معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

محي الدين سالم (ابن) الدولة العميقة

فور أدائه القسم، وقف وزير الخارجية الجديد محي الدين سالم، أمام الكاميرات ليلقي كلمة بمناسبة تعيينه رسميا وزيرا للخارجية والتعاون الدولي، وقال ” أديت القسم أمام فخامة رئيس مجلس السيادة وبحضور رئيس الوزراء إيمانا بقواتنا المسلحة وشعبنا العظيم” ثم تعمد الإشارة إلى أن موقف الوزارة في عهده سيعبر عن موقف قيادة الجيش واصفا الدبلوماسيين ب”كتيبة الدبلوماسية” على غرار الكتائب النشطة في حرب 15 أبريل، واستشهد سالم بكلمات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي وصفه بالزعيم والقائد وقال ” نحن في كتيبة الدبلوماسية سنمضي حتى آخر رجل منا كما قال زعيمنا وقائدنا الفريق البرهان” وأكد أن الوزارة مع حرب الكرامة مهنئا القوات المسلحة بالانتصارات في مدينة بارا وكردفان، ثم قال أنهم مع “السلام”.

وأكد دبلوماسي إسلامي أن سالم وعمر سيعملان مع بعضهما في تناغم لصالح الدولة العميقة، وقبل أن تنقضي ساعات تقدم عمر باستقالته من موقعه كوزير دولة بالخارجية

من سألناهم عن وزير الخارجية والتعاون الدولي الجديد، من زملائه الدبلوماسيين، تطابقت إجابتهم وإن اختلفت طريقتهم في الرد، بعضهم فضل لغة دبلوماسية وقال “لا يخالف رأي القيادة” وآخر قال “رجل مطيع سينفذ ما يطلب منه دون اعتراض” وآخرهم ذهب إلى لغة أكثر مباشرة وقال مستخدما تعبيرا إنجليزيا ” محي الدين سالم Yes Man” ومضى قائلا “طوال فترة عمله لم يكن صاحب موقف، لذلك دائما كان مقربا من الوزير” وختم قوله “لم يكن يعرف قبل الإنقاذ بأنه من الكوادر الإسلامية في الوزارة ولكن قدم للإسلاميين خدمات أكثر من كوادرهم المعروفة وبالذات لعلي عثمان محمد طه”.

ارتباك الوزارة
شهدت وزارة الخارجية ارتباكا واضحا عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، وفي سابقة لم تشهدها الدبلوماسية السودانية، أصدر عدد من السفراء بيانا عبروا فيه عن رفضهم للإنقلاب العسكري، الذي أيده الإسلاميين “الكيزان” في الوزارة، واصفين ما حدث في ذلك اليوم ب”تصحيح مسار الثورة”، وفقا لما أعلن قائد الإنقلاب عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان حميدتي، وبطبيعة الحال أصدر البرهان قرارا بعزل رافضي الإنقلاب مؤيدي حكومة الفترة الانتقالية ورئيس وزرائها عبد الله حمدوك، وشمل قرارالعزل ستة من السفراء أول الأمر وهم: السفير عبد الرحيم أحمد خليل في الاتحاد الأوروبي، والسفير نور الدين ساتي في الولايات المتحدة، والسفير علي بن يحيى أبي طالب في سويسرا، والسفير عبد الرحيم صديق في قطر، والسفير جعفر كرار في الصين، والسفير عمر بشير مانيس في فرنسا.

أول المناصب القيادية له في الخارجية، كانت عندما تولي علي عثمان محمد طه الوزارة، قربه واعتمد عليه بشكل كبير، ثم صعده مديرا لمكتب الوزير

ثم صدر قرار بتعيين علي الصادق وكيل الوزارة وزيرا مكلفا، عقب الحرب تضاعف ارتباك الوزارة، وظهر وجهها الصريح الموالي للنظام البائد، وباتت الوزارة تسير عبر “لجنة أزمة” متخفية لا تكشف عن نفسها، فقط يشاهد الناس بيانتها، يديرها عتاة الإسلاميين في الوزارة، وفي الذكرى الثالثة لقرار البرهان الذي قضى باعفاء الدبلوماسيين الستة، أصدرت لجنة مقاومة وزارة الخارجية – مؤيدة للثورة- بيان أكدوا فيه تحول الوزارة إلى أداة قمع في يد الإسلاميين وجاء في البيان “السيطرة الشاملة من قبل الإسلاميين والقوى الظلامية على وزارة الخارجية” وأشار البيان إلى تماهي الجنة الأزمة مع خطاب الإسلاميين الداعم استمرار الحرب.
وبالشواهد وبحسب المراقبين لم تعد بيانات الخارجية تختلف عن بيانات الجيش، وفي مرات تكون أكثر تشددا في الدعوة إلى استمرار الحرب ورفض الحلول التفاوضية، كما حدث بعد لقاء البرهان بمنظمة الإيقاد في جيبوتي في 6 نوفمبر 2023، عند لقائه الرئيس الجيبوتي الذي يرأس دورة منظمة الايقاد وقتها، وطلب منه التوسط لإحلال السلام وصرح البرهان بعد اللقاء “بحثت مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قبلة كيفية مساهمة منظمة الايقاد ومساهمته الشخصية في ايقاف الحرب من خلال دفع المبادرات القائمة سواء ان كان منبر جدة او مبادرة الايقاد.” وطلب منهم التدخل لأجل السلام في السودان.

في سيرة وزير الخارجية المعين حديثا، يمثل الإسلاميين والإمارات علامة استفهام كبيرة

وترتب على طلب البرهان عقد قمة طارئة بالرقم (41)، تمخض عنها بيان متقدم أعلن فيه عن موافقة الطرفين البرهان وحميدتي على عقد لقاء مباشر بينهما، غير أن وزارة الخارجية اعترضت على البيان الختامي للقمة الطارئة، وأوردت أسباب كثيرة للاعتراض مطالبة بتصحيح فقرات البيان على الرغم من وجود ممثلة للخارجية في صياغته ومن بيان النقاط “تصحيح ما ورد بشأن موافقة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد. اذ ان السيد رئيس مجلس السيادة إشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف إطلاق دائم للنار وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها”. وفعلا ذهب البرهان للقاء رغم اعتراض الوزارة، الذي غاب عنه حميدتي، وبعدها تبنت الخارجية التصعيد مع الإيقاد إلى أن أعلنت تجميد عضوية السودان فيها، وفي عهد رئيس الوزراء المعين كامل إدريس كان حظ وزارة الخارجية أوفر في الارتباك وسيطرة الإسلاميين مما كان عليه بعد الانقلاب والحرب، وبالذات بعد تعيين ابن الدولة العميقة على قمة الوزارة.

كامل : رئيس وزراء وزير خارجية
قبل أن يتم تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء، أصدر البرهان قرارا بتعيين السفير دفع الله الحاج وزيرا لشؤون مجلس الوزراء مكلفا بمهام رئيس الوزراء- لم ينفذ القرار وفضل البقاء سفيرا في المملكة السعودية- وعين كذلك السفير عمر صديق وزيرا للخارجية، بكامل الصلاحيات، غير أن تعيين كامل خفض هذه الصلاحيات، بعد أعلن رئيس الوزراء المعين أن عمر صديق وزير دولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، قبل السفير عمر هذا التخفيض، ولما سألنا عن سبب التخفيض والقبول قالت المصادر أن كامل إدريس قرر تولي حقيبة الخارجية بنفسه معتمدا على علاقاته الدولية وإجادته لغات، – وهذا ما انفردت بنشره (ديسمبر) في أعداد سابقة -، مع وعد عمر صديق بأن يكون وزير الخارجية الفعلي في ظل انشغال إدريس بمهام رئاسة الوزراء، ولكن الوعد تحطم بإعلان تعيين محي الدين سالم وزيرا للخارجية، ثم اعتذر عمر صديق واستقال.

” طعام قادة النظام البائد كان يطبخ في منزل محي الدين ويرسل إليهم في السجن”

محي الدين سالم وعمر صديق
ساد ارتياح كبير وسط الإسلاميين في وزارة الخارجية لتعيين سالم وعمر في قيادة الوزارة، وأكد دبلوماسي إسلامي أن سالم وعمر سيعملان مع بعضهما في تناغم لصالح الدولة العميقة، وقبل أن تنقضي ساعات تقدم عمر با سفالته ونشرها في الإعلام، مؤكدا أن حكومة كامل إدريس كان ميلادها متعثرا، فضلا عن أن الصراعات في الخارجية لن تنتهي بتعيين ابن الدولة العميقة قائدا لها.
وبحسب مصادر مطلعة هناك شكوك كبيرة في أن يتمكن سالم من حلحلة المشاكل الإدارية العالقة في الوزارة على الأقل، المتعلقة برواتب السفراء والتزامات البعثات الدبلوماسية وتسيير السفارات، والمتأخرات المالية المتراكمة، وكذلك معالجة الارتباك في تنقلات السفراء والسكرتيرين والإداريين في السفارات العاملة في الخارج.

سالم وعلى عثمان طه
في الاستقصاء عن سيرة سالم، قالوا أول المناصب القيادية له في الخارجية، كانت عندما تولي علي عثمان محمد طه الوزارة، قربه اعتمد عليه بشكل كبير، ثم صعده مديرا لمكتب الوزير، في الفترة من 1996-1999وأصبح سالم مؤثرا في القرار، غير أن من سهل له الانضمام للسلك الدبلوماسي كان الاقتصادي الشهيرعبد المنعم منصور الذي تربطه به صلة قرابة ونسب.
وقبل أن يجلس في بوابة مكتب على عثمان كان سالم رئيسا للبعثة السودانية في دولة الإمارات، التي سيعود إليها لاحقا وتمتد علاقته بها إلى اليوم، وبعد أن غادر علي عثمان الوزارة عاد سالم للإمارات في 1999 حتى 2004 ولكن هذه المرة سفيرا ممثلا للنظام في أبوظبي، وكانت هذه محطة لافتة في سيرة الرجل، وهذا ما أكده جميع من تحدثنا إليهم لجهة أنه استطاع أن يخلق علاقة مميزة مع القيادة في دولة الإمارات وهي علاقة مباشرة مع الشيخ محمد بن زايد، وتولى الترويج لدعم حكومة السودان، ووفقا لهذه الثقة حصل على نصيب كبير من أموال الاعمال الخيرية من دولة الإمارات ومؤسسات زايد الخيرية لصالح جمهورية السودان، غير أن سالم فضل أن تذهب هذه الهبات والأموال المخصصة للأعمال الخيرية عبر علي عثمان طه، رئيسه في الوزارة، والذي جيرها لصالح التنظيم لا لصالح السودان، أو بالأحرى لصالح نفوذه في التنظيم.
ولما عاد سالم من السفارة في الإمارات في 2004 لم يمضي وقتا حتى وجد نفسه مديرا لمكتب علي عثمان طه مرة أخرى، ولكن هذه المرة منتدبا من وزارة الخارجية وعلي عثمان نائبا أول للرئيس، وفي هذه المرحلة لم تنقطع علاقة محي الدين بالمؤسسات الخيرية في الإمارات والثقة لا تزال مستمرة وكل شيء كان بين يدي النائب الأول، وبعد نيفاشا ومغادرة علي عثمان المنصب، تمت مكافئته بمنصب سفير في أديس أبابا ومندوب السودان الدائم لدى الاتحاد الأفريقي، وظله سالم يعامل بطريقة خاصة في الوزارة ويترقى في المناصب المميزة، وعلاقته بالإمارات وقيادات الدولة من الإسلاميين تزداد توطيدا.

الإسلاميين والإمارات

في سيرة وزير الخارجية المعين حديثا، يمثل الإسلاميين والإمارات علامة استفهام كبيرة، وبعد أن سرد لنا السفير الذي طلب حجب اسمه سيرة الرجل وعلاقته بالقيادي الإسلامي علي عثمان محمد طه، والمعاملة الخاصة في الوزارة أعدت عليه السؤال :هل محي الدين سالم إسلامي قال “هم مجموعة دفع الله الحاج، وحسين عوض، وعمر صديق، وسالم، لا يمكن أن تقول عليهم إسلاميين كيزان منظمين، ولكنهم تماهوا مع الإنقاذ، حفاظا على المنصب و المصالح ولكن ما يمكن أن نقوله عن محي الدين سالم أنه أصبح ملكيا أكثر من الملك، ثم مضى يقص علينا وقائع تؤكد ما ذكر وقال” بعد الثورة كانت سيارات قادة النظام مخبأة في منزل محي الدين ومن بينهم الفاتح عز الدين الذي اشتهر بعبارة رب رب” ومضى قائلا “طعام قادة النظام البائد كان يطبخ في منزل محي الدين ويرسل إليهم في السجن”. أعدنا عليه السؤال مرة ثالثة ” كل ذلك والرجل ليس كوزا” اكتفى المصدر بالضحك.
أما عن علاقته بالإمارات قال “الضجة التي أثيرت في وجه وزير الثروة الحيوانية أحمد التجاني المنصوري يستحقها محي الدين بجدارة” وأضاف “علاقة سالم بالأمارات ليست مع القطاع الخاص، ولكن مع المؤسسات الرسمية وظل عضوا في معهد الثقافة الدبلوماسية في أبوظبي حتى وقت قريب”.
ابن الدولة العميقة
من سيرة وزير الخارجية والتعاون الدولي المعين حديثا، محي الدين سالم، وبحسب إفادته يوم أداءه القسم، ووفقا لإفادات من عملوا معه، من الدبلوماسيين، ليس من المتوقع أن يحدث الوزير اختراقا دبلوماسيا بعيدا عن ما تريده الدولة العميقة، المتحكمة في وزارة الخارجية منذ انقلاب أكتوبر 2025، والتي قبضت عليها بالكامل بعد حرب 15 أبريل، وسالم سار في درب كامل إدريس في ما يتعلق بدعم استمرار الحرب وتجاهل الحلول الدبلوماسية وآخرها بيان الرباعية الداعي لإيقاف الحرب، وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وهدنة إنسانية مدتها ثلاثة أشهر، قال مصدر “محي الدين سيكون مطيعا لقيادة الجيش، والإسلاميين في الوزارة، فهو ابن الدولة الكيزان العميقة وله تاريخ التعامل معها”.

نقلا عن صحيفة ديمسبر – العدد 20

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *