معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

الاحتفال بالمولد النبوي لإظهار حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم وخاصة في زمان كثر فيه الشانئون والشامتون به صلى الله عليه وسلم

عجيب أمر بعض إخواننا ممن لهم علم ومن ليس لهم علم بالكتاب والسنة، فكلما حدثتهم في حكم من الأحكام الشرعية أحالوك على ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين، فهؤلاء علماء نجلّهم ونوقرهم، ولكنهم كغيرهم من العلماء يشملهم قول الإمام مالك رضي الله عنه: “كلٌّ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر”.

 

لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في حالة التنازع في شيء من أمور الدين برده إلى الله والرسول لأنهما كمال العصمة، وأما غيرهما فيجري عليهم الخطأ والنسيان سواء بسواء، يقول الله تعالى: “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”، ويقول أيضا: “.. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر”.

مسالة تنازع

ليس هناك مسألة تنازع فيها المسلمون كمسألة الاحتفال بالمولد النبوي، فبعضهم ممن ذكرت آنفا يراه “بدعة منكرة” وحجته في ذلك ما يقرأه في “فتاوى ابن تيمية” أو فتاوى ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله، وغاية ما في جعبتهم للرد على مخالفيهم أن هذا الاحتفال لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا القرون الثلاثة المفضلة فكيف يكون مشروعا اليوم؟. ويستدل بعضهم على بدعية الاحتفال بالمولد النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، كما يستدلون بمقولة الإمام مالك رضي الله عنه: “ما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا”.

أشفقُ على بعض إخواننا ممن ذكرت وممن لم أذكر لأنهم يخلطون بين أعمال العادة وأعمال العبادة، فنحن في مسائل العبادة مأمورون بالإتِّباع ليس لنا في ذلك اختيار، وهذا هو مقتضى التسليم الوارد في قوله تعالى: “فلا وربُّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”، وهذا هو مقتضى الاقتداء الوارد في قوله تعالى: “فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم”.

المولد ليس عبادة

إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس عبادة، وليس غرضنا منه إطراء النبي صلى الله عليه وسلم على شاكلة ما يفعله اليهود والنصارى مع أنبيائهم قادتهم الدينيين، فقد نهينا عن ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله”. إن الاحتفال بالمولد النبوي هو شكل من أشكال إظهار حبنا لهذا النبي الأمّي وخاصة في زماننا الذي كثر فيه الشانئون والشامتون به صلى الله عليه وسلم، فهل من السنة أن يحال بيننا وبين ذلك بحجة أن الاحتفال بالمولد النبوي من الأعمال المنكرة والأفعال المبتدعة؟

 

ألا يستحق سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم أن نذكره ونحتفي به إظهارا لشمائله وإغاظة للكفار ممن يحاربون سنته ويتربصون بأتباعه، كما قال تعالى: “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه بعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار”.

 

إن الاحتفال بالمولد النبوي إذا لم يخالطه عمل منكر أو فعل محظور شرعا فهو أمر لا غبار عليه بل هو سنة حسنة كما جاء في الحديث: “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة”.

 

إذا كانت حجة القائلين بأن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أن الرسول صلى الله عليه لم يفعله وأن الصحابة والتابعين إلى المائة الثالثة لم يفعلوه، فإن هذه الحجة مردودة عليهم، فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اشرأبت أعناق الأنصار في المدينة المنورة احتفاء بمقدمه فلم ينكر على أحد منهم، وأما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم فلا يحتاج الحاضر المشاهد إلى الاحتفال بمولده، وأما التابعون فكانوا أقرب عهدا بزمن النبوة فلا يحتاجون إلى احتفال بالمولد النبوي بأي حال من الأحوال، وأما غيرهم ممن جاءوا بعدهم فقد بعد عهدُهم بصاحب السنة وصحابة النبي والتابعين فوجدوا عند تكالب خصومهم عليهم في الاحتفال بالمولد النبوي عزاء ووجاء يعصمهما من مغبة الزيغ عن الكتاب والسنة والخروج عن هدي النبوة فشرَّعوا الاحتفال بالمولد النبوي لهذه الغاية التي لا تناقِض أركان الإيمان ولا قواعد السن.

