من سبق لهم قمع الشعب ونهب موارد السودان.
نقول لكل من يحاول الإساءة أو حرف الحقيقة: الحزب لن يُجرّ إلى أي لعبة سياسية مع أعداء الثورة، ولن يسوى في أي ميزان غير ميزان الدماء والعدالة. كل مغازلة، كل محاولة اختراق، هي مجرد محاولات يائسة لن تنجح في محو تاريخ الحزب أو زعزعة مصداقيته بين الجماهير الثورية والشعب السوداني كله. الحزب ثابت، متحد، ومستمر في قيادة نضاله الوطني بمبادئه الماركسية اللينينية، ولا مجال للخلط بين الثوار ومن قمعوا السودان.