في يومها العالمي.. الصحافة السودانية تعيش أسوأ أيامها
تقرير – استقصائي
من يرى واقع الصحفيين السودانيين في اليوم العالمي للصحافة، يهون عليه حال العمال السودانيين في عيدهم. بين الأول من مايو والثالث من ذات الشهر، عامان من الحرب تحولت إلى عامين من كل سوء. واقع الصحفيين في السودان لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن واقع شعب يدفع ثمن صراع الجنرالات، الذي تحول إلى حرب لا تبقي ولا تذر.
للعام الثالث على التوالي، لن يحتفي الصحفيون السودانيون باليوم العالمي للصحافة. ولا يعود الأمر فقط إلى غياب الظروف الطبيعية للاحتفال، بل لأن كثيرين منهم حزموا حقائب الرحيل هربًا من دوي المدافع والموت، وابتعدوا عن الاتهامات التي يوجهها إليهم كل طرف بموالاة الطرف الآخر. تقطعت بهم السبل بين المنافي ومعسكرات اللجوء في دول الجوار بكل الاتجاهات. لا احتفال اليوم، لأنه لا أحد قادر على ترديد هتاف “صحافة حرة أو لا صحافة”. لا أقلام ولا كاميرات يمكنها العمل في ظل هذا الواقع، بل إنهم يرددون: لا صحافة حين لا وطن، وما أسوأ هذا التوصيف.
“لا صحافة” هو التعبير الأبلغ عن حال السودان بعد عامين من الحرب. لم يتوقف الأمر عند تدمير معظم المؤسسات الصحفية في الخرطوم، بل أصبح من المعتاد أن ينشر صحفيون صورًا لمقار مؤسساتهم بعد أن نال منها الدمار الكامل والنهب المنهجي. أُتلفت الأدوات والممتلكات، وانتهى الأمر بعبارة متكررة: “للأسف، لم يتبقَّ شيء”.
عامان من دون طباعة صحيفة ورقية واحدة، في بلد كانت تُطبع فيه أكثر من ثلاثين صحيفة يوميًا. والمفارقة أن الصحيفة التي اختارت أن تصف الحرب بـ”حرب الكرامة” تصدر من مصر. ولتأكيد غياب الصحافة، أعلنت نقابة الصحفيين السودانيين أن نحو 90% من الصحفيين فقدوا وظائفهم، وأُجبر معظمهم على التوقف عن العمل بسبب ظروف الحرب الأمنية والسياسية. وقد دُمّرت البنية التحتية للمؤسسات، وخسرت ما لا يُقدر بثمن من أرشيفها المهني.
في هذا اليوم، يردد الصحفيون السودانيون ذات العبارة: “لا صحافة”. فطريق المهنة مرصوف بالموت والاعتقال. يشير تقرير النقابة إلى مقتل أكثر من ثلاثين صحفيًا وصحفية وعاملين في الإعلام، كان آخرهم الإذاعي حسن فضل المولى، مراسل إذاعة السودان وإذاعة بلادي، الذي اغتيل على يد قوات الدعم السريع بعد اقتحام مدينة النهود. أما البقية، فتعرضوا للاعتقال والمنع من السفر، وسط اتهامات مستمرة بموالاة أحد أطراف النزاع، بينما يسود قانون الحرب فوق كل قانون.
في العام الثاني لغياب عميد الصحافة السودانية، محجوب محمد صالح، تحضر مقولته الأشهر: “الصحافة السودانية تعيش أسوأ أيامها”. لكن سوء الماضي لا يُقارن بما نعيشه اليوم. في ظل حالة السيولة والفوضى، يمكن لأي شخص الادعاء بأنه صحفي. كما فتحت ظروف ما بعد الانقلاب والحرب الباب واسعًا أمام عودة صحفيي الحقبة البائدة، محاولين استغلال الواقع وتقديم خدماتهم في تحويل الصحافة من مهنة لكشف الحقيقة إلى أداة لتحشيد الحرب.
والنتيجة؟ تفشي خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، منذ أن وُجهت أول رصاصة في هذه الحرب نحو الحقيقة.
اليوم، يواجه الصحفيون السودانيون اتهامات من الجمهور بالتقاعس وتراجع الدور، وسط مشهد إعلامي يغلب عليه التلميع لواقع بائس، وشخصيات “السوء يمشي على قدمين”. فغياب الصحافة المهنية المسؤولة ساهم في انتشار الجهوية والقبلية، وهدد ما تبقى من نسيج المجتمع.
في هذا اليوم، لا يستطيع العاملون في التلفزيون القومي تقديم الخدمة من مقرهم بأم درمان، وهو ذات الحال بالنسبة للإذاعة. بل إن كثيرين منهم لم يعودوا يذكرون أن الثالث من مايو هو اليوم العالمي للصحافة، بعدما توقفوا عن عدّ الأيام التي لا تبدأ برواتب باتت غائبة، أو بإجازات غير مدفوعة أجبروا عليها.
يقول صحفي سوداني ما زال يصارع من أجل الاستمرار: “أكثر مشهد يمكن أن يمثل اليوم العالمي للصحافة، هو مشهد وزير الإعلام خالد الأعيسر، وهو يشارك في رجم تمثال لقائد الدعم السريع حميدتي. ليت التمثال كان للصحافة نفسها، فقد رجمتنا الحرب ومن تولوا أمرها من المسؤولين، ولم يتركوا لنا حتى مساحة للتذكر، ناهيك عن الاحتفال”.
كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان إليكم…
الحزب الشيوعي : لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية.. ونرفض استغلال مزاعم "الأسلحة الكيميائية" للتدخل…
رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان تقرير - رحاب مبارك سيد أحمد | 11 يونيو…
وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء استقصائي - مصعب محمد علي…
رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان استقصائي – تقارير تواصل…
مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين خاص - استقصائي اتهم مسؤولون ليبيون، يوم…