بورتسودان تحت النار: هل ينكسر خط الدفاع الأخير في شرق السودان؟

بورتسودان تحت النار: هل ينكسر خط الدفاع الأخير في شرق السودان؟

مواهب عبد اللطيف 

بعد عامٍ من الحرب التي التهمت أطراف السودان ومدنه الكبرى، ظلت بورتسودان حاضنةً لسلطة مركزية بديلة ومقرًا للحكومة المؤقتة، تنأى بنفسها عن نيران المعارك. لكن الهجوم الأخير بطائرات مسيّرة على قاعدة عثمان دقنة الجوية، وتفجّر مستودعات الوقود، ليس مجرد تصعيد عسكري، بل لحظة كاشفة: فقد وصلت الحرب إلى “المنطقة الآمنة”، وضُرب آخر خط دفاع عن بقايا الدولة.

هذه الضربة تُفقد بورتسودان امتيازها كمكانٍ محصّن، وتكشف أن اليد التي ترفض السلام لا تملك دائمًا القوة لصدّ الحرب. إذ لم تكن هذه الحكومة، التي اتخذت من بورتسودان مقرًا لها، حريصةً على وقف القتال. بل، على العكس، أغلقت أبوابها أمام دعواتٍ متكررة من قوى مدنية ومجتمعية طالبت بحوارٍ سياسي يضع حدًا لنزيف البلاد. ظلت ترفض أي حلٍّ تفاوضي، وتتمسك بخياراتٍ أمنية وعسكرية أثبتت التجربة أنها لا تقود سوى إلى مزيدٍ من الدمار والانهيار.

وها هي تدفع اليوم ثمن هذا الإصرار، ليس فقط بخسارةٍ مادية فادحة جراء القصف، بل بخسارةٍ سياسية وأخلاقية. فأن تُستهدف العاصمة المؤقتة للدولة وتُشل مطاراتها ومرافقها الحيوية، بينما يفرّ المواطنون من ألسنة اللهب، فذلك يعني أن الدولة نفسها باتت مهددة بالتبخر، لا بالسقوط فقط.

إن انتقال الحرب إلى بورتسودان لا يعني مجرد توسعٍ جغرافي للصراع، بل انهيارًا للرهانات على أن القوة وحدها كافية لحماية النظام أو الحفاظ على وحدة البلاد. كما أنه يضع مستقبل شرق السودان – بما يحمله من توازناتٍ هشة وامتداداتٍ إقليمية – على حافة الانفجار، في ظلّ مخاوف من تكرار نماذج الانهيار التي أصابت مدنًا أخرى.

إن اللحظة تستدعي وقفةً صريحة: لا سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بمشروعٍ سياسي شامل، تشارك فيه كل القوى الوطنية دون إقصاء، ويوقف انزلاق السودان نحو التفكك الكامل. فإما أن تكون بورتسودان بدايةً لوعيٍ جديد بضرورة إنهاء الحرب، أو بدايةً لسقوط آخر حصنٍ تبقى من مؤسسات الدولة السودانية.