يتناقل الناس قصصا وحكايات عن زيجات سرية، لكن قليل منهم من وقف على حالات من “الطلاق السري”، وهو شكل من أشكال الانفصال الجزئي، يتفق فيه الزوجان على الانفصال مع إيهام الآخرين بأنهما مازالا تحت عرش الزوجية، وذلك لأسباب أبرزها: الخوف من التفكك الأسري، وضياع الأطفال، أو من عتاب الأهل في حالات الأزواج الأقرباء، ومحاولة لتجنب وصمة “مطلقة”.
وفي حين يقول علماء اجتماع إن حالات “الطلاق السري” لا يصل معظمها إلى المحاكم، لتظل طي “الكتمان” إلا أن “استقصائي” وقفت على بعض الحالات التي وثّقت الطلاق في المحكمة لكنه ظل سرا بينهما قبل أن يضطرا لإعلانه لاحقا..
حكايات ومآسي
تشير حكايات ومآسي طلاق من استطلعت “استقصائي” آراءهن إلى أن كثيرا من المطلقات اضطررن للعيش مع أطفالهن بعد الطلاق في منزل الزوجية السابق، فمنهن من عاشت مع طليقها بسلام، و أخريات لم تخل حياتهن من مشاكل ومنغصات.
وتقول السيدة (م ن) إن من الأسباب الرئيسة لطلاقها منذ عامين هروب زوجها من الالتزام بمسؤولياته المنزلية، مما أجبرها على العمل “فرّاشة” بإحدى المؤسسات الحكومية حتى تتمكن من مجابهة مصروفات ثلاثة أطفال منهم اثنان بمرحلة الأساس.
وأضافت أن بعض الرجال يبدأون في التنصل من مسؤولياتهم بعد بضعة أشهر فقط من الزواج، لهذا فهي توصي الشابات المقبلات على الزواج بضرورة التأكد جيدا من المقدرة المادية لشريك الحياة قبل الزواج.
أما منى الطاهر، التي بدأت مراسم زواجها قبل أربعة أعوام لكنها لم تكتمل بعد، بسبب عجز زوجها عن إتمام العرس، فتقول: (الناس كرهوني كل مرة بقولوا لي متين حتكملوا العرس لما كرهت اليوم العقدت فيه).
وألقت منى باللائمة على سوء الأوضاع الاقتصادية التي قالت إنها تسببت في تفكك كثير من الأسر وأجبرت العديد من الشباب على “العزوف عن الزواج”، ففضلوا البقاء تحت هجير “العذوبية”، ولجأ بعضهم للهجرة فرارا من الواقع الذي وصفته بـ”المر”.
أوضاع متردية
وعلى الرغم من أن المال سببا رئيسيا لمعظم حالات الطلاق، إلا أن هناك أسبابا أخرى، تتعلق بالاختيار كما في حالة حسن وهو أستاذ جامعي أجبرته تقاليد الأسرة للارتباط بابنة عمه تبعا لنظرية “غطي قدحك”، لكنه سرعان ما اكتشف أنها لا تناسبه.
يقول حسن إن حياته أصبحت جحيما لا يُطاق يزداد يوما بعد آخر، وبعد إنجاب ابني الثالث أصبحت على قناعة أنني لا يمكنني الاستمرار مما دفعني إلى الطلاق وعشت معها في منزل الزوجية دون علم الآخرين بطلاقنا نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية خاصة وأنني لا يمكنني تحمل كلفة إيجار منزل آخر، وأقمت في غرفة منفصلة داخل البيت وأرى أبنائي كل يوم لكن ليس لي علاقة مطلقاً مع ابنة عمي وعندما يسألني أبنائي: لماذ لا أجلس مع والدتهم فأتعلل بانشغالي ومازلت أعيش في هذا الوضع منذ أكثر من سبع سنوات.
وتناقلت وسائل الإعلام قبل أيام خبر مقتل سيدة سودانية على يد زوجها، قبل أن يتضح أنهما منفصلان “سرا” منذ عام على الرغم من إقامتهما معا في شقة واحدة، تقطن “القتيلة” هي وأطفالها في غرفة، بينما يستغل الجاني غرفة أخرى.
وبينت التحقيقات أن الجاني ويبلغ من العمر 50 عاما، قام بملاحقة طليقته (37 عاما)عقب مشادة كلامية بينهما إلى غرفتها ومحاولته خنقها، لكنها أفلتت منه ليقوم بالتوجه إلى المطبخ وإحضار سكين والإجهاز عليها على مرأى من أبنائهما الـ 5، أكبرهم 12 عاما.
تجربة فاشلة
وتروي المواطنة (ر ع) لـ(استقصائي) تفاصيل طلاقها حيث قالت لدي خمسة أطفال وأقيم معهم في منزل صغير بإحدى أحياء أمدرمان وقبل عامين بدأت المشاكل بيني وبين زوجي لعدم تحمله مسؤوليته الكاملة حيث أخرج أبنائي من المدارس بحجة أنه لا يستطيع تحمل تكلفة تعليمهم.
