معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

 

 

 

قالت الصحفية والمحللة السياسية القيادية بحزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي إن عدم اكتمال البناء القومي للدولة السودانية منذ الاستقلال أغرى العسكريين للتدخل، مشيرة إلى أن انقلاب الجبهة الإسلامية جاء لقطع الطريق على الإجماع الذي كان في طور التخلق آنذاك، على عكس الانقلابات الأخرى التي تأتي لحسم الخلافات بالقبضة الحديدية.

وأضافت رباح في حوار أجراه معها (استقصائي) أن الضباط المهنيين في الجيش عارضوا الإنقاذ فارتكب النظام في حقهم أكبر مجازر القوات المسلحة بإعفاء مئات الضباط آنذاك وتعذيب بعضهم بأبشع وأقذر الوسائل، مشيرة إلى أن ضباطا كثيرين أمثال العميد السر أحمد سعيد، وعصام الدين ميرغني، وعبد الرحمن خوجلي وثقوا في كتب مرجعية للعدوان الكبير على المهنية وعلى الجيش الذي ارتكبه الإنقاذيون في السودان.

وإلى تفاصيل الحوار:

 

نشأت خلال حكم الإنقاذ، علاقة تربط بين الانتماء للإسلام السياسي أو الولاء لهذا التيار ؛ ومفهوم “العسكرية وعسكرة الحياة العامة في السودان”، في تقديرك ما الأسباب؟

  • عسكرة الحياة العامة ظاهرة شهدتها معظم بلدان الجنوب بعد نيل استقلالها في منتصف القرن العشرين، فلم ترتبط بنظام الإنقاذ. تضافرت في ذلك عوامل داخلية وإقليمية ودولية عديدة. فمع عدم اكتمال البناء القومي وتعثر التجارب الديمقراطية التي لم تنبت على أراضٍ صديقة للديمقراطية، ولم تستصحبها ديمقراطية اجتماعية اقتصادية ثقافية تنهض على جذور وأصول حضارية راسخة، وواجهتها تحديات ونشأت حولها استقطابات أغرت المؤسسات العسكرية للتدخل مدفوعة بأيد أجنبية عديدة، وحتى لا نغرق في التفصيل فالأمر أظنه درس ومحص كثيراً، أود التركيز على الدور الذي انفردت به دكتاتورية الجبهة الإسلامية الأخيرة. فقد اختلفت في أنها لم تأت لحسم الخلاف والاستقطاب بالذراع الحديدية كما في كثير من التجارب بل جاءت لقطع الطريق على الإجماع الذي تخلق في نهاية الديمقراطية الثالثة حول خطة السلام والتوافق القومي، ولذا كانت شرسة في معاداة الجميع واعتبار كل من ليس جبهة إسلامية رجسا من عمل الشيطان. هذه الشيطنة انسحبت على كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، ومن مقتضاها تصفية كل وجود غير جبهجي داخل الخدمة العامة مدنية كانت أم عسكرية. لذلك الأصح أن نصفها بأنها جبهجة للحياة العامة في السودان، فالعسكريون غير الجبهجية عانوا كثيراً كذلك.

 

_     وطّد (الجهاد) الذي أعلنته السلطة في مطلع التسعينات الصلات بين العسكريين، والإسلاميين، فإلى أي مدى ترى أن لتلك التجربة دورا في ولاء معظم العسكر للإسلام السياسي؟

 

  • لا أتفق مع هذه المقولة، فادعاء النظام البائد الجهاد كان ادعاء زائفاً ينقض عرى المواطنة وعهدها وقد انطلق من جهة غير شرعية وغير مأذونة شرعياً بإعلان الجهاد، لذلك انتقده عسكريون وسياسيون كثر على أسس وطنية وضعية وانتقده آخرون من منطلقات إسلامية أدانت تلاعب الإنقاذ بالدين، وقد روجت الإنقاذ لحربها الجهادية عبر أبواق شعبوية مضللة متلاعبة بالعاطفة الدينية لكثير من الشباب الذين غرر بهم في تلك الحرب. ولازدياد معارضة العسكريين المهنيين لتلك الألاعيب فقد ارتكب النظام أكبر مجازر القوات المسلحة بإعفاء مئات الضباط آنذاك وتعذيب بعضهم بأبشع وأقذر الوسائل. لقد وثق ضباط كثيرون أمثال العميد السر أحمد سعيد، وعصام الدين ميرغني، وعبد الرحمن خوجلي في كتب مرجعية العدوان الكبير على المهنية وعلى الجيش الذي ارتكبه الإنقاذيون في السودان.

 

_     هل هناك تلاق بين “العقيدة العسكرية” للجيش السوداني وآيديولوجيا الإسلام السياسي، جعل من العقيدة العسكرية معبرا عن الإسلام السياسي دون غيره من المفاهيم السياسية؟

  • أولا دعني أطرح جانبا مصطلح الإسلام السياسي، فالإسلام كدين فيه محتوى سياسي بالضرورة يحض على العدل والشورى والحرية والكرامة الإنسانية. بينما التيارات التي يطلق عليها هذا المصطلح محض متاجرة بالدين ومستغلة لرصيده العاطفي الشعبي في سعيها للسلطة، ويمكن أن نطلق عليهم الإسلامويون والإسلام منهم براء، وأفضل استخدام تسمية الجبهة كتنظيم معروف مسؤول عن الخراب الذي ألم بالسودان.

أما عن التلاقي بين أيديولوجيا الجبهة القومية الإسلامية دون غيرها وبين الجيش أقول: لقد ظل الجيش أداة لاستخدام كل صاحب مشروع لا يلتزم بالديمقراطية لا الجبهة وحدها. حدث ذلك على مستويات مختلفة، سواء في قيادة الجيش أو في صغار ضباطه في تجاربنا الماضية، وذلك لضعف العقيدة العسكرية المنضبطة، ولتسلل المرض الانقلابي بين ضباط كثيرين لأسباب عديدة منها على سبيل المثال الأسوة بالتجارب الإقليمية والنشاأة المشوهة بين الذراعين العسكري والمدني إبان الاحتلال الأجنبي. فالانقلابية ليست عقيدة عسكرية مقرة أو مجازة في أي نظام حكم، لكنها دليل على ضعف ووهن العقيدة العسكرية المنضبطة والمخولة بحماية النظام الدستوري، بينما يخرق العسكر الدستور في انقلابهم برغم أدائهم القسم. الانقلابية إذن عدوان على العقيدة العسكرية.

وبالنسبة للجبهة فإنها حينما قامت بانقلابها كانت على خصومة محتدمة مع معظم المجموعات في الجيش السوداني حتى إن مذكرة الجيش عشية الانقلاب، في 20 فبراير 1989م كانت ترى أن وجود الجبهة في الحكومة كان خصماً على الجيش معنوياً ومادياً، وبرغم ذلك ادعت الجبهة في خداعها اللا محدود في البيان الأول أنها حركة من قيادة الجيش وهيئة أركانه. وقد فضحت اعترافات الانقلابيين لاحقاً أن الانقلاب كان مدنيا وجبهجي الوجه واليد واللسان وقد شارك فيه مئات من المدنيين بزي عسكري. لكن صحيح أن الجبهة ما كانت تستطيع أن تخدع الجيش ولا أن تمرر انقلابها وتحصل على إذعان أسلحة الجيش المختلفة بالسهولة التي جرت لولا استشراء المرض الانقلابي في جسد الجيش السوداني بصورة مريبة، وهذه الحقيقة فضحها بجلاء كتاب السيف والطغاة للسر أحمد السعيد فهو يوضح كيف كان الجميع تقريبا لا يحترم الحكم المدني باعتباره قرينا للفوضى، ويعتقدون أن عليهم كجيش التدخل السريع لاستعدال الأمور.

 

_في تقديرك، هل أخفت الميول السياسية للقادة هوية القوات النظامية القومية؟

  • الموضوع ليس الإخفاء بل الذبح. فقادة الجبهة في سعيهم للتمكين وتثبيت أقدامهم سعوا لذبح قومية القوات المسلحة، وتصفية كل من عداهم ولذا شرد الضباط الذين لا يوالون الجبهة، واتخذت سياسة حزبية للتجنيد في صفوف الجيش والقبول في الكلية الحربية، واتخذت برامج تدريب مؤدلجة مربوطة بأدبيات ما يسمى بالمشروع الحضاري، وكانت سياسة الترقية والتنصيب في المناصب القيادية مستندة على سمت الولاء والسبق الحزبي مما دك أسس الترقي المعهودة ومزق أسس الضبط والربط المعروفة في الجيش. لقد صار جيش الجبهجية خلقا جديدا لم تشهده أعراف العسكرية، وانتهى بهم الأمر للخوف حتى من بعضهم الآخر وبالتالي قام البشير، الوجل من أن يخونه زملاء تواطأوا معه على خيانة شيخهم المشترك، بسحب البساط من تحت أقدام الجيش والاستناد على مليشيات قبلية سمى قائدها (حمايتي).. وبالطبع إن كان أخو العقيدة مظنة الخيانة، فأخو الارتزاق مظنته أشد، وقد كان.

 

_     وكيف السبيل إلى تنقية القوات النظامية من الولاءات السياسية خاصة الإسلام السياسي؟

  • هذا سؤال صعب. والإجابة عليه تتطلب معرفة بخارطة الجيش الحقيقية، فالجيش موبوء بأهل الولاء للجبهة هذه حقيقة معلومة، لكن ليس كلهم جزءا من خطة الإقصاء والقضاء على الآخرين وحتى على الوطن إن لزم من أجل بقائهم تحت شعار (فليدم للدين مجده ولترق كل الدماء). لذلك فإن تصفية التمكين في القوات المسلحة ينبغي أن تستند لخبرة لصيقة، ولخطة تدريجية تدفعها المصلحة الوطنية لا التشفي ولا العنتريات والفرقعات الإعلامية التي اتخذت أحيانا بصورة شوهت الحكم الانتقالي وأهرقت أسس العدالة، والعدالة هي أهم شعارات ثورتنا الظافرة بإذن الله. ينبغي أن يكون القائمون على خطة إعادة قومية ومهنية وانضباط القوات المسلحة على قدر كبير من النزاهة، وبعد النظر، والحكمة، والمعرفة ببؤر المؤامرة، والأبعد عن الاستجابة للوشايات، والشخصنة والمحسوبية وغيرها من أشكال الفساد. كما ينبغي اتخاذ سياسة تجنيد للجيش من شباب لجان المقاومة مع الحرص على التزام الجميع بالمسلك القومي والابتعاد عن الأجندة الحزبية أيا كان لونها. مع الحرص بالطبع على البناء القومي وتمثيل التنوع بعدالة.. وهناك معضلات عديدة يجب التعامل معها باتزان وحكمة كالتعامل مع قوات الدعم السريع والحركات المسلحة والمليشيات العديدة الموازية التي خلقها النظام البائد. الموضوع ليس سهلا ومحاط بقنابل وألغام، وبواقع معقد للغاية، وبأشواق وأهداف معلنة للثورة، ولكن أحيانا (التدورو كله تعدمو كله) فمن الضروري التدرج والمضي بأولويات واضحة، لعل من أهمها تصفية الترسانة الاقتصادية والمصالح الضخمة المرتبطة بها والتي تجعل الجيش الحالي معيقا أساسيا لأي تحول ديمقراطي ليس بأهداف دينية آيديولوجية بقدر ما هو بأهداف دنيوية مصلحية بحتة. أما شعار احموا عقيدتكم وقفوا في وجه التدخل الأجنبي التي يحركها قادة الجيش الآن فهي ضمن ثوب الفرعون الذي لا يستر.. ومن أتى بالتدخل الأجنبي؟

 

_     هل تعتبرين الهيكلة أوإعادتها التي تطالب بها قوى الثورة تفكيكا للجيش؟

  • قطعا لا، لا أحد وطنيا أو عاقلا يريد تفكيك الجيش، المطلوب هو تفكيك التمكين الجبهجي داخل الجيش. أما إعادة الهيكلة فلا أظن يعارضها أحد وهي أمر منصوص عليه في اتفاقية جوبا، وصار معلوما للقاصي والداني أنه لا يمكن أن تستقر بلد فيها التكوينات العسكرية الرسمية متناسلة، والتكوينات الأهلية المسلحة تضاهي الأحزاب السياسية عدداً، لا بد من جيش قومي واحد وهذا لا يتأتى بدون إعادة الهيكلة لاستيعاب التنوع ومخاطبة الظلامات، وتصفية التمكين، والوصول لجسم واحد قومي محتكر للسلاح.

 

_     وفي تصورك، كيف يمكن أن تتم هيكلة القوات النظامية؟

  • لا بد من خطة متوافق عليها يتم الوصول إليها بمشاركة كل أهل الشأن الوطنيين. المشكلة الآن أن قادة القوات المسلحة الحاليين يرفضون ما يسمونه تدخل مدنيين غير منتخبين في قضايا إصلاح الجيش وهيكلته مشيرين إلى أن أي إصلاح ينبغي أن تقوم به الحكومة المنتخبة بعد نهاية الفترة الانتقالية. بينما الإصلاح المطلوب مسألة مهمة وملحة لا يجب أن تترك لما بعد الحكومة المنتخبة. وهناك إصلاحات لن تقدر عليها أي حكومة منتخبة وتجربة الديمقراطية الثالثة خير شاهد على مشاكل انفراد العسكر بالقرار العسكري، فقد صاغوا قانونا يجعل وزير الدفاع بلا صلاحيات تقريباً. ومشاكل الجيش الآن وسيطرته على مفاتيح الاقتصاد والسياسة والعسكرية في البلاد هي قضايا مدنية سياسية في المقام الأول، وينبغي الاتفاق عليها والتوافق حولها بين الجميع وبقيادة مدنية، فالجيش هو أحد أذرع السلطة التنفيذية التي يقودها المدنيون. التعامل مع الجيش كسلطة منفصلة خطل حقيقي في تصور قيادة الجيش الحالية لدورها إذ تفسر ما نص عليه من حمايتها للنظام الدستوري بأنها وصية على المشهد، وقد كرر البرهان من قبل حديثه (نحن أوصياء) هذا الوهم يعكس قصوراً حقيقياً في التنشئة العقدية للضباط الحاكمين اليوم، فهم لا يدركون تخوم دورهم وواجبهم، ويضخمون حجم سلطتهم. لذلك فإن الاتفاق على علوية السلطة المدنية الانتقالية في قرار هيكلة الجيش خلال أي حل متفاوض عليه يعتبر مسالة أساسية، لكن هذا لا يعني إقصاء المؤسسة العسكرية خاصة الضباط الاكفاء الذين أبعدتهم الإنقاذ عن الطاولة. انما ينبغي إبعاد الانقلابيين الذين خانوا العهد والاكتفاء بمخارجتهم لقاء تسليمهم السلطة للشعب إذا فعلوا.

 

_     هل تحتاج العقيدة العسكرية إلى تجديد؟ وكيف يتم ذلك؟

  • ذكرت أن العقيدة العسكرية تفككت في السودان وأصيبت بالهزال الانقلابي. هذا جعل مناهج التنشئة والتطوير في الكلية الحربية والجيش خالية منها ونهباً للسوس الانقلابي لينخر في عقول وقلوب الضباط خاصة الأقل تأهيلا، ومعلوم أن العقيدة العسكرية القائمة على الضبط والربط والالتزام بحماية الدستور والخضوع للسلطة المدنية تتنافى والانقلابية، وتتعارض مع الولوغ في العمل الحزبي وخدمة الأجندة الحزبية. الأحزاب مهمة جدا في النظام الديمقراطي، لكنها مضرة جدا إذا حقنت أجندتها في الجيش أو استخدمت العسكرية للوصول لأهدافها. ينبغي تقوية التنشئة على العقيدة العسكرية القويمة والتحصن ضد أمراض الانقلابية والتخريب المحزبن. ويمكن الاستعانة في ذلك بالتجارب العالمية السليمة.

 

_     هل كان لعسكرة أعضاء تنظيم الحركة الإسلامية من خلال “الدفاع الشعبي” دور في إلصاق الولاء للإسلام السياسي بالجيش على حساب عقيدته القومية؟

  • الدفاع الشعبي نشأ كفكرة إبان الحكومة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل،  وكانت تنوي عبره القيام بتسليح نظامي منضبط للجماعات المتضررة من هجمات التمرد المسلحة على المدنيين العزل. لكن نظام الإنقاذ نفذ الفكرة بصورة سيئة ضمن تحشيده الديني الإثني، ثم صار الدفاع الشعبي وغيره من المسميات كالأحجار الكريمة، الشرطة المجتمعية، الأمن الشامل، وكتائب الظل بأشكالها المختلفة، ما علمنا منها وما خفي، صارت كلها وسائل استخدمت لخلخلة أنسجة القوات النظامية وعمل بدائل تتدخل في وقت الحاجة لضرب هذا وذاك، كما كانت تلك التكوينات المتكاثرة انعكاسا لتعدد مراكز القوى وتصارعها في النظام. وقد شكلت أحد مظلمات القوات المسلحة وأحد أشكال زعنفتها من سلطتها كمحتكر رسمي مفروض للسلاح.

_     ما الذي يتوجب على مهندسي الاتفاق الذي تجري تفاهمات بشأنه للتأسيس لقيام جيش مهني واحد غير “مسيس”؟

  • سبقت الإجابة على هذا السوال والخلاصة ضرورة التوافق على خطة مبرمجة متوافق عليها.

_ هل خصم ارتباط الجيش بالإسلام السياسي خلال فترة الإنقاذ من رصيد قومية قوات الشعب المسلحة؟

  • نعم، لم تعد القوات المسلحة قومية بل لها طابع جبهجي صارم في التجنيد والترقية وتسمية القيادات، لكن كما ذكرت هذا الغزو الجبهجي ينبغي أن يخضع لدراسة لمعرفة رؤوسه المشعة بالموامرة، ونقاط الارتكاز المطلوبة لتصفية التمكين الحزبي فيه.

_على الرغم من أن قانون القوات المسلحة يحظر على منسوبي القوات الانتماء السياسي إلا أن بعضهم لا يرون أدنى حرج في الإفصاح بانتمائهم للحركة الإسلامية، مما يشير إلى حدوث خلط بين العقيدة العسكرية وآيديولوجيا الإسلام السياسي، فهل هناك تفسير خاطئ لمفهوم ولاء الجيش لله والوطن، باعتبار أن بعض من تأثروا بخطاب الإنقاذ يرون الانتماء للإسلام السياسي ولاء لله، ومحظور على العسكريين الولاء لغيره؟

  • ذكرت أعلاه أن الهجمة الجبهجية على الجيش صفت كافة ملامح ومرتكزات الضبط والربط في التجنيد وفي الترقيات وفي تسمية القيادات فصار الأمر فوضى، وبالرغم من نصوص قانون القوات المسلحة الواضحة صار القائد الأعلى للقوات المسلحة هو البشير وفي نفس الوقت رئيس حزب الموتمر الوطني قبل أن يتنازل عن الرئاسة بينما نظامه يلفظ أنفاسه الأخيرة.. واذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص! هذا ليس دليلا على تآخي العقيدة العسكرية مع ايديولوجيا بعينها، بل الدليل المتواتر من كل الجيوش المؤدلجة والمحزبنة أنها تنحر بسكين الولاء والحزب الضبط والربط وتحط بالمهنية والكفاءة العسكرية لتبلغ الدرك الأسفل من الانحطاط.

ما هي أسباب ضعف ووهن العقيدة العسكرية المنضبطة والمخولة لحماية النظام الدستوري ؟

  • هذا الضعف لم يجر خبطة واحدة، بل غزا كالسرطان جسد الجيش السوداني متمددا من مرحلة إلى أخرى. ومن أهم أسبابه أن قوى الاحتلال الثنائي اهتمت بقوة دفاع السودان باعتبارها مساندا لها في الحفاظ على الأمن وقمع التمردات داخلياً، وفي خوض حروبها الخارجية كما حدث إبان الحرب العالمية الثانية. ولذلك كان الحرص على اختيار ضباط من نخب نيلية لا تنتمي للجهات المهمشة التي درجت على تحدي وعصيان إدارة الاحتلال، هذا مع الريبة والملاحقة التي كانت من حظ التكوينات السياسية والمدنية من أحزاب وصحافة ونقابات. هذه التفرقة شكلت بداية شكلا من العلوية في تصور ضباط الجيش، واحتقار للتكوينات المدنية حتى إن لفظة (ملكي) تعد أبلغ الشتائم لدى الجياشة. ترجمت هذه العلوية في أشكال اجتماعية اقتصادية نفخت فيها وزادتها الحكومات العسكرية التي تسلطت على أكثر من 80% من عمرنا الوطني المستقل.

ـ ماهي الدوافع الإنقلابية في ظنك للمكون العسكري بقيادة البرهان، هل هي: محض شهوة سلطة ، أم مخاوف من المحاسبة، أم رغبة في حماية المصالح المالية الواردة من الخليج، و من المؤسسات الاقتصادية للجيش؟

  • كل ذلك ياتي ضمن الدوافع، فشهوة السلطة وحلم والده أنه سيحكم حاضر، والامتيازات الاقتصادية المهولة بلا رقيب متوفرة، والمحفزات الإقليمية حاضرة، والمخاوف من خطاب الانتقام موجودة، وهناك أيد أجنبية حضته وأيدت طموحاته منها إسرائيل، ودول المحور اختلفت درجات تأييدها وتغيرت مواقفها، مثلا أيدته في البداية مصر كحليف في قضيتها المشتعلة في سد النهضة. لكن المشهد الآن يبدو في حالة تخلق مستمر وأحيانا تختلط الكروت.. نسأل الله أن يحفظ السودان وأن يهلك الظالمين بالظالمين ويخرج أفواج هذا الشعب النبيل من بينهم سالمين.
  • حاورها محمد القاضي
Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *