كامل إدريس… حلم من؟!
تقرير – استقصائي
في تاريخ السودان المضطرب، لم يثابر رجل على تحقيق حلمه كما فعل الدكتور كامل إدريس، الاسم الذي بات ملازمًا لكل خبر يتعلق بترشيح لمنصب رئيس الوزراء في البلاد. فقد طُرِح اسمه خلال عهد الرئيس المخلوع، وحين نجحت الثورة في إسقاطه، عاد الرجل الذي التصقت به صفة “المدير العام لمنظمة الملكية الفكرية” إلى الخرطوم، مُعلِنًا أنه لم يعد ليسرق الثورة، بل لأنه يملك مفاتيح أبواب المجتمع الدولي.
وحين تم الانقلاب على الوثيقة الدستورية للثورة وحكومتها، عاد إدريس مرة أخرى مرشحًا للمنصب الذي كان يشغله عبد الله حمدوك، لكنه غادر إلى لندن بعد فشل مشاورات تعيينه.
اليوم، من بورتسودان العاصمة المؤقتة، يقترب الرجل من تحقيق حلمه. تؤكد مصادر متطابقة صدور قرار بإنهاء تكليف السفير دفع الله الحاج بمنصب رئيس الوزراء بعد عشرين يومًا فقط من تسميته، دون أن يباشر مهامه. وعبر مرسوم دستوري، أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تعيين كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، ليحقق الرجل أخيرًا حلمه بالجلوس على الكرسي، وإن جاء ذلك محمولًا بشرعية الحرب.
لكن تعيينه يفتح باب التساؤلات: “تسمية كامل إدريس رئيسًا للوزراء… حلم من؟” وطالما أن التسمية جاءت من رئيس مجلس السيادة، فهي إذن حلم البرهان، في مسعاه للبقاء الرجل الأول في السودان ما بعد سقوط البشير.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على انقلابه على الوثيقة الدستورية، وزجِّه بشركائه المدنيين في السجون، واحتفاظه برئيس وزرائها عبد الله حمدوك في مكان آمن، ثم إعادته لاحقًا إلى المنصب قبل أن يستقيل، ها هو البرهان ينجح أخيرًا في ملء المقعد الوزاري الخالي.
هذا المقعد، بحسب البعض، مدان شاغله حتى قبل أن يجلس عليه. فما إن أُعلن عن اقتراب إدريس من المنصب، حتى تعالت أصوات رافضة، خصوصًا من أوساط النظام المخلوع، تصفه بأنه “أقل قامة” من المنصب، وبأنه “زهرة بلاستيك” جميلة المنظر بلا روح، ليس أكثر من موظف علاقات عامة يفتقر إلى الصلاحيات، في بلد بات وجوده نفسه على المحك.
اللافت أن الرفض لم يأتِ فقط من أنصار النظام السابق، بل أيضًا من الحركات المسلحة، خصوصًا بعد أن قيل إن رئيس الوزراء الجديد سيُمنَح صلاحيات كاملة، بما في ذلك عزل وزراء الحكومة، ومن ضمنهم وزير المالية، مع احتفاظ حركات سلام جوبا بنصيبها في السلطة. هذا ما دفع تلك القوى لتهديد بالتصعيد رفضًا للتعيين.
في المقابل، يرى آخرون أن إدريس يمثل حلم المجتمع الدولي، في ظل سعيه لإنهاء الحرب التي طال أمدها، وتُهدد بانفجار إقليمي جديد. فالعالم يبحث عن “رجل التوافق”، وربما وجد في كامل إدريس من يناسب هذا الدور، باعتباره “ترياقًا” ضد عودة الإسلاميين المهيمنين على المشهد السياسي الحالي، وهو ما دفع البعض لوصفه بـ”المتوافق على رفضه” من قِبل الإسلاميين، والحركات المسلحة، وقطاع واسع من السودانيين الذين باتوا لا يكترثون لأي قرار تصدره سلطة الأمر الواقع.
واقعٌ يبدو وكأنه فُصِّل على مقاس إدريس. فلا شيء فيه يقيني، ولا حتى شهادات الميلاد، أو الشعارات، أو الثورة نفسها، التي أصبحت بدورها محل شك ومساءلة. “الملكية الفكرية” أصبحت لكل شيء، حتى للأحلام، ويبدو أن كامل إدريس هو سيد هذا الميدان، كما يقول الصحفي السوداني في قناة الجزيرة، فوزي بشرى، واصفًا إياه بأنه “ملك الجرح والتعديل”.
أخيرًا، وصل كامل إلى ميس حلمه، بينما بقيت أحلام الملايين من السودانيين مؤجلة: أحلامهم في السلام، وفي الحرية، والعدالة، والشفافية. حلمهم الجماعي في إعادة بناء وطنهم على أسس جديدة وضعوا لبناتها بالدم، عبر ثورة كانت حديث العالم، ثم جرى الانقلاب على وثيقتها الدستورية، وحين عجزوا عن إخضاعها، أشعلوا حربًا بلا جدوى.
رغم كل ذلك، ظل الشارع يردد نشيده الثابت: “حقنا كامل وما بنجامل”.
حقق كامل حلمه برئاسة الوزراء، لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتحقق حلم السودانيين بالعودة إلى مقر السلطة في عاصمتهم الخرطوم، التي يقولون عنها “محل الطيارة بتقوم والرئيس ينوم”؟ وهل سيتمكن إدريس من قضاء ليلته هناك، في منزله بشارع الستين، حيث وُلِد حلمه بالرئاسة؟
وهل يملك إجابة عن أسئلة هذا الشعب المنكوب بالحرب، الباحث فقط عن الأمان، وعن لقمة كسرة، وجرعة ماء، ودواء؟
كيف ينظر السودانيون من وسط نيران موتهم إلى نيران الصواريخ المشتعلة بين إيران والكيان إليكم…
الحزب الشيوعي : لا ثقة في لجان التحقيق الوطنية.. ونرفض استغلال مزاعم "الأسلحة الكيميائية" للتدخل…
رصد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان تقرير - رحاب مبارك سيد أحمد | 11 يونيو…
وادي حلفا: محتجون يطردون المدير التنفيذي مع استمرار أزمة الكهرباء استقصائي - مصعب محمد علي…
رئيس الوزراء بين جلسات التصوير في “بورتسودان” وحقيقة الصورة في السودان استقصائي – تقارير تواصل…
مسؤولون ليبيون يتهمون عصابات سودانية باختطاف جنود ليبيين خاص - استقصائي اتهم مسؤولون ليبيون، يوم…