معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء الماضي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى جولة مفاوضات جديدة في سويسرا في الرابع عشر من أغسطس المقبل بمشاركة السعودية ( راعي مشارك للتفاوض إلى جانب أمريكا) وكل من مصر والإمارات والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كمراقبين.

 

وقال بلينكن في دعوته أن المفاوضات تهدف إلى وقف العنف في جميع أنحاء البلاد والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين ووضع آلية مراقبة وتحقق قوية من أجل تنفيذ أي اتفاق، كما أشار إلى أن المحادثات لن تعالج قضايا سياسية أوسع نطاقاً ذلك لأن العملية السياسية هى من شأن الاطراف المدنية.

 

فور ظهور الدعوة الأمريكية على منصات الإعلام أعلن قائد قوات الدعم السريع موافقته عليها بينما لم تُصدر القوات المسلحة أي موقف حتى تاريخ كتابة هذه السطور (بعد مرور 72 ساعة على إعلان الدعوة).

 

تأتي المبادرة الأمريكية بعد تعطل جميع المنابر التي تمت فيها مفاوضات وقف إطلاق النار ( جدة، المنامة)، وذلك بعد عدة أشهر من تعيين المبعوث الأمريكي توم بيريللو الذي انخرط منذ تعيينه في جولات مكوكية في الإقليم شملت عواصم أفريقية وعربية ذات تأثير مباشر في قضية الحرب فضلاً عن عقد لقاءات واسعة مع مختلف القوى في الساحة السودانية.

 

ويبدو جلياً أن خلاصة جولات المبعوث أفضت إلى ضرورة أن تأخذ بلاده بزمام المبادرة وأن تتولى الإشراف المباشر على المفاوضات على أعلى مستوى (وزير الخارجية بلينكن) وبإشراك الأطراف المؤثرة على مسار الحرب. ويتضح من نص المبادرة (وجود السعودية كراعي ثاني) أنها لا تهدف لإلغاء منبر جدة وإنما تسعى لإستكماله بثقل أكبر وزخم دولي أوسع يُعطي وقف الحرب في السودان أولوية واضحة.

 

ومن هنا تنبع أهمية التعاطي الإيجابي من قبل الطرفين المتحاربين (الجيش والدعم السريع) مع المبادرة الأمريكية بإعتبارها فرصة قد لا تتكرر في ظل المعطيات الدولية والظروف الأمريكية الداخلية، خصوصاً وأن الحكومة التي تقف وراءها تمثل الدولة التي تمتلك أكبر أدوات ضغط و تأثير في المجتمع الدولي.

 

تحتاج إدارة الرئيس بايدن وهو يستعد لمغادرة البيت الأبيض إلى تحقيق مكاسب سياسية تضاف لرصيدها وكذلك لإعطاء الحزب الديمقراطي قوة دافعة في المعركة الإنتخابية، وقد كانت أولوية الإدارة تتجه نحو وقف الحرب في غزة التي يبدو أن إتفاقاً حولها بين إسرائيل وحماس بات وشيكاً، وبظهور المبادرة الأخيرة يبدو أن الإدارة الأمريكية وضعت حرب السودان التي تمثل أكبر كارثة إنسانية في العالم في قمة أولوياتها.

 

ومن ناحية أخرى، لا تُخفي واشنطون قلقها من عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران وحكومة الأمر الواقع في السودان، وأيضاً تنامي علاقة الأخيرة مع روسيا وتأثير ذلك على أمن البحر الأحمر الذي يشهد إضطراباً شديداً يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن والتجارة الدوليين. فضلاً عن أثر إستمرار الحرب في زعزعة الإستقرار في منطقة القرن الإفريقي الموبوءة أصلاً بالجماعات الإرهابية وعصابات تهريب البشر والجريمة العابرة للحدود.

 

إن تفويت هذه الفرصة الذهبية سيعني غياب الدور الأمريكي المُهم لشهور طويلة قادمة ذلك لأن إنتخابات الرئاسة تبقى لها أقل من أربعة أشهر، وأن أي إدارة قادمة (سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية) لن يتثنى لها ترتيب ملفات السياسة الخارجية إلا بعد مرور عدة أشهر قد تمتد لمنتصف العام القادم (الرئيس يستلم في أواخر يناير).

 

وفي ظل غياب القوى الدولية الضاغطة واستمرار الحرب تزداد كل يوم إحتمالات الذهاب للفوضى الشاملة التي تتمثل أهم شواهدها في تنامي خطاب الكراهية والإنقسام الإجتماعي والتدخل الخارجي السالب وتفاقم المجاعة و الكارثة الإنسانية فضلاً عن نذر إنهيار الإقتصاد التي بدأت تتجلى بوضوح في التوقف شبه التام للقطاعات الإنتاجية وإنخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار وشح السلع والمواد التموينية وارتفاع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة.

 

يتوجب على قيادة القوات المسلحة أن ترجع البصر كرتين وتقرأ الواقع الداخلي (مسار الحرب)  والمعطيات الإقليمية والدولية بعيداً عن الأوهام و تأثير الأصوات والأبواق التي تدعو لإستمرار الحرب، فمسؤولية الحفاظ على الجيش والبلد تقع على عاتق هذه القيادة التي تعلم أن تلك الأصوات الناعقة كانت من قبل تُمني الناس بحسم المعركة في ساعات محدودة فإذا بالحرب تستمر لأكثر من 15 شهراً دون وجود أي أفق لحسم عسكري وشيك.

 

لا يتوقع ملايين النازحين واللاجئين، نساء وأطفال ورجال، من قيادة القوات المسلحة شيئاً سوى إصدار قرار بقبول الدعوة الأمريكية دون إشتراطات مسبقة تؤدي إلى إجهاض هذه الفرصة النادرة في هذا التوقيت المهم.

 

ومن جانب آخر، لا يكفي أن يقبل الطرفان ( الجيش والدعم السريع) بالذهاب للتفاوض في سويسرا من أجل إرضاء الوسطاء أو لكسب الوقت، بل يجب أن يذهبا “بإرادة كاملة” للوصول إلى إتفاق يوقف العنف ونزيف الدم، فقد ثبت من تجارب التفاوض السابقة في جدة والمنامة أن نقص الإرادة هو السبب الحقيقي وراء عدم التوصل لأي إتفاق والإلتزام بنصوصه.

 

بابكر فيصل

المبادرة الأمريكية فرصة أخيرة يجب إغتنامها

دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء الماضي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إلى جولة مفاوضات جديدة في سويسرا في الرابع عشر من أغسطس المقبل بمشاركة السعودية ( راعي مشارك للتفاوض إلى جانب أمريكا) وكل من مصر والإمارات والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كمراقبين.

وقال بلينكن في دعوته أن المفاوضات تهدف إلى وقف العنف في جميع أنحاء البلاد والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين ووضع آلية مراقبة وتحقق قوية من أجل تنفيذ أي اتفاق، كما أشار إلى أن المحادثات لن تعالج قضايا سياسية أوسع نطاقاً ذلك لأن العملية السياسية هى من شأن الاطراف المدنية.

فور ظهور الدعوة الأمريكية على منصات الإعلام أعلن قائد قوات الدعم السريع موافقته عليها بينما لم تُصدر القوات المسلحة أي موقف حتى تاريخ كتابة هذه السطور (بعد مرور 72 ساعة على إعلان الدعوة).

تأتي المبادرة الأمريكية بعد تعطل جميع المنابر التي تمت فيها مفاوضات وقف إطلاق النار ( جدة، المنامة)، وذلك بعد عدة أشهر من تعيين المبعوث الأمريكي توم بيريللو الذي انخرط منذ تعيينه في جولات مكوكية في الإقليم شملت عواصم أفريقية وعربية ذات تأثير مباشر في قضية الحرب فضلاً عن عقد لقاءات واسعة مع مختلف القوى في الساحة السودانية.

ويبدو جلياً أن خلاصة جولات المبعوث أفضت إلى ضرورة أن تأخذ بلاده بزمام المبادرة وأن تتولى الإشراف المباشر على المفاوضات على أعلى مستوى (وزير الخارجية بلينكن) وبإشراك الأطراف المؤثرة على مسار الحرب. ويتضح من نص المبادرة (وجود السعودية كراعي ثاني) أنها لا تهدف لإلغاء منبر جدة وإنما تسعى لإستكماله بثقل أكبر وزخم دولي أوسع يُعطي وقف الحرب في السودان أولوية واضحة.

ومن هنا تنبع أهمية التعاطي الإيجابي من قبل الطرفين المتحاربين (الجيش والدعم السريع) مع المبادرة الأمريكية بإعتبارها فرصة قد لا تتكرر في ظل المعطيات الدولية والظروف الأمريكية الداخلية، خصوصاً وأن الحكومة التي تقف وراءها تمثل الدولة التي تمتلك أكبر أدوات ضغط و تأثير في المجتمع الدولي.

تحتاج إدارة الرئيس بايدن وهو يستعد لمغادرة البيت الأبيض إلى تحقيق مكاسب سياسية تضاف لرصيدها وكذلك لإعطاء الحزب الديمقراطي قوة دافعة في المعركة الإنتخابية، وقد كانت أولوية الإدارة تتجه نحو وقف الحرب في غزة التي يبدو أن إتفاقاً حولها بين إسرائيل وحماس بات وشيكاً، وبظهور المبادرة الأخيرة يبدو أن الإدارة الأمريكية وضعت حرب السودان التي تمثل أكبر كارثة إنسانية في العالم في قمة أولوياتها.

ومن ناحية أخرى، لا تُخفي واشنطون قلقها من عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران وحكومة الأمر الواقع في السودان، وأيضاً تنامي علاقة الأخيرة مع روسيا وتأثير ذلك على أمن البحر الأحمر الذي يشهد إضطراباً شديداً يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن والتجارة الدوليين. فضلاً عن أثر إستمرار الحرب في زعزعة الإستقرار في منطقة القرن الإفريقي الموبوءة أصلاً بالجماعات الإرهابية وعصابات تهريب البشر والجريمة العابرة للحدود.

إن تفويت هذه الفرصة الذهبية سيعني غياب الدور الأمريكي المُهم لشهور طويلة قادمة ذلك لأن إنتخابات الرئاسة تبقى لها أقل من أربعة أشهر، وأن أي إدارة قادمة (سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية) لن يتثنى لها ترتيب ملفات السياسة الخارجية إلا بعد مرور عدة أشهر قد تمتد لمنتصف العام القادم (الرئيس يستلم في أواخر يناير).

وفي ظل غياب القوى الدولية الضاغطة واستمرار الحرب تزداد كل يوم إحتمالات الذهاب للفوضى الشاملة التي تتمثل أهم شواهدها في تنامي خطاب الكراهية والإنقسام الإجتماعي والتدخل الخارجي السالب وتفاقم المجاعة و الكارثة الإنسانية فضلاً عن نذر إنهيار الإقتصاد التي بدأت تتجلى بوضوح في التوقف شبه التام للقطاعات الإنتاجية وإنخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار وشح السلع والمواد التموينية وارتفاع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة.

يتوجب على قيادة القوات المسلحة أن ترجع البصر كرتين وتقرأ الواقع الداخلي (مسار الحرب) والمعطيات الإقليمية والدولية بعيداً عن الأوهام و تأثير الأصوات والأبواق التي تدعو لإستمرار الحرب، فمسؤولية الحفاظ على الجيش والبلد تقع على عاتق هذه القيادة التي تعلم أن تلك الأصوات الناعقة كانت من قبل تُمني الناس بحسم المعركة في ساعات محدودة فإذا بالحرب تستمر لأكثر من 15 شهراً دون وجود أي أفق لحسم عسكري وشيك.

لا يتوقع ملايين النازحين واللاجئين، نساء وأطفال ورجال، من قيادة القوات المسلحة شيئاً سوى إصدار قرار بقبول الدعوة الأمريكية دون إشتراطات مسبقة تؤدي إلى إجهاض هذه الفرصة النادرة في هذا التوقيت المهم.

ومن جانب آخر، لا يكفي أن يقبل الطرفان ( الجيش والدعم السريع) بالذهاب للتفاوض في سويسرا من أجل إرضاء الوسطاء أو لكسب الوقت، بل يجب أن يذهبا “بإرادة كاملة” للوصول إلى إتفاق يوقف العنف ونزيف الدم، فقد ثبت من تجارب التفاوض السابقة في جدة والمنامة أن نقص الإرادة هو السبب الحقيقي وراء عدم التوصل لأي إتفاق والإلتزام بنصوصه.

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *