استقصائي
بعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي، قرّر الشاب أحمد إبراهيم أن يشدّ رحاله إلى ليبيا بحثا عن فرصة عمل توفر له وعائلته وضعا أفضل مع توقّف الحكومة عن صرف رواتب الموظفين وهو منهم، حيث كان يعمل في إحدى المؤسسات الحكوميّة.
لأجل ذلك، سلك إبراهيم البالغ من العمر 30 عاما دروبا وعرة عبر الصحراء في رحلة هجرة غير نظامية استغرقت ثلاثة أيّام. بعد شهر من وصوله إلى ليبيا، حصل الشاب على وظيفة في أحد المصانع بأجر يساهم رغم ضعفه في تخفيف بعض الأعباء عن عائلته التي لم تبرح العاصمة الخرطوم منذ بدء القتال.
في حديث لوكالة أنباء العالم العربي قال إبراهيم «قرّرت مغادرة البلاد بطريقة غير شرعيّة لتكوين مستقبلي ومساعدة أسرتي، بعد أن توقفت الحكومة عن صرف رواتبنا.. .أساعد عائلتي بمبالغ ضئيلة منذ بداية فترة غربتي قبل نحو سبعة أشهر، مع أنها لا تكفي لاحتياجات الإعاشة وغيرها».
ويرى الخبير الاقتصادي والأستاذ المشارك بالجامعات السودانية محمد الناير أنّ المغتربين السودانييين في الخارج ظلوا يلعبون دورا كبيرّا في دعم أسرهم داخل السودان واقتصاد بلدهم حتّى قبل الحرب في إطار نظام تكافل اجتماعي.
وقال إن هذا الدور الأساسي تعاظم خلال فترة الحرب «نتيجة للمسؤولية الكبيرة التي أصبحت على عاتقهم بعد فقد الكثيرين وظائفهم في السودان أو عدم انتظام صرف الرواتب.. .بعضُهم أقاموا مبادرات لجمع مساهمات وتوفير الطعام والاحتياجات الأخرى للمناطق التي تسكنها أسرهم ومراكز النزوح».
لكن المحلّل الاقتصادي وائل فهمي أشار بدوره إلى أنه على الرغم من ذلك شهد حجم تحويلات السودانيين المقيمين في الخارج تراجعا ملحوظا، أرجع سببه الرئيس إلى أن بعض الأسر اضطرت إلى النزوح للخارج تحت وطأة الحرب، فأصبحت تلك التحويلات تذهب إلى دول النزوح.
تراجع التحويلات رغم تعاظم الدور
يوافقه الناير الرأي، حيث قال إنّ هناك تحويلات من المغتربين تذهب إلى دول هاجرت إليها أسرهم ولا تأتي إلى السودان «فضلا عن أن الفجوة بين سعر الجنيه السوداني في السوق الرسمية والسوق الموازية جعلت الكثيرين ممن يحوّلون الأموال إلى الداخل يلجأون إلى القنوات غير الرسمية».
وبحسب جهاز المغتربين السودانيين، فقد تقلصت تحويلات المغتربين، التي كانت تقدر بما يتراوح بين أربعة إلى ستة مليارات دولار، بسبب الحرب، وقال فهمي، الذي كان عضوا في اللجنة الاقتصادية بحكومة الفترة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ بعض التقديرات تشير إلى أنها تراجعت لأقل من ملياري دولار تقريبا.
أضاف «أموال المغتربين تصب حيث إقامة المستفيدين منها، سواء كانوا في الداخل أو الخارج أو كانوا مستهلكين أو مستثمرين أو مدّخرين.. .الانكماش الاقتصادي بسبب الحرب والسياسات الاقتصادية الحالية ساهم في تقليص الحصيلة السنويّة للتحويلات إلى الداخل مقابل تلبية احتياجات الذين لاذوا بدول اللجوء».
واعتبر أنه «مع غياب مساعدات الدولة ورقابتها على الأسواق والمساعدات الإنسانية للمجتمع الدولي، فقد أضحت هناك أهمية لدور المغتربين، حيث حلّ عمليّا محلّ المجتمع الدولي الذي من المفترض أن يقوم بدوره في تقديم المساعدات الإنسانية والحماية للمدنيّين في مثل ظروف الحروب هذه».
وتابع «أثبت صمود النازحين بالداخل واللاجئين بدول الجوار في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والعلاج والإقامة مدى الدور الفاعل والقوي لأبناء السودانيين المغتربين بالخارج، كبديل وطنيّ حرّ للمجتمع الدولي يُعتمد عليه في دعم أسرهم وأقاربهم، وذلك في حدّه الأدنى».
طوق نجاة
وترى سارة تاج السر، التي تعمل في إحدى دول شرق أفريقيا، أن التحويلات المالية الشهرية التي يرسلها السودانيّون إلى عائلاتهم في الداخل عبر التطبيقات البنكيّة بمثابة طوق نجاة لأشخاص فقدوا مصادر دخلهم بسبب توقف مؤسسات القطاع العام والخاص عن العمل بعد اندلاع الحرب.
وقالت :«أحيانا أمرّ بأوضاع ماليّة غير مريحة، لكنّي لا أستطيع ردّ أي شخص لجأ إليّ للمساعدة، وإذا لم أتمكن من إرسال المبلغ المطلوب، فإنّي أساهم ولو بالقليل».
أضافت «المواطنون داخل المدن الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وحتى التابعة للجيش، يمرون بأوضاع صعبة، حيث سعر الدولار مرتفع باستمرار مع تدن رهيب لقيمة العملة الوطنية بجانب تضخّم أسعار السلع وندرتها وفي الغالب تدني القوة الشرائية، كما أنّهم يتعرّضون للابتزاز في نقاط التفتيش والارتكازات ومصادرة كلّ ما لديهم».
واعتبرت أن «المؤلم في الأمر هو الخصم الذي يصل إلى 20% من قيمة تلك التحويلات، خاصة في مناطق سيطرة الدعم السريع».
ويحذّر الدكتور خضر الخواص، استشاري علم الاجتماع والانثربولوجيا الاجتماعية، من أنه «كلّما طالت فترة الحرب، تتزايد الاحتياجات التي قد تفوق طاقة المغتربين، ممّا يفاقم المعاناة في مقابل نقص الغذاء وعدم وصول المساعدات الإنسانيّة للمناطق التي تشهد صراعا».
وقال :«كلّما ينتقل النازحون من منطقة إلى أخرى تزداد مأساتهم، كما حدث في ولايات الجزيرة وسط البلاد وسنار إلى الجنوب الشرقي والفاشر شمال دارفور».
أضاف «مع خسارة نسبة كبيرة من السودانيين وظائفهم ونزوح الأسر بسبب الصراع، تمدّدت الأعباء على نحو دفع بعض المغتربين إلى العمل في مهن إضافيّة لمقابلة احتياجات عائلاتهم في الداخل».