وأنت في الضفة الأخرى تعانق الثريا كلماتك يا سيدنا الجميل

وأنت في الضفة الأخرى تعانق الثريا كلماتك يا سيدنا الجميل
إيمان فضل السيد

محمد المكي إبراهيم “النجم الساطع” في سماء الشعر. هذا التعبير ليس مجرد افتتاحية عابرة، بل هو انعكاس حقيقي لقيمة ومكانة الأستاذ الأديب والدبلوماسي محمد المكي إبراهيم في المشهد الأدبي والثقافي. أننا نصف هنا حقيقة راسخة يشهد عليها تاريخ الأدب ومحبة الناس لشعره.
نحن نتحدث هنا عن قامة أدبية سودانية وعربية راسخة وبارزة بإسهاماتها الجليلة في المجالات الأدبية والثقافية والشعر وبصمته التي تلمع نوراً يشع على الأجيال القادمة.
عندما نقول “نجم ساطع”، فإننا نشير إلى شخصية تتمتع بحضور قوي وتأثير عميق. ومحمد المكي إبراهيم كان كذلك بالفعل. لقد أضاء سماء الشعر السوداني بكلماته العذبة وأفكاره الثاقبة، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا لا يزال يشع بريقه حتى اليوم.
كان ود المكي جسرًا يربط بين أصالة الشعر العربي وعراقة التراث السوداني وبين تيارات الحداثة الشعرية. لقد استطاع أن يمزج بينهما ببراعة، ليقدم لنا شعرًا يحمل روح الماضي ويتطلع إلى المستقبل.
وكانت قصيدته جيلي أنا الأكثر تعبيرا عن هذه النقطة تحديدا إذ ظلت ترددها الأجيال جيلا بعد جيل والكل يرى فيها نفسه وأبناء جيله.
من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر
من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير
كلماته تنبع من قلب صادق وإحساس عميق بالقضايا التي تناولها. سواء كانت قضايا وطنية، أو إنسانية، أو شخصية، وشعره يلامس الوجدان ويترك أثرًا لا يُنسى. لا زلت اذكر عندما كنت يافعة وكانت دواوين ود المكي تزين مكتبة بيتنا مع مجموعات كثيرة من الكتب والروايات. جذبتني دواوينه بقوة فصرت أقراها وأرددها وحفظت عن ظهر قلب الكثير منها فتعلمت الإلقاء الشعري من ديوان أمتي وسناريات صديقه الشاعر محمد عبد الحي وعلمت فيما بعد إن كلاهما كانا من كهنة مدرسة الغابة والصحراء، تلك المدرسة الفكرية ذات العبقرية والنضوج بالنسبة لشباب يافع في العقد الثاني من العمر.
تميز شعره بالفصاحة والأناقة، وبقدرة فائقة على رسم الصور الشعرية الحية التي تنقل المعنى والإحساس بجمالية آسرة فألهمت تجربته الشعرية أجيالًا من الشعراء والأدباء في السودان والعالم العربي. إذ كان نموذجًا للشعر الملتزم بقضايا مجتمعه وأمته، وفي الوقت نفسه المنفتح على التجارب الإنسانية الأوسع.
حتى في بواكير تجربته الشعرية كانت هناك ومضات عبقرية تشير إلى موهبة فذة. ديوانه الأول “همسات حائرة” يحمل في طياته بذور الشاعر الكبير الذي سيصبح عليه.
وفي قصائده الوطنية والقومية العجب العجاب. عندما كان يتغنى بالوطن وأمجاده، أو يعبر عن آلام الأمة وتطلعاتها، كان نجمه يزداد سطوعًا. قصائده في هذا المجال بمثابة أناشيد ترددها القلوب قبل الحناجر وتتقمصها الأجيال في تطلعاتها وآمالها الإنسانية والثورية.
وفي لحظات التأمل العميق في الوجود، كانت تأملاته الفلسفية تبرز في شعره الذي يحمل بريق الحكمة والرؤية الثاقبة. حتى على مستوى اللغة والصياغة، كان هناك ذاك اللمعان الخاص الذي يميز كلماته ويجعلها عالقة في الذاكرة كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
يتجلى في شعره حب الوطن والانتماء إليه، والتعبير عن آمال وتطلعات الشعب السوداني، ولا يخلو أيضاً من الاهتمام بالقضايا العربية والأفريقية كما يتضمن شعره تأملات عميقة في الوجود والحياة والمصير الإنساني.
يُعد محمد المكي إبراهيم من أبرز الشخصيات السودانية المعاصرة، بوصفه أديب وشاعر ومفكر ودبلوماسي وكاتب في مختلف المجالات السياسي منها والأدبي وكونه إنسان قبل كل شيء ترك بصمة واضحة في حياتنا كسودانيين تعلقوا بكلماته الشعرية ورددوها غناء ونداء في مختلف المحافل لا لشيء سوى لأنها المعبر عن قضاياهم، فكانت بصمته في الحركة الشعرية السودانية والعربية هي الأكثر وضوحا ونضوجاً ولمعاناً، وتأخذ سيرته من هذا البريق الذي أضاء مسيرته، وميضاً يتلألأ أمام أعيننا فيكسوها انبهاراً.
شكرا محمد المكي إبراهيم على كل هذا الجمال الذي غذيت به عقولنا فكان دافعا حقيقيا للاحتفاء بك. وأنت في الضفة الأخرى، تعانق الثريا كلماتك وأشعارك يا سيدنا الجميل.