معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

مهاجرون أفارقة يواجهون أعنف موجة عداء في غرب ليبيا

تقرير – استقصائي

في إحدى ليالي أواخر سبتمبر، دوى طرق عنيف على باب منزل صغير في مدينة صرمان غرب ليبيا، تبعته صيحات غاضبة. فتح رب الأسرة السودانية الباب متوجسا ليجد مجموعة من السكان المحليين يقتحمون المنزل وهم يلوحون بأدوات حادة ويطالبونه بمغادرة المكان فورا.

تجمّدت زوجته في مكانها، فيما احتمى أطفاله خلفها. يقول الأب إن تلك اللحظة أعادت إليه ذاكرة الحرب التي فر منها في الخرطوم، مضيفا شعرت أن الخراب الذي هربنا منه في السودان لحق بنا إلى هنا”.

نجت الأسرة من الاعتداء بفضل تدخل بعض الجيران الليبيين الذين هدأوا المهاجمين، لكن العائلة أُجبرت على مغادرة المنزل خلال أيام. ومنذ ذلك الحين، كما يقول الأب، “صار الخوف جاراً دائماً ينام معنا كل ليلة”.

وقبل تلك الحادثة بأسابيع، تعرض الرجل نفسه لسطو مسلح في وضح النهار. “لم يسرقوا سوى مبلغ صغير، لكن ما فقدته فعلاً هو إحساسي بالأمان”، يقول بنبرة خافتة.

العنف ضد المهاجرين في ليبيا ليس جديداً، لكنه، وفق ما يرويه سكان ومهاجرون، بات أكثر حدة في الأشهر الأخيرة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتصاعد التوترات الاجتماعية في مناطق الغرب الليبي، حيث تتقاطع مصالح الميليشيات وتغيب سلطة الدولة.

 

تصاعد الغضب الشعبي

شهدت مدن صبراتة ومصراتة والزاوية وصرمان في أواخر سبتمبر 2025 احتجاجات واسعة ضد الوجود الأجنبي. رفع المتظاهرون شعارات مثل “ليبيا لليبيين” و”أعيدوا المهاجرين إلى بلدانهم”، في مشهد اعتبرته منظمات محلية مؤشراً على تنامي الكراهية ضد المهاجرين الأفارقة.

وقال نازحون سودانيون في صبراتة إن قوات أمنية داهمت منازل يعتقد أن مهاجرين غير نظاميين يقيمون فيها، واحتجزت عدداً منهم للتحقيق. وفي مصراتة، أفاد شهود بأن محالّ مملوكة لسودانيين تعرضت لهجمات متفرقة. أما في الزاوية وصرمان، فقد انتشرت على المنصات المحلية دعوات لطرد الأجانب، تصفهم بأنهم “تهديد اجتماعي وصحي”.

ومع تصاعد التوتر في الشارع، امتد الغضب إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تداول مستخدمون منشورات تحرض على العنف ضد المهاجرين. كتب أحدهم على فيسبوك: “غداً ستسمعون صوت الرصاص ولن ينجو أحد”. وتكررت اتهامات تربط وجود المهاجرين بتفشي الأمراض والسرقات، رغم غياب أدلة واضحة على ذلك.

في ترهونة، مثلاً، انتشرت شائعات تزعم أن المهاجرين السودانيين جلبوا أمراضاً سببتها الحشرات، ما فاقم مناخ الخوف وساهم في زيادة العداء المتبادل بين المجتمعات المحلية والمهاجرين.

 

بين حربين

تقول منظمات حقوقية إن ما يجري في غرب ليبيا يعكس واقعاً إنسانياً مأزوماً، إذ يعيش آلاف المهاجرين واللاجئين الأفارقة بين خطر المداهمات الأمنية وتهديدات العصابات، وسط انهيار الخدمات الأساسية.

وأضافت منظمات دولية أن الإجراءات الأخيرة قد تمهد لعمليات طرد جماعي تنتهك القانون الدولي، في بلد ما زال يعاني من انقسام سياسي وصراع مسلح متقطع منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

يقول ناشط ليبي في مجال حقوق الإنسان، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن “المزاج الشعبي بات أكثر تطرفاً تجاه المهاجرين بسبب الأزمة المعيشية، لكن تحميلهم مسؤولية التدهور الاقتصادي أمر غير عادل ولا يحل شيئاً”.

بالنسبة للسودانيين الذين لجؤوا إلى ليبيا هرباً من الحرب الدائرة في الخرطوم ودارفور، يجد كثير منهم أنفسهم اليوم في مواجهة واقع مشابه لما فروا منه: سلاح منتشر، غياب للقانون، وتمييز يتغذى على الخوف من المجهول.

يقول رب الأسرة السودانية في صرمان: “نحن بين حربين هناك الحرب التي تركناها خلفنا، وهنا الحرب التي لا نراها ولكن نعيشها كل يوم”.

في منزله المؤقت، ينام الرجل قرب الباب تحسباً لأي اقتحام، بينما تعاني زوجته من ألم مزمن في الرقبة، ويقضي أطفاله لياليهم في التساؤل إن كانوا سيعودون يوماً إلى السودان.

في مدن الغرب الليبي التي تغلي بالتوتر والخطابات المعادية للأجانب، يعيش المهاجرون على حافة الخوف. بالنسبة لكثيرين منهم، أصبحت ليبيا محطة انتظار طويلة بين وطنٍ فقدوه، ومستقبلٍ لا يجرؤون على تخيله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *