من يحمي البرهان؟
خطوات إلى الأمام.. وخطوة إلى الخلف
تقرير – شوقي عبدالعظيم
في المقال المنشور باسمه في صحيفة “وول ستريت جورنال” قدم فيه نفسه على أنه أصلح من يلعب دور الوكيل أو العامل لرعاية المصالح (الأمريكية – الإسرائيلية) في السودان والمنطقة، مقابل استمراره جالساً في السلطة
البرهان والحركة الإسلامية يصعب عليهما الذهاب إلى خيار التفاوض دفعة واحدة، خوفاً على انفضاض التأييد الجماهيري الذي حصلوا عليه من شنهم الحرب، والاستمرار فيها، وما أنفقوه من دعاية في تجريم الثورة وقادتها ومؤيديها، إلى جانب مواجهة الأسئلة الصعبة من شاكلة: لماذا أشعلتم الحرب؟
السؤال الذي يتردد في أروقة الفاعلين الدوليين، وطُرحوه على كل من تحدثوا إليهم تقريباً من السياسيين والمدنيين السودانيين: “بمن يمكن أن يحتمي البرهان في بورتسودان؟”. وفي الشرح حال استفسرت لماذا هو في حاجة إلى حماية ومتى يحتاجها، ستجد أن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان تعمد أكثر من مرة أن يلمح للمبعوثين الدوليين بأنه مع وقف الحرب وإنهائها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما أنه قبل بخارطة الرباعية والهدنة المنصوصة في مقدمة نصوصها، ولكن لا يقوى على تنفيذ ذلك خوفاً على سلامته الشخصية، وسلامة القوات المسلحة.
وخوف البرهان والمخاطر التي تكتنف مصيره حال تتبع قناعته، مصدرها الإسلاميون الذين يطوقونه، ويجلسون في مكتبه على حد قول الإسلامي الذي يعيش في تركيا عبد الحي يوسف. على الأقل هذا ما يتحجج به البرهان كلما التقى أحد المبعوثين الدوليين، لذلك هم يطرحون السؤال: “بمن يمكن أن يحتمي البرهان؟” في محاولة لمساعدته ومساعدة السودانيين العالقين مع القائد في مأزقه الأخير.
السؤال والإجابة
بات في حكم المؤكد لدى كثير من المحللين السياسيين، تشبث البرهان بكرسي السلطة، وأنه ينظر إلى إنهاء الحرب من منظار مستقبله الشخصي، وتعضد رأي المحللين شواهد من أفعال وأقوال الرجل. من بين هذه الشواهد خطابه الأخير أمام ضباط الجيش، رتبة لواء وما فوق، الذي أكثر فيه من الحديث عن مستقبل السودان، وأن دكتور عبد الله حمدوك لن يحكم، وهؤلاء لن يعتمدوا في مستقبل البلاد، وهذا يشير إلى أنه باقٍ ومتحكم.
من الشواهد كذلك ما أفادت به المصادر من لقاء جمع مستشار ترمب مسعد بولس والبرهان في سويسرا، بأن الأخير تحدث صراحة عن مستقبل بقائه في السلطة، راهناً ذلك بمستقبل القوات المسلحة وضرورة وجودهما معاً – الجيش وهو- في توليفة الحل.
والشاهد الأبرز ما جاء في المقال المنشور باسمه في صحيفة “وول ستريت جورنال”، والذي قدم فيه نفسه على أنه أصلح من يلعب دور الوكيل أو العامل لرعاية المصالح (الأمريكية – الإسرائيلية) في السودان والمنطقة، مقابل استمراره جالساً في السلطة. والفقرة الأكثر تعبيراً عن ذلك في المقال التي حاول فيها البرهان تذكير أمريكا وإسرائيل على حد سواء بأنه من صافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنه من قاد السودان إلى اتفاقات الحلف الإبراهيمي وقال: “اتخذ السودان تحت قيادتي خطوة تاريخية في 2021، وهي الانضمام إلى اتفاقات إبراهام”.
وبالعودة للسؤال الذي حظي بنقاش مستفيض: ممن يطلب البرهان الحماية؟، أو: من يشكل خطراً على البرهان؟ الإجابة قطعاً معلومة للجميع: يخشى البرهان كوادر النظام البائد وجماعة الحركة الإسلامية وعناصرهم في الجيش، والذين لن يقبلوا بنهايات وتسويات للحرب قبل أن يتحقق مشروعهم السياسي المتمثل في استعادة سيطرتهم على الدولة السودانية. والإجابة على الرغم من بديهيتها إلا أن إسئلة كثيرة ستتناسل عنها، مع شكوك حول صحة رواية البرهان في حد ذاتها.
“جنرال مدرب على المراوغة”
بعض من طرحنا عليهم السؤال الأساسي، تشككوا في خوف البرهان من الإسلاميين، خاصة بعد أن توفرت شروحه بصيغة: “من يحمي البرهان من الإسلاميين حال خطا خطوة نحو إيقاف الحرب؟”، وكان رأيهم أن مخاوف البرهان غير حقيقية، لجهة أنه شخصياً جزء من منظومة الإسلاميين وليس مناطحاً لها، ويعمل جنباً إلى جنب مع قادتها للحفاظ على الحركة الإسلامية ومشروعها، ولهم على ذلك شواهد عديدة، في مقدمتها تمتع علي كرتي وأسامة عبد الله بالحرية طوال الفترة الانتقالية وإلى اليوم.
ثاني الأدلة الملاججة التي دخل فيها المجلس العسكري بعد سقوط النظام بغرض المساواة بين الجميع من أسقطهم الشعب ومن كانوا في صفوف الثورة. يضاف إلى الأدلة قتل الثوار أمام القيادة العامة في ساحة الاعتصام باعتباره أحد الشواهد المهمة والذي تؤكد مصادر متطابقة مشاركة الإسلاميين فيه. ومؤخراً لم يعد البرهان يخفي عداءه مع خصوم الإسلاميين السياسيين من القوى السياسية والمدنية، ولا يفوِّت سانحة لشتمهم ووصفهم بالعمالة والارتزاق، مقابل جهد مقدر في إبعاد تهمة الحرب والسيطرة على قرار القوات المسلحة من قبل الإسلاميين، وما فتيء يسأل: “الإسلاميين وين؟.. وين الإسلاميين؟”.
وقال أستاذ في العلوم السياسية، طلب حجب اسمه “من الصعب جداً الثقة في ما يقوله البرهان، وكذلك لا يمكن مطابقة أقواله مع أفعاله ومواقفه”. ومضى قائلاً “المجتمع الدولي مؤخراً أدرك طريقة البرهان”. وفي حديثي مع دبلوماسي غربي عن البرهان قال لي نصاً: “البرهان جنرال مدرَّب على المراوغة”.
التسلل إلى مخدع الرئيس
من ينظرون إلى البرهان على أنه جنرال أتت به الظروف وقدمته نظرية الفراغ، وخاصة بعد أن قدم الفريق أول عوض ابن عوف استقالته وبات المنصب شاغراً، فهؤلاء كان لهم رأي واضح مفاده أن البرهان في مأزق، وهذا المأزق من صنع يده بإدراك وبغيره، لأنه ظل مرتبطاً بولاء للذين قدموه لملء الفراغ الذي نجم عن استقالة ابن عوف – ونظرية الفراغ مختصرها بأن هناك أشخاصاً لا يطابق تأهيلهم موقعاً ما ولكن منعاً للفراغ لا مناص من ملء الفراغ بهم- ويظن أن الإسلاميين وبالذات من لهم صلة بالجيش هم أحرص على مصالحه من الآخرين، فتنازل عن القرار لهم ووثق فيهم ثقة عمياء، واشترك معهم في ضعضعة الثورة وعرقلة الحكومة الانتقالية، إلى أن تسللوا إلى مكتبه ومخادعه، وأبعدوا الجميع من جواره، حتى شركاء السلطة من الحركات المسلحة والكتلة الديمقراطية، وانفردوا بوجه البرهان وأمنه وسلامته، يمنونه البقاء في السلطة.
(10) خطوات إلى الأمام.. خطوة إلى الخلف
آخرون كان رأيهم أن واقع الحرب وطول أمدها وعودة سيناريو انسحاب الجيش من المدن وسيطرة الدعم السريع عليها، والخراب الذي تسببت فيه ولا تزال تفعل، لا يترك للبرهان مناصاً سوى أن يكون خيار إنهاء الحرب عبر التفاوض هو خياره الوحيد، وقد يصبح خيار الحركة الإسلامية نفسها، ولكن كلاهما؛ البرهان والحركة الإسلامية، يصعب عليهما الذهاب إلى خيار التفاوض دفعة واحدة، خوفاً من انفضاض التأييد الجماهيري الذي حصلوا عليه من شنهم الحرب، والاستمرار فيها، وما أنفقوه من دعاية في تجريم الثورة وقادتها ومؤيديها، إلى جانب مواجهة الأسئلة الصعبة من شاكلة: لماذا أشعلتم الحرب؟ أو على الأقل: لماذا تمسكتم بالاستمرار فيها؟ وقتها تصبح صورة البرهان والجيش والحركة الإسلامية في غاية الاهتزاز، ويكتبون عند الشعب كذابين، خاصة بعد أن وعدوه بالقضاء على المليشيا على حد قولهم.
لذا يتبع البرهان بحسب مراقبين سياسة التقدم (10) خطوات نحو طاولة المفاوضات؛ يلتقي مبعوث ترمب مسعد بولس، ويعد الرباعية بدارسة مقترح الهدنة، ويحدث المبعوثين الدوليين والدبلوماسيين على أنه مع السلام وإنهاء الحرب، ويرسل وفود التفاوض إلى واشنطن، ثم يعلن في مناسبة عزاء أو مخاطبة أمام الجنود والضباط أنه لن يفاوض ولن تتوقف الحرب إلا بالقضاء على المليشيا، أو استسلامهم بالتجمع في معسكرات وتسليم سلاحهم وينتظرون الجيش ليقرر في مصيرهم. عندها يرتفع التكبير والتهليل، ويعود البرهان ويتقدم (10) خطوات جديدة بعد أن تراجع خطوة، إلى أن يجد داعمو الحرب من (البلابسة) البرهان ووفده في قاعة المفاوضات، ووقتها سوف يرددون جميعاً: “مافي عاقل مع الحرب.. كلنا مع السلام”.
من يحمي البرهان؟ “الرأي العام داخل الجيش”
كل ما تقدم يؤكد أن البرهان بلا حماية، وأنه صيد الإسلاميين السهل، على الأقل المتطرفين منهم، ممن لا يتوانون في مخالفة رأي قيادة التنظيم. لذلك لا ملاذ للبرهان إلا مهنيو الجيش، ممن يقدمون الجيش على التنظيم، أن يستمع لهم ويترك لهم مساحة للتحرك، أن يستمع لرأيهم بطريقة جديدة، لا طريقة تنويرهم مقسمين حسب الرتب والألوية والكتائب، يترك لهم المساحة أن يقولوا رأيهم المهني والفني في استمرار الحرب، وأضرارها على المؤسسة العسكرية والشعب والبلد، على حد سواء، ويوليهم مهمة مواجهة المتطرفين داخل الحركة الإسلاميين عسكريين ومدنيين، بعد أن يملكوا رأيهم للشعب المتضرر من الحرب ودافع فاتورتها أرواحاً وتشريداً ودماراً.. فالرأي العام داخل الجيش هو الحرز الأوحد المتبقي لحماية البرهان، والرأي العام داخل الجيش حال لم يسمعه البرهان، سوف يُسمع البرهان صوته، ووقتها ستكون الأمور قد خرجت عن السيطرة، والحلول ستكون بيد (عمرو) لا بيد البرهان والحركة الإسلامية.
نقلا عن صحيفة ديسمبر