وتضيف: فقررت العمل بالنظافة وغسل الملابس بأحد بيوت الحي لكي أنفق على أبنائي واستمر الأمر هكذا حتى جاء في يوم ما وطلب مني مبلغا ماليا فقلت له ليس لدي وقام بضربي وطلاقي ولكني لم أستطع الذهاب الى منزل أسرتي نسبة لوضعهما المحدود وقررت أن أقيم مع أبنائي وأنفق عليهم وبعد أن علم إخوتي بذلك طلبوا مني أن أترك المنزل وأعود إليهم ولكني رفضت كي لا أزيد عليهم حمل أبنائي.
وأوصت الفتيات المقبلات على الزواج بالتأكد من أخلاق الزوج ووضعه المادي، وبالبقاء في منزل أسرهن لأن معظم الرجال أصبحوا يتهربون من المسؤلية، على حد وصفها.
الطلاق الصامت
ويقول استشاري الطب النفسي والعصبي علي بلدو لـ(استقصائي) إن الطلاق أصبح حلما وأمنية لكثير من الزوجات في الآونة الاخيرة، وذلك نتيجة للمشكلات الاجتماعية وعدم التناغم في الحياة الزوجية بجانب التدخل السلبي من جانب الأسر والضغوط المعيشية وحالات عدم الاستقرار النفسي التي يمر بها الكثيرون وعدم الراحة الجنسية مما ينتج عنه حالات من الشعور بالاكتئاب والندم وبالتالي إلى الطلاق.
وأضاف لو خيرنا الأزواج السودانيين لو جدنا أن 88% منهم لن يقدم على اختيار شريك حياته مرة أخرى لو عاد به الزمن إلى الوراء، لافتاً إلى أن الآثار المترتبة على ذلك تؤدي إلى الرغبة في ترك الحياة كما تقود إلى الشعور العارم بالإعياء الجسدي وكثرة الأمراض.
وصمة اجتماعية
وتابع بلدو أنه نتيجة للخوف من الوصمة الاجتماعية ومن سماع كلمة “مطلقة” يلجأ العديد من الأزواج الى الطلاق غير المعلن من أجل رعاية أبنائهم، مشيرا إلى أن هذا يقود لكثير من الإشكالات منها المشاجرات داخل السقف ومحاولة القتل بينهما أو الاعتداء على الأبناء مما قد يؤدي إلى ممارسات غير أخلاقية كالخيانة وإقامة علاقات خارج الإطار الشرعي. ولفت إلى أن كثيرا من البيوت تخفي خلفها آلاماً ومعاناة.
وبحسب بلدو فإن المعالجات لذلك تشمل الإنذار المبكر لتلك الخلافات والإرشاد الاجتماعي للمتزوجين وتفعيل مراكز الفحص قبل الزواج واعتماد رخصة الزواج بعد اجتياز الاختبارات النفسية والبدنية والاجتماعية وإعطاء كل شخص رخصة مع تجديدها سنوياً من أجل حماية الأبناء والمجتمع حتى لا تنفجر هذه الإشكالات من حين لآخر.
سلوك جديد
وأكد الخبير الاجتماعي أشرف أدهم لـ(استقصائي) أن بقاء المطلقة في بيت الزوجية بعد طلاقها أصبح ظاهرة في المجتمع لافتا إلى أن من الصحيح ألا تعود المرأة لمنزل أسرتها بعد الطلاق بل تقيم مع أبنائها لأنهما يمكن أن يتراجعا، ودعا إلى تشجيع ظاهرة بقاء المطلقة في بيت الزوجية خاصة إذا كان لديها أبناء.
وقال لابد من معرفة أسباب الطلاق، فربما كان وراؤه طموح النساء العالي ومحاولة تقليد الآخرين أو مشاكل جنسية أو غيرها وزاد: نحن لا نتهم المرأة فقط فهناك خطأ من بعض الرجال أيضاً.
سوء اختيار واستعجال
وفي هذا الإطار تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم لـ(استقصائي) إن المؤشرات خطيرة جداً جراء انتشار نسب الطلاق مشيرة إلى وجود كثير من حالات الطلاق غير المعلن عنها، لافتة إلى أن سوء الاختيار والاستعجال والإجبار والظروف الاقتصادية وعدم التدريب قبل الزواج وتدخل الأسر من أهم أسباب الطلاق.
أسباب مختلفة
وفي ذات السياق قال المأذون الشرعي بمحكمة الخرطوم شرق الشرعية الأستاذ عبدالمنعم سيد عبدالرؤوف لـ(استقصائي) إن الأوضاع الاقتصادية تتسبب في 70% من حالات الطلاق، مشيرا إلى أنه يستخرج خمس قسايم طلاق شهريا مقابل واحدة زواج.
وأوضح عبدالرؤوف أن هناك أسبابا أخرى غير الاقتصادية ولكنها قليلة وأضاف( بتجيني حالات تانية الواحدة بتكون ماسكة تلفونها الليل كلو توسوس وما عندها شغلة بزوجها وبيتها وفي النوع البسكن مرتو مع أهلو بتشكي انو اخواتو ما بشتغلو معاها وهي زي الخدامة تقول عايزة مطبخ براها الحاجة دي برضها اتسببت في كتير من حالات الطلاق).
استقصائي