معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

هبة . . . مشوار سيدة المساء يصل لمحطة زيرو سرطان

تقارير – استقصائي

“بحبكم”… بهذه الكلمات البسيطة، المحمّلة بالصدق والدفء، أغلقت هبة المهندس بثها المباشر، كأنها تنثر نورًا في عتمة أيام السودانيين المليئة بالمرارة: “أنا الآن زيرو سرطان”.
هبة المهندس، بنت الخرطوم وبنغازي والكويت، بنت التجارب التي صقلها التعب والصبر والاجتهاد، المذيعة والمعدة، الأم المناضلة، الطفلة التي تعلمت أن تصنع الضوء حتى في عتمة انقطاع الكهرباء، استطاعت أن تهزم السرطان، وتمنح شعبها فرحة تشبه شعاع الشمس في نهاية نفق مظلم.
كانت سيدة “مشوار المساء” في ليالي الخرطوم الكالحة في تسعينيات القرن الماضي، تخوض صراعًا صامتًا مع مرض يصفه السودانيون بلغة بسيطة وصادقة: المرض الكعب. اكتشفت إصابتها بالسرطان صدفةً في الإمارات، أثناء زيارة روتينية للمستشفى برفقة شقيقتها مي، لمتابعة حالة تعبها المتكرر. هبة قالت: “شعرت بالقلق في البداية، خاصة وقع الخبر على أهلي، لكن كان لدي يقين مطلق برعاية الله، وبأن دعوات قلوب صادقة لن تخذلني”.
ولدت هبة جادالله علي عمر، أو كما يعرفها الناس: هبة المهندس، في 29 أغسطس 1971، في مستشفى الراهبات بحي الخرطوم غرب، في بيت كان أمامه دار الكشافة، وخلفه تمامًا كانت سينما الوطنية، التي صارت اليوم مجرد ذاكرة لمدينة تغيرت ملامحها بفعل الحروب.
تروي هبة: “انقلبت حياتي فجأة، كنت على أعتاب السفر من الكويت إلى روسيا لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، حلم رسمته بعناية، لكن غزو العراق للكويت عام 1990 أوقف كل شيء. ثلاثة أشهر محاصرين خلف الأبواب المغلقة، ثم رحلة شاقة بالسيارات إلى الأردن، عبر الرويشد وطريبيل. كان الطريق كتيه في القلب، لكنه أعادنا في النهاية إلى حضن الخرطوم. العودة لم تكن سهلة، بيت العائلة قُسّم بالميراث، وسكنّا في الجزء غير المأهول، حيث الكهرباء والماء والراحة كانت أشياء نشتاقها. أبي سافر إلى السعودية بحثًا عن عمل ولم يعد، فأخذت أمي وأنا زمام الأمور. تعلمنا أن نبدأ من الصفر، بأمل لا ينطفئ وقصة وصولها يحفظها السودانيون عن ظهر قلب وتشهد عليها سياراتهم وقد صقلوا إسمها في خلفياتها “هبة المهندس” “.

حُب الناس لها كان سلاحها الآخر. كتب لها الطيب عبد الماجد عن رفيقتها في “مشوار المساء إيماني بك مطلق، ويقيني تام بأنك قادرة على التجاوز، عصية على الركون. منذ أن عرفتك، عرفتك ودودة، محترمة، لطيفة، ظريفة، فاهِمة، مثابِرة، أم عظيمة، وطموحة. كل هذه الصفات جعلتك مؤهلة لكل اختبار، مهيأة للاختيار، قادرة على العبور دومًا نحو نورك.””:
وحين تعافت، عادت هبة لتعلن: “شفائي حقيقي لن يكتمل إلا إذا شُفي الوطن، ورجعنا له جميعًا بإذن الله. عندما يعاني بلدك، تحس بالوجع حتى لو كنت سليمًا”.
هبة انتصرت على السرطان، وصنعت من انتصارها فرحةً تحلق في قلوب السودانيين، الذين أحبّوها بلا سبب، ومنحتهم بافعالها ملايين الأسباب ليبادلوها المحبة، وينتظروا معها مشوار العودة إلى الخرطوم، المدينة التي احتضنتها بعد حرب الكويت، وينتظرونها لتستقبل أوبتهم إليها بعبارة واحدة، نقية وبسيطة وجميلة مثل الخرطوم بالليل حين يحتضنها النيل يسبقهم السؤال في حضرة بت مقرن النيل متين تضحك سماء الخرطوم حبيبتنا ومتين تصفي لترد عليهم بذات عبارة بت المهندس “بحبكم”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *