تقرير عن الأوضاع داخل سجن بورتسودان
رحاب مبارك – استقصائي
يعيش ما يقارب 1600 سجين داخل سجن بورتسودان أوضاعاً إنسانية وقانونية بالغة السوء، تفاقمت بشكل ملحوظ بعد الاستهداف الأخير للمدينة بالمسيرات المسلحة. هذه الهجمات جعلت البيئة المحيطة بالسجن غير آمنة، وزادت من مخاوف النزلاء الذين يعيشون في قلق دائم بسبب القصف المتكرر الذي أصبح سمة يومية للمدينة.
من أبرز المشكلات التي يعانيها السجناء تأخر المحاكمات بشكل غير مبرر، حيث يمكث الكثيرون أكثر من عام ونصف العام دون مثولهم أمام القضاء، رغم أن القانون ينص على ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي ستة أشهر إلا بموافقة النائب العام. كما أن الفترات بين الجلسات القضائية أصبحت متباعدة بشكل غير معتاد، تصل في بعض الأحيان إلى أربعين يوماً أو أكثر، مما ينتهك مبدأ المحاكمة العادلة والسريعة.
أما على المستوى الإنساني، فإن الظروف المعيشية داخل السجن تدهورت بشكل كبير. فالنزلاء لا يحصلون سوى على وجبتين فقط يومياً، وغالباً ما تتأخر وجبة الغداء لساعات طويلة. كما أن مشكلة المياه أصبحت أزمة حقيقية بعد توقف محطة التحلية، حيث يتم خلط المياه المالحة بالمياه المحلاة في محاولة لإخفاء ملوحتها، مما يشكل خطراً على صحة السجناء.
فيما يخص المحكومين، فإن هناك حوالي 250 سجيناً حُكم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد بموجب المواد 50 و51 من القانون الجنائي السوداني، والتي تتعلق باتهامات بالتعاون مع الدعم السريع. الغالبية العظمى من هؤلاء المحكومين من المثقفين والمهنيين مثل المعلمين والأطباء والمحامين والصحفيين والطلاب، وجميعهم يتمتعون بحسن السيرة والسلوك. والأمر اللافت أن هذه الأحكام صدرت في كثير من الأحيان بناءً على رسائل هاتفية تحتوي على آراء شخصية معارضة للحرب، أو لأسباب قبلية وجهوية بحتة.
من المفارقات الصارخة أن هذه الانتهاكات الجسيمة تحدث في وقت يتمتع فيه بعض المسؤولين الكبار، مثل وزير المالية، بأعلى معايير الأمان والرعاية، بينما يعاني المواطنون العاديون من تبعات الحرب وعدم الاستقرار.
إن الوضع داخل سجن بورتسودان يتطلب تدخلاً عاجلاً من المنظمات الحقوقية الدولية، كما يستدعي مراجعة عاجلة لكل الأحكام الصادرة، خاصة تلك المتعلقة بعقوبة الإعدام. كما أن تحسين الظروف المعيشية داخل السجن وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة للنزلاء يجب أن يكون أولوية قصوى.
في الختام، فإن هذا التقرير يهدف إلى تسليط الضوء على معاناة إنسانية حقيقية، ويناشد كل الضمائر الحية للتحرك العاجل لإنقاذ حياة المئات من السجناء الذين يعيشون تحت وطأة ظروف لا إنسانية، في وقت يشهد فيه السودان أحد أصعب الفترات في تاريخه الحديث.