رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان
استقصائي – تقارير
تواصل وكالة الأنباء السودانية “سونا” نشر متابعاتها لأنشطة رئيس الوزراء كامل إدريس في مدينة بورتسودان. ووفقًا للخبر المنشور مرفقًا بعدد من الصور، فقد “تلمّس” رئيس الوزراء المعيّن من قبل البرهان، قضايا وهموم المواطنين، متنقّلًا في عدد من الطرقات وأماكن التجمعات العامة في مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة في سودان الحرب.
وتعهّد كامل، الذي لم يشكّل حكومته بعد في انتظار مزيد من المشاورات، بتحقيق تطلعات المواطنين، مؤكدًا أنها ضمن أولويات حكومته القصوى، والتي ستركز جهودها على مجالات التعليم والصحة والأمن.
إلا أن “سونا” لم تكشف عن مطالب الشارع الموجهة لرئيس الوزراء، واكتفت بنقل صوره وهو يتناول القهوة ويجلس بين الناس، في مشاهد بدت وكأنها امتداد لجلسة التصوير التي بدأها أثناء زيارته لنازحي العاصمة القديمة في مراكز الإيواء بالعاصمة الجديدة.
في هذا التقرير، ننقل قصص الناس التي لم يسمعها رئيس الوزراء في بورتسودان. فالمسؤولون السودانيون، في الظروف العادية، يتعاملون مع المواطنين وفقًا لنظرية “البعيد عن العين، بعيد عن الخدمات”؛ فكيف إذا كانت الحال في ظل ظروف كامل إدريس وتعيينه؟
القصة الأولى
يسردها لك مواطنو ولاية كسلا المجاورة للبحر الأحمر، حيث “كامل بنوم والطيارة بتقوم”.
في منطقة خشم القربة، أطلق نظاميٌّ النار على ركاب حافلة تعمل على خط كسلا–القضارف في الطريق القومي، بدأ بإطلاق النار على السائق، ثم تابع إطلاقه العشوائي على الركاب، مما أسفر عن مقتل ثمانية سودانيين.
هرب الجاني مستقلًا دراجة بخارية، قبل أن يتبادل إطلاق النار مع نظاميين، دون أن يُكشف عن مصيره أو مصير من واجهوه.
وأظنك تدرك أن من أولوياتك في “تحقيق الأمن” هو ببساطة حماية أرواح المواطنين من الموت المجاني.
القصة الثانية
فلنتجه نحو الخرطوم، حيث حكايات الناس لا تختلف كثيرًا عن حكاية بلد غارق في الموت، والأمراض، والأوبئة، في ظل غياب خدمات المياه والصحة.
وبما أن المدينة لا تزال ترزح تحت وطأة الحرب، فإن حالات التفلت الأمني والقتل خارج القانون لا تزال ثابتة لا تتغير.
من بين القصص، حكاية مواطن قُتل تحت التعذيب، وقصة الضابط المتقاعد عميد خالد مبارك، الذي لقي حتفه في ظروف غامضة، ما تزال تثير الأسئلة.
قصص لا نريد أن نشغلك بها، وأنت تستعد للجلوس على كرسي الوزارة.
وبالمناسبة، لعلك شاهدت “تريند” هيئة الحج والعمرة، التي اتُّهمت بأكل أموال الحجاج بالباطل. ومن ثم أُعلنت لجنة تحقيق في الهيئة برئاستك.
المفارقة أن طريق المشاعر المقدسة يمر عبر مدينة جدة، المدينة ذاتها التي استضافت جولات التفاوض لتحقيق السلام.
وببساطة، لا يمكنك أن تحرز تقدمًا في محاربة الفساد، في بلد لا تزال نيران الحرب مشتعلة فيه.
نحو الغرب…
في الأبيض، الواقعة ضمن سلطات حكومة رئيس الوزراء، يمارس “النظاميون” التفلت، وتحدث عمليات سلب ونهب، بينما يشكو المواطنون من كل شيء: انقطاع الكهرباء، وشح المياه، وضعف الرعاية الصحية.
أما على سيرة الصحة، فالكوليرا لا تزال تحصد أرواح السودانيين.
وفي مدني، تعرض الأطباء للضرب داخل المستشفى.
وفي عطبرة، لا جديد سوى تمدد ظاهرة “التسعة الطويلة”.
ويقال إن قوة من الشرطة وصلت إلى حلفا، حيث يحتج المواطنون مطالبين بحقهم في الكهرباء، التي أصبحت مسألة عامة منقطعة.
ومن النهود…
أراد مواطن أن يروي حكايات الوجع في مدينته، حيث الأزمات تولد الأزمات، والموت يحوم فوق الرؤوس، والندرة تضرب كل السلع والخدمات.
لكنه قرر ألا يتكلم، لأنه يرى أن مدينته تقع ضمن اختصاص المكوّن العسكري، وأن رئيس الوزراء لا يملك شيئًا ليقدمه لهم.
لكنه انتهز الفرصة ليسأل “كامل”: ما حدود سلطات رئيس الوزراء، جغرافيًا وسياديًا؟
في الخوي…
محاولة الحصول على مياه الحياة قد تودي بك قتيلًا.
وفي الفاشر، لا يزال الحزن يتمدد في انتظار الخلاص، وتتمدّد معه شكاوى من تجاوزات “القوات المشتركة” التي حصلت على مقاعدها في الحكومة المنتظرة.
وفي مشهد بالغ الدلالة، وضع سوداني رسالته في “صندوق رئيس الوزراء”، قائلًا:
“الإفراط في الجلوس مع المواطنين قد يفاقم المشكلات بدلًا من أن يحلّها. الحل أن نعمل. والسؤال: كيف نعمل والإجازة تستمر أسبوعًا؟ ومن يجلسون في مكاتبهم لا يؤدّون واجبهم؟ ومن يؤدون واجبهم لا ينالون مرتباتهم في وقتها؟”
وختم رسالته: “لن يستقيم الظل والعود أعوج بالحرب. لا يمكنك تحقيق تطلعات الناس وأنت في أقصى نقطة على الحدود… السودان ليس بورتسودان وجلسات التصوير.