فلول في القصور .. مجد البندقية .. لإعادة أمجاد الحركة الإسلامية
الزين عثمان – استقصائي
من عاصمته “المؤقتة” يردد قائد الجيش بعد عامين من الحرب وستة أعوام على الثورة: “المجد ليس للساتك، المجد للبندقية”. نسي وقتها الرجل أن نيران اللساتك التي أشعلها ثوار ديسمبر في الشوارع هي التي حيّدت بندقية البشير وصعدت به نحو كرسي السلطة في الخرطوم، بينما تكفلت “البندقية” وحربها بإخراجه من الخرطوم كلها. قائد الجيش العائد من مصر قرر أن يعيد تمزيق الثورة هذه المرة بالكلمات، بعد أن سبق ومزق وثيقتها الدستورية بالتعاون مع من يخوض الحرب ضده الآن. وبمجد البندقية والحرب قرر الرجل إعادة من أخرجتهم الثورة من الباب عبر الشباك.
في خطابه تساءل قائد الجيش: “أين هم كيزان بورتسودان الذين يُملون علينا أوامر الحرب؟”، وسؤال غياب “الكيزان” سرعان ما تجيب عليه قرارات البرهان نفسه بتعيينه لهم في مناصب الدولة. فبحسب ما أوردت وكالة الأنباء السودانية “سونا”، فقد أصدر الفريق عبد الفتاح البرهان قراراً بتكليف السفير دفع الله الحاج وزيراً لمجلس شؤون الوزراء ومكلفاً بالقيام بأعباء رئيس مجلس الوزراء. وبالتزامن مع خطوة تسمية دفع الله رئيساً مكلفاً للوزراء، فقد أعلن البرهان عن تكليف السفير عمر عيسى وزيراً للخارجية.
منذ الانقلاب على حكومة الثورة ووثيقتها الدستورية في العام 2021، عجزت السلطات السودانية عن تشكيل حكومة وتسمية رئيس للوزراء بديلاً لحمدوك، وهو الأمر الذي استمر حتى اشتعلت حرب المكونات العسكرية في أبريل 2023، قبل أن يصدر البرهان قراره بتسمية دفع الله الحاج لشغل المنصب. دفع الله العائد من الرياض، حيث كان يشغل منصب سفير السودان بالمملكة العربية السعودية، والتي وصل إليها قادماً من منصب المبعوث الشخصي للفريق البرهان. لكن، وبالنسبة للكثيرين، فإن الحاج يرتبط وبشكل كبير ببنية النظام الذي أسقطته الثورة الشعبية، ويمثل صعوده للمناصب ردة على الثورة، و التي دُشّنت بانقلاب “البرهان – حميدتي”، وهي الفترة التي تم فيها تعيين الحاج وكيلاً لوزارة الخارجية.
بالنسبة لمراقبين، فإن تعيين دفع الله رئيساً للوزراء في الوقت الحالي يُعد استمراراً لاستعادة مشروع الدولة من قبل الحزب المخلوع، وهو تطور طبيعي في ظل الحرب الدائرة الآن، بل يعطي الإجابة على سؤال: “حرب من؟”. حين تتفحص السيرة الذاتية للرجل المعيّن للمنصب، فإنك ستجد نفسك في مواجهة أحد كوادر الحركة الإسلامية الملتزمين أيديولوجياً بخطوط الحركة وحزب المؤتمر الوطني. كما أن الحاج مثل طوال فترة حكم عمر البشير الوجه الدبلوماسي للسلطة في مواجهة المجتمع الدولي، والمفارقة وحدها هي ما جعلته المدافع الأبرز عن سلوكيات الدعم السريع في حقبة حكم البشير، وأكثر الرافضين لتصنيفها ميليشيا عسكرية، وهو يعود الآن ليرأس حكومة تحارب ميليشيا الدعم السريع وفقاً للخطاب الرسمي.
بالنسبة لعضو لجنة تفكيك النظام السابق، القيادي في حزب البعث العربي وجدي صالح، فإن تعيين البرهان لدفع الله الحاج يؤكد على استمراره في محاربة ثورة ديسمبر، وتأكيد لتحالفه مع فلول النظام البائد الذي ظهر بعد انقلاب 25 أكتوبر، كما أنه يمثل موالاة لمعسكر النظام البائد وعودة لقيادات حزب المؤتمر الوطني. وليس أدل على ذلك من تعيينه السفير عمر عيسى وزيراً مكلفاً للخارجية، وهو الذي سبق أن أنهت لجنة تفكيك التمكين عمله بالوزارة، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على النائب العام محمد الفاتح طيفور.
بمجد بندقية الحرب، يحاول قائد الجيش إعادة أمجاد المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية في السلطة، وذلك من خلال استغلال الأوضاع بغية إعادة تموضع منسوبيها في مركز القرار والتأثير، وهي خطوة تنطوي على قدر كبير من المخاطر على المستويين المحلي والإقليمي، وتجد رفضاً منقطع النظير من صانعي مجد الرجل عبر “اللساتك” من شباب ثورة ديسمبر، الذين أعلنوا رفضهم لخطاب قائد الجيش المقلل من الثورة، وهو الرفض الذي يستبطن في داخله رفضهم عودة النظام السابق وواجهاته، وبالطبع سلوكياته القمعية الظاهرة في محاولة توظيف الأجهزة العدلية لخدمة مواقف سياسية بعينها، ولمواجهة المعارضين، أسوة بما حدث في عطبرة، حيث هاجمت السلطات الأمنية ندوة للحزب الشيوعي وقامت بإلغائها، في استعادة لسلوكيات ما قبل الثورة، وبالطبع تدشين مرحلة الردة على الثورة وقيمها.
تعيين الرجل، الذي تظهره الصورة وهو يحمل الحقيبة خلف “حميدتي” المتمرد على الدولة وفقاً لتعريف سلطة بورتسودان، في المنصب التنفيذي الأول، يؤكد على فرضية أن مجد البندقية سيحقق أمجاد الجماعة، وأن حرب “الكرامة” لم تكن بأي حال من الأحوال كرامة مجموع السودانيين، الذين افتقدوا مجد البندقية حين احتاجوها لتحميهم في دارفور، وفي الجزيرة، وفي شرق النيل، واحتاجوها في “الصالحة”، فلم يجدوا سوى بندقية تصفيهم، ويقتلهم من يحملونها بدم بارد. مجد البندقية سينتهي مثل أي مجد زائف، كذلك الذي تحاول الحركة الإسلامية استعادته عبر قوة دفع البرهان، نتيجته إلى زوال، “ويَبقَ المجد للساتك “: يقول ديسمبري.