معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 البلابسة.. رحلتي من “أسبوع أسبوعين” لمواجهة التنين 
 استقصائي – تقارير 

قبل عامين وبضعة أيام، خرج علينا الصوت متزامنًا مع صوت دوي المدافع والموت في الخرطوم. كانت للحياة “ساعات ونحسم المعركة ونرفع التمام للقائد العام. انتصرنا ولا دعم سريع بعد اليوم”.
بعدها بأسبوع، خرج صوت آخر يحدثنا: “أسبوع أسبوعين وينتهي كل شيء”.

نعم، انتهى كل شيء: البيوت، العربات، الذكريات، البنية التحتية، المشافي، الكباري، القصر، مجلس الوزراء، المتحف بتاريخه الضارب في الجذور.
انتهى الأمر بالشعب إلى أن يُقتلع من جذوره، أن يغادر على عجل محمولًا على بكاسي التهريب. انتهى به الأمر من “سيد بلد” يقوم وينام على كيفه، إلى مجرد لاجئ عليه التحرك بعيدًا عن مرمى “الكشات”.

المعركة التي كانت بين “طرفين” وفي شارعين، القيادة والقصر، وصلت نيرانها إلى كل مكان. الآن، لم يعد في البلد مكان آمن.
من تركوا الحرب في الخرطوم لحقت بهم في مدني، ومن تركوها في مدني لحقت بهم في سنجة، ومن غادر سنجة لم يجد الأمان في أم درمان، التي كانت للسلام. من هرب من تدوين الأبيض لحقته مسيرات الموت عند ساحل البحر الأحمر، وفي عطبرة وشندي وكوستي، وسقطت “النهود” من جبل حيدوب في حفرة الخوف والانتهاكات.

وحده نفس الزول ما زال يحدثنا: “اقتربت ساعة النصر”، و”المليشيا إلى زوال”.
المفارقة أن من يحدثنا عن “كرامة” قتال المليشيا، هو نفسه يصنَّف الآن كمليشيا إسلاميين، ويقف عن يمينه مليشي آخر يتوشح كاكي القبيلة، وربما الجهة.
ساعات تدمير المليشيا الواحدة أنتجت عشرات المليشيات، ولا يزال الحبل على الجرار، والخطر يحدق بالناس من كل اتجاه.
كنا ننتظر أن تُحسم المليشيا لنعود لحياتنا، الآن علينا الاستعداد لقتال عشرات المليشيات.
يقول مواطن يرفض أن يتحدث عن مكانه، فقد يغادره في الغد، ويكمل: السودان الذي لم أره ساعة سلام، جُبتُ كل مناطقه هروبًا من الموت.

بعد طلقة الحرب الأولى، خرج رئيس وزراء حكومة الثورة المنقلب عليها بواسطة أطراف الحرب، عبد الله حمدوك، ليقول: “يجب أن تتوقف هذه الحرب، فلا يوجد منتصر على أشلاء شعبه”.
أشلاء الناس تتحول إلى أشلاء بلد كاملة في ظل سيادة حرب الكل ضد الكل، ومواجهة الكل للكل.
خطابات الكراهية دفعت بنائب قائد الجيش، الفريق شمس الدين الكباشي، للتحذير من انتشار السلاح، وتمدد خطاب الكراهية، وتمدد المليشيات على حساب الجيش.
وهو الأمر الذي ربما يُنبئ بمعركة مؤجلة، برزت ملامحها في خبر يتعلق بإيقاف الجيش تسليح تلك المجموعات الإسلامية المتحالفة معه، وقرر مراجعة إجراءات التجنيد. ورفضت الاستخبارات تكوين هذه الكتائب لأجهزة أمنية خاصة بالاعتقالات والتحقيق، بعد وصول شكاوى من المواطنين حول سلوكياتها، وتقارير متداولة عن ارتكابها انتهاكات وقتل خارج إطار القانون.

مشهد المواجهة بين كتائب ومليشيات الإسلاميين لم يعد مستبعدًا في المشهد السوداني، خصوصًا بعد تداول فيديو لخطاب قائد فيلق براءون “المصباح”، الذي قال من خلاله: “لا يوجد من يملك كلمة علينا، ولا توجد قوة بإمكانها حلّنا”، ناقلًا من كتاب القيادي في الحزب المخلوع، المأسور الآن لدى قوات الدعم السريع، أنس عمر: “إنه لا يوجد من هو أكثر رجالة من الإسلاميين”.

الخطابات المنطلقة من “الرجالة” والفراسة ربما كانت المشهد الأبرز في حرب السودان، ومناصريها من “البلابسة” الذين انطلقوا بالحرب من نقطة أنها حرب لهزيمة الدعم السريع و”القحاتة”، إلى حرب ضد المتعاونين مع أهل المدن التي سقطت في يد الدعم السريع بعد انسحاب الجيش.
وهي الحرب التي يجب أن تُخاض في مسرح “الحواضن” الاجتماعية الداعمة للدعم السريع.
وفي مرات، وبسلاسة، ينقلونها بأنها حرب “كرامة”، مواجهة كينيا، وقبلها إثيوبيا، ويوغندا، والاتحاد الإفريقي، والإيقاد.

هي حرب ضد “الدويلة” في إشارة إلى دولة الإمارات العربية الداعمة لقوات الدعم السريع، والخطاب ينتهي إلى قرار صادر من مجلس الأمن والدفاع باعتبار دولة الإمارات “عدوًا”، وإعلان مقاطعتها، وسحب السفير والقنصلية.
وهو القرار الذي كان رد الفعل الرسمي الإماراتي عليه قولهم إن من أصدره لا يمثلون إرادة الشعب السوداني.

في وقت لم يخفت فيه صوت المواجهة بين السودان والإمارات، ينفي وزير المعادن السوداني، أبو نمو، خبرًا منسوبًا له بإيقاف تصدير الذهب السوداني للإمارات.
لكن طلبًا من حكومة الصين لرعاياها بمغادرة السودان، يحوِّل معركة “البلابسة” من مواجهة أبوظبي إلى مواجهة بكين والتنين الصيني.

في وقت لا تزال فيه نيران المسيرات التي استهدفت مقار ومؤسسات في العاصمة المؤقتة بورتسودان مشتعلة، ولا يزال من كانوا ينتظرون ساعات نهاية المعركة تغلفهم الحيرة، بعد أن وصلوا بورتسودان… إلى أين ستكون محطة نزوحهم الجديدة؟

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *