معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

لمن يعتذر النعمان؟

استقصائي – تقارير

 

“نعتذر للشعب السوداني”، بلسان حزب المؤتمر الوطني المعزول، أعلنها الأمين السياسي للحزب المحلول النعمان عبد الحليم. قال النعمان في مقابلة مع قناة الجزيرة: “أخطأنا، ولا نكابر في الاعتذار للشعب السوداني”. النعمان، الذي كان يتحدث لبرنامج المسائية، أضاف أن الشعب عاقبهم حين ثار عليهم وأطاح بنظام عمر البشير قبل ست سنوات. تصريحات النعمان تطرح سؤالاً جديداً: هل اقتنع هو وإخوانه برفض الشعب لهم؟ وقبل أن يغادر النعمان منصة الجزيرة، خرجت أصوات من داخل الحزب المعزول تهاجمه بسبب الاعتذار. القيادي بحزب المؤتمر الوطني الفاتح المهدي دافع عن حزبه قائلاً: “يجب أن يشكر المؤتمر الوطني على ما قدمه”. وأضاف: “كل القوى السياسية يجب أن تعتذر، وبعدها يعتذر المؤتمر الوطني”. ثم تساءل: “من فوضه بالاعتذار؟ الاعتذار تقره المؤسسات”. وتابع: “الحزب الشيوعي لم يعتذر عن جرائم بيت الضيافة، فليتراجع عن الخفة والشلاقة السياسية”. وختم: “إذا أراد الاعتذار فليعتذر هو والمهندس إبراهيم محمود، نحنا ما معتذرين”. تصريحات الفاتح المهدي، الذي كان مدير مكتب نائب الرئيس السابق حسبو عبد الرحمن، والقيادي الحالي في الدعم السريع، تشير إلى انقسام واضح. يبدو أن موقف الاعتذار يمثل أحد تيارات المؤتمر الوطني، بينما ينتظر تيار آخر اعتذار الشعب لهم عن الثورة. هذا التيار يقود مسارات تسعى لمعاقبة الشعب على خروجه ضد سلطتهم. المدهش أن “النعمان” يهبط من جبله العالي ليعتذر للشعب السوداني. الأرشيف يحتفظ له بتصريح شهير:”7 ساعة وبعدها كل قرد يطلع جبله”. هو نفسه النعمان الذي وصف الحرب بأنها نهاية الثورة وبداية مشروع “استعادة الكرامة والعودة للسلطة”. لكن لماذا يعتذر النعمان الآن؟ بالنسبة للبعض، يبدو الاعتذار رسالة داخلية تعبّر عن صراع التيارات داخل الحزب. دليل ذلك رفض تيار “كرتي” للاعتذار باعتبار النعمان محسوباً على تيار إبراهيم محمود. وهذا يعني أن الاعتذار لا يستهدف الشعب السوداني، بل محاولة لإعادة “التموضع” داخل الحزب. خطوة تمهّد لإعادة “لتموقع” في المشهد السياسي برمته. آخرون يرونها محاولة من تيار محمود لتجنب المواجهة مع الإقليم بعد بيان “الرباعية” الأخير. وقد يكون الاعتذار مدفوعاً من أطراف خليجية أو إقليمية على صلة بالإسلاميين السودانيين. تدفع هذه الأطراف باتجاه تهدئة مرحلية ضمن استراتيجية لإعادة التموضع على المدى الطويل. الصحفي المحسوب على المؤتمر الوطني عبد الماجد عبد الحميد اعتبر أن الاعتذار يكشف عن وجود نسختين من الحزب في المشهد. وقال: “لا يملك النعمان عبد الحليم ولا غيره الحق في تقديم اعتذار يحاكم تجربة بحجم الإنقاذ”. وأضاف: “تجربتنا أكبر وأقوى من كل التجارب السياسية السابقة واللاحقة، التي نعيش تخبطها اليوم”. وختم: “الخلاف داخل بيت الإسلاميين لا يُعالج بالصمت أو الهروب من مواجهة الأسئلة الصعبة”.

تصريحات النعمان تطرح سؤالاً جديداً: لمن يوجّه الاعتذار؟

هو يقول إنه للشعب السوداني، لكن من داخل التنظيم يرون العكس. يعتبرون أنه لا يمثل المؤسسة ولا إجماع الآراء. قال بعضهم إن الاعتذار “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”. فبحسب منسوبي المؤتمر الوطني، الشعب لا يستحق الاعتذار أصلاً. أما الشارع السوداني، فاستقبل التصريحات بالسخرية. يرى كثيرون أنها محاولة للهروب من المحاسبة على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الحزب.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها: عن ماذا يعتذر حزب البشير؟ عن فصل الجنوب؟ أم عن حرب دارفور؟ عن نهب موارد البلاد وتسليمها للخارج؟ عن الدماء التي أُريقت دفاعاً عن سلطته؟ عن ثلاثين عاماً من الاستبداد؟ عن تسميم أجواء الانتقال حتى اندلاع الحرب؟ أم عن دوره في حرب أبريل التي شردت الملايين؟ أو عن إنشاء قوات الدعم السريع؟

في كل الأحوال، فإن الرد الشعبي على اعتذار النعمان عبد الحليم، الأمين السياسي للحزب المعزول، وأستاذ الفلسفة بجامعة النيلين، جاء واضحاً: “اعتذارك ما بفيدك”. وربما لحقه سؤال آخر من أفواه السودانيين: “من وين أجيب ليك العذر؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *