معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

تحقيق_ استقصائي

وضع غلاء أسعار الأدوية والخدمات الطبية، المئات من المرضى في السودان بين خياري “الموت” أو البحث عن التداوي بعيدا عن المستشفيات بـ “الحنظل” و “القرض”.

ذلك بعد أن فرضت وزارة الصحة ولاية الخرطوم في خطوة مفاجئة زيادات كبيرة على أسعار الخدمات الصحية بالمستشفيات، تراوحت نسبتها بين 500% و1500%.

ووصف مسؤولون بمؤسسات طبية تحدثوا لـ”استقصائي” الزيادة في أسعار الخدمات الصحية بـ”الخيالية” وغير المنطقية، مشيرين إلى اضطرار مرضى منومين بالمستشفيات إلى مغادرتها.

وأبدى مرافقو مرضى بالمستشفيات استياءهم الشديد من تلك الزيادات التي فوجئ بها بعضهم عند نوافذ الحسابات، معلنين عجزهم عن تحمل نفقات علاج مرضاهم.

واستجلاء للحقائق، وبحثا عن أسباب الزيادات أجرى “استقصائي” التحقيق التالي.

رسوم خيالية

وتدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل لافت في السودان منذ استيلاء الجيش على السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 ، حيث تضاعفت الأسعار عشرات المرات، ومازالت في تصاعد شبه يومي.

وإزاء الضائقة الاقتصادية التي أحكمت قبضتها على رقاب المواطنين، فرضت وزارة الصحة بولاية الخرطوم رسوماً خيالية على أسعار الخدمات الطبية.

فبلغت رسوم الفايل من 4200 بدلاً من 600 جنيه وبلغت الإقامة بالمستشفى 2000 لليوم بدلاً من تقديمها مجاناً فيما بلغت تكلفة عملية الولادة القيصرية 30 ألف جنيه بدلاً من مجاناً بجانب أن الأشعة بلغت 1500 جنيه بدلاً من 300 جنيه وبلغت الموجات الصوتية 2000 جنيه بدلاً من 150 جنيها وأقل فحص أصبح 500 جنيه.

أما في مستشفى