 

هل كان الشيخ عبد الحميد بن باديس مما قرأنا عنه في كتاب “مجالس التذكير من كلام البشير النذير” مبتدعا حينما قال بمناسبة حلول شهر الأنوار ومولد سيد الأنام: “بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى اسم الجزائر الراسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها أفتتح الذكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانية ورسول الرحمة سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام.. لسنا وحدنا في هذا الموقف الشريف لإحياء هذه الذكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمور كلهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيد العالمين”.؟

إظهار المحبة

إن الاحتفال بالمولد النبوي هو شكل من أشكال إظهار حبنا لهذا النبي الأمّي وخاصة في زماننا الذي كثر فيه الشانئون والشامتون به صلى الله عليه وسلم، فهل من السنة أن يحال بيننا وبين ذلك بحجة أن الاحتفال بالمولد النبوي من الأعمال المنكرة والأفعال المبتدعة؟ ألا يستحق سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم أن نذكره ونحتفي به إظهارا لشمائله وإغاظة للكفار ممن يحاربون سنته ويتربصون بأتباعه؟

وهل كان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مبتدعا حينما قال عن المولد النبوي: “إحياء ذكرى المولد النبوي إحياء لمعاني النبوة، وتذكير بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هدى، وما كان عليه من كمالات نفسية، فعلى المتكلمين في هذه الذكرى أن يذكروا المسلمين بما كان عليه نبيهم من خُلق عظيم، وبما كان لديهم من استعلاء بتلك الأخلاق. لهذه الناحية الحية نجيز إقام هذه الاحتفالات، ونعدها مواسم تربية، ودروس هداية، والقائلون ببدعيتها إنما تمثلوها في الناحية الميتة من قصص المولد الشائعة”.؟

 

قرأت للعلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي كلاما يفصّل فيه أحكام الاحتفال بالمولد النبوي بين المجيزين والمبدِّعين، ولأهميته وتعميما للفائدة أنقله بحرفيته: “الاحتفال بالمولد النبوي الشريف على ثلاث صور راجعة إلى اعتقاد الإنسان فيه: من اعتقده عيدا كعيدي الفطر والأضحى فقد ابتدع، ومن اتخذه ذكرى للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نعمة من نعم الله وشكر هذه النعمة بالأعمال الصالحة، فهذا مأذونٌ فيه بل هو مطلوب لأنه أمِر بالصيام فيه شكرا لله على ميلاده، ومن اتخذه مناسبة لبعض الأمور المباحات كإظهار الملابس الجديدة والمطاعم ونحو ذلك فهذا في الأصل من الأمور الجائزة لأنه ليس مما يدخل حيِّز البدع فالبدع لا تدخل في العادات ولا في اللباس”.

 

لقد ضقنا ذرعا ببعض أدعياء السنة ممن تغلب عليهم ثقافة التحريم والتبديع فحرّموا وبدّعوا فأكثروا، وآن الأوان أن تتصدى لهم العقول الراشدة والأقلام العاقلة قبل أن يكملوا مشروعهم الذي ينزع عن ديننا كل سِعة ويحرمنا من كل زينة ويمنعنا من إظهار السرور والحبور. لقد ضقنا ذرعا ببعض أدعياء السنة الذين يحرمون ربطة العنق لأنها من لباس الكفار ولكنهم لا يحرمون أحذية “ريبوك” وروائح “شانال” وغيرها، ويشنّعون على المسلمين الإقامة في بلاد النصارى مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين” لا يفرِّقون في ذلك بين المشركين وأهل الكتاب، فكيف بمن أحل الله طعامهم أن لا يحل الإقامة في أرضهم وبين أظهرهم؟ ومن العجيب في ذلك أن تجدهم أكثر من يملأ الساحات والحارات في أوروبا أكثرهم طلبا للعيش الرغيد وقليل منهم للدعوة إلى الله. لقد ضقنا ذرعا بمن يحرمون الصور على إطلاقها وعندهم آخر ماركات الموبيلات المزودة بأكثر من كاميرا رقمية، فهل يتخذونها للزينة؟ أم أنها من الأمور التي اقتضتها الضرورة؟  فما تفسير هذا التناقض في المواقف والتذبذب في الأحكام؟ !.

 

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *