قال ساسة ومحللون إن فتح “ملف التطبيع مع إسرائيل” في هذا التوقيت سيزيد من تعقيد المشهد السياسي في السودان، وسيعيق التقدم في العملية السياسية التي تجري حاليا.
وفيما اتفق من استطلع (استقصائي) آراءهم من ساسة ومحللين حول تأثير مسألة التطبيع في المشهد السوداني، تباينت رؤية كل منهم حول حجم ونوع هذا الأثر، وإلى أي مدى يمكنه التأثير في العملية السياسية؟
فبينما ذهب فريق منهم إلى أن فتح الملف في هذا التوقيت سلاح ذو حدين، وهو محاولة لبعثرة الأوراق بهدف إعاقة الحل السياسي أو تسريع إيقاعه، مشيرين إلى أنه سيزيد من حدة الاستقطاب داخل القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وربما بين مكونات الحرية والتغيير نفسها، وذلك بالنظر إلى أن هناك مواقف شبه ثابتة لبعض القوى السياسية حيال مسألة التطبيع.
وطبقا للمحللين فإن التباين حول “ملف التطبيع” لم يقتصر على رافضين وموافقين، بل تعدى ذلك إلى ظهور فريق ثالث يرى أن قرار “التطبيع” يحتاج إلى استفتاء رأي الشعب.
يرى المحلل السياسي محمد محيي الدين أن زيارة الوفد الإسرائيلي إلى السودان سوف تزيد من تعقيد المشهد السوداني، أكثر مما هو عليه، وستعيد الناس إلى مجموعتين مجموعة تريد المضي في التطبيع ومجموعة سوف ترفض، وهذا يزيد حالة الاستقطاب في الشارع ووسط الأجسام السياسية.
وفيما استشهد محيي الدين بتصريحات بعض السياسيين المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، لفت إلى أن ذات الملف أثار جدلا في 2020م عقيب لقاء البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في عنتبي حتى داخل الحرية والتغيير التي اختلفت مكوناتها آنذاك بين رافض وداعم للتطبيع، الأمر الذي يعيد نفس الأزمة ويربك المشهد داخل الحرية والتغيير.
وتابع إن موقف القوى الموقعة على “الإطاري” غير واضح حتى الآن، لكن هناك تباين كشفت عنه تصريحات “كمال عمر القيادي بالمؤتمر الشعبي” وأحد الداعمين والمتحدثين عن التسوية السياسية، عندما رفض التطبيع في ظل الحكومة الانتقالية ودعا إلى إرجائه لحكومة منتخبة.
من غير المستبعد أن تتمدد التباينات داخل قوى “الإطاري” والحرية والتغيير بين الرفض والقبول، وهذا الأمر ـ بحسب محيي الدين ـ يؤثر على العملية السياسية ويثير جدلا كبيرا، وربما يحدث شرخا في الحرية والتغيير ويزيد حالة الاستقطاب خصوصا في التيارات ذات التوجه اليميني مما يزيد حالة الارتباك داخل المشهد الحالي.
من جهتها قالت مدير مركز الدراسات الدبلوماسية تماضر الطيب في حديثها لـ”استقصائي ” إن أثر التطبيع على العملية السياسية سوف يكون سالبا، مشيرة إلى حديث البرهان في منطقة كبوشية حينما قال إن المؤسسة العسكرية لن تسلم السلطة إلى المدنيين إلا في حالة توافق القوى المدنية، وتابعت: من الواضح أنه مضغوط من أجل المضي في العملية السياسية وكذلك للتوقيع مع إسرائيل، والواقع فيه شيء من التعقيد.
وقالت تماضر إن “التطبيع” سلاح ذو حدين، إما أنه مثّل دفعة لـ”الإطاري” وتسريع العملية السياسية، أو تسبب في انسحاب الأحزاب الرافضة لـ”التطبيع” من الاتفاق وبالتالي فشل العملية السياسية برمتها.
وتوقعت ألا يصرح المؤتمر الشعبي وحزب الأمة برفضهما للتطبيع وقد يأتي موقفهما منه على لسان آخرين.
من جهتها، قالت نقابة الصحفيين السودانيين إن سعي قادة الانقلاب الحثيث للتطبيع مع إسرائيل، منذ فبراير من العام ٢٠٢٠، وتهافت إسرائيل لإيجاد اعتراف وموطئ قدم لها في السودان، ما هو إلا محاولة لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر، ويتطابق مع توجه الديكتاتورية العسكرية التي تستند على التفرد باتخاذ القرار في القضايا المصيرية بعيدا عن المؤسسات وبعيدا عن الشفافية ونهج الديمقراطية والمشاركة.
وقالت، في بيان للرأي العام حصل (استقصائي) على نسخة منه، إن ما يحدث الآن يشكل تهديدا خطيرا للسودان، وهو محاولة لاستثمار أوضاع السودان وأزماته السياسية لإقحامه في خضم صراع دولي في إقليم مضطرب ومنطقة تتسم بالهشاشة الأمنية وشريط ممتلئ بالإرهاب ما ينذر بمخاطر عديدة على مستقبل البلاد.
وأضاف البيان أن استخدام اتفاق إسرائيل للضغط على أطراف العملية السياسية الجارية الآن للوصول إلى اتفاق سياسي، كيفما اتفق، ما هو إلا محاولة من قادة الانقلاب لكسب المزيد من الوقت للبقاء على رأس السلطة، وتشكك في تصريحات قائد الانقلاب التي تعهد فيها بخروج المؤسسة العسكرية عن السياسة وعودة العسكر إلى الثكنات. ووفقا لهذه الحيثيات فإن الشعب السودانني غير مسؤول عما يصدر من سلطة انقلابية في التقرير بقضايا الوطن المصيرية.
وتابع إن قضية مثل التطبيع تستدعي قرارات صادرة عن سلطة مدنية حقيقية تراقبها سلطة تشريعية حاصلة على تفويض انتخابي في ظل مؤسسات تستجيب للمصالح الحيوية للسودان، وليس في ظل حكم انقلابي أو انتقالي. لذا فإن وعود البرهان للحكومة الإسرائيلية غير ملزمة للشعب السوداني.
وفي ختام البيان أعلنت نقابة الصحفيين السودانيين رفضها التام لعملية التطبيع التي يقودها قادة الانقلاب الآن دون اعتبار للإرادة الشعبية والمؤسسية.
وأكد رئيس حزب الأمة القومي المُكلف فضل الله برمة أنهم لم يلتقوا وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين خلال زيارته للسودان .
ونقلت مصادر صحفية عن برمة قوله إن قرار التطبيع بين السودان وإسرائيل يجب أن يتخذ من داخل البرلمان ولا تقرره الحكومات الانتقالية، ونبه إلى وجود صراع وتكالب دولي على السودان، في وقت قال فيه إنهم مع قيام دولة إسرائيلية وفلسطينية، وأشار إلى أن زيارة كوهين للخرطوم أتت وسط تصعيد إسرائيلي ضد الفلسطيين، وطالب بتهدئة الأجواء ووقف التصعيد.
من جهته، أعلن الحزب الناصري «تيار العدالة الاجتماعية» رفضه للتطبيع ووقوفه ضد المحاولات الإسرائيلية لاستثمار «الورطة التاريخية لنظام البرهان»، وعدّها «مقايضة» مقابل السلامة والمصلحة الشخصية للانقلابيين، ودعا قوى الشعب الوطنية لتكوين جبهة وطنية موحّدة تعبّر عن موقف السودان الرافض لدولة الكيان الصهيوني.
إدريس عبدالله