معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

حرب “التغريدات” تهدد بزعزعة أوتاد خيمة تحالف الحرب في بورتسودان… فهل ينبغي على السودانيين الاستعداد لاستقبال النسخة المتجددة من حرب الكرامة؟

استقصائي – تقارير

 

“بورتسودان عبارة عن بيت مناسبة يمكننا أن نفرتق صيوانه بمنتهى البساطة” — العبارة ما بين القوسين رددها أحد المحسوبين على حركة جيش تحرير السودان برئاسة أركو مناوي، وجاءت متزامنة مع حالة تصعيد بين مكونات معسكر بورتسودان، الذي يضم الجيش وقيادات الحركات المسلحة التي أعلنت انضمامها له في حربه ضد الدعم السريع.

خرجت الخلافات المكتومة إلى السطح، وارتبطت بالأحاديث حول تشكيل حكومة جديدة بعد أن سُمّي كامل إدريس رئيساً للوزراء من قبل قائد الجيش. وخرج الأخير ليعلن ملامح حكومته بأنها حكومة “تكنوقراط”، لا حزبية ولن تقوم على أساس التمثيل الجهوي. في المقابل، ظلت عقدة سلام جوبا على حالها، حيث أعلنت قيادات الحركات تمسكها بأنصبتها التي حددتها الاتفاقية، وأكدت أن أي محاولة للنكوص عنها ستكون نتيجتها العودة إلى الحرب. والمفارقة أن التهديد بالحرب يأتي في وقت يبحر فيه كامل السودان في أنهار من الدم والمواجهات.

يسرب صحفيون مقربون من الجيش في بورتسودان أخباراً تشير إلى أن سقوط منطقة المثلث الحدودي الرابط بين السودان ومصر وليبيا تم بمؤامرة من القوات المشتركة، التي استخدمته كوسيلة للضغط من أجل الحفاظ على نصيبها في السلطة. وهو أمر لم تنفه قيادات الحركات، بل دخلت في حملة أخرى ضد من سمّتهم الصحفيين الذين يخدمون في بلاط الجيش والأمن ويسعون للوقيعة بين مكونات تحالف “الكرامة”.

وفي هذا السياق، انتقد رئيس حركة تحرير السودان أركو مناوي تسريبات الاجتماعات والتوجيهات لبعض الأقلام الإعلامية لتنفيذ “سياسة اغتيال الشخصيات”، واصفاً إياها بالسياسة الجبانة التي لا تليق بمن يحكمون، محذراً من محاولات البعض “إحراق المركب ظناً منه أنه قد عبر”، وقال إن هذا الأسلوب قد يدفعهم للرد بالمثل ونشر في الإعلام ما لا ينبغي نشره.

أما الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان، الصادق النور، فقال إن “الدائرة السوداء” داخل التحالف توهمت استعادة عافيتها، وطالب بضرورة تنفيذ القانون وفرض هيبة الدولة. ورغم أنه لم يحدد المقصود بالدائرة السوداء، إلا أن تصريحه عزز فرضية البعض بأن التحالف الآني هو تحالف ابتزاز متبادل، وهو ما أكدته تغريدة للقيادي في حركة العدل والمساواة صديق بنقو، قال فيها: “كاذب من يظن أنه قادر على قيادة البلاد بنفس العقلية التي أورَدَتها موارد الهلاك”، وأضاف: “لا تعتقدوا أن وقوفنا إلى جانب الجيش يعني أنكم غير سيئين، بل أنتم أسوأ بكثير”، قبل أن يختم تغريدته بالدعوة إلى قيادات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا بعدم الاستجابة لابتزاز الجيش.

حالة الغضب في خطاب قيادات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، مقرونة بتمدد المطالب بضرورة إبعاد هذه القوات من المدن وتقليص قدراتها التسليحية، تنبئ بأن ثمة معركة كرامة ثانية تلوح في أفق الواقع السوداني المحتشد بالاختلالات. لكن ما يجري الآن يفسره الطاهر حجر، عضو مجلس السيادة السابق وأحد الموقعين على اتفاق جوبا للسلام، والحليف الحالي لقوات الدعم السريع، بأنه نتيجة “لخيارات خاطئة” تمثلت في إعلان التحالف مع الجيش وخوض الحرب. وهو تفسير يعكس موقفه الراهن من الصراع.

في المقابل، لا يبدو التصدع في جدار تحالف الجيش والحركات المسلحة مستبعداً بالنظر إلى ظروف تكوينه، والتي بدأت حين أعلنت قيادات حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان تخليها عن الحياد والدخول في معركة “الكرامة” مع القوات المسلحة. فهو تحالف فرضته تركيبة السلطة والسعي إليها أو الاستمرار فيها، باعتبار أن مكوناته كانت جزءاً من تحالف الانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر. لكن المفارقة أن مناصري الجيش يبتزون قيادات الحركات المتحالفة معهم، متهمين إياهم بأن مشاركتهم في المعركة هي مجرد محاولة للاحتفاظ بكراسي السلطة، ولا يترددون في توجيه اتهامات بالفساد واستغلال موارد الدولة لصالح قادة الحركات ومحاسيبهم، خاصة في وزارتي المالية والمعادن.

لكن أكثر الخاسرين من إمكانية “فرتقة” خيمة بورتسودان هو رئيس الوزراء المسمى من قبل البرهان، كامل إدريس، الذي كشف عن “حلمه” الأسبوع الفائت في تشكيل حكومة، لكنه الحلم الذي تعترضه الآن متاريس الخلافات بين حلفاء الحرب وتعارض مواقفهم حول ما يمكن أن يحدث مستقبلاً، ليس فقط على مستوى تشكيل الحكومة، وإنما على مستوى ميدان المشاركة في الحرب نفسها. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات المواجهات في بورتسودان، خرج قائد الدعم السريع في خطاب لم ينسَ فيه مغازلة قيادات الحركات، مناوي وجبريل، وهو الذي سبق أن فتح لهما أبواب الصعود إلى السلطة في الخرطوم عبر اتفاقية سلام جوبا.

لم يكن مستبعداً بروز الخلافات داخل أروقة تحالف “بورتسودان” السلطوي؛ فبالنسبة للبعض، هو تحالف يحمل بذرة فنائه في داخله، فما يفرّق مكوناته أكثر مما يجمعها. ويُضاف إلى ذلك دخول معادلة النزاع حول السلطة ومكاسبها، وهو ما دفع كثيرين إلى انتقاده وتوصيف من يخوضون الحرب اليوم بأنهم عديمو المسؤولية. لكن المدهش هو انتقاد البعض لموقف الحركات التي تطالب بحقها في السلطة كمقابل لمشاركتها في الحرب؛ فمن ينادي بـ”مورال فوق” في ميدان القتال، عليه القبول بصعود قيادات هذه الحركات إلى مواقع السلطة. ففي واقع مثل واقع سودان اليوم، من مجّد “البرهان” فيه البندقية وهتف لها، عليه أن يقبل بأن تنال الحركات المسلحة مجدها بالسلاح. وبالطبع، في حال لم يحدث ذلك، فعليه الاستعداد لمواجهة بنادق أخرى في معارك “الكرامة”، في نسخة معادة من تاريخ سودان الميليشيات.

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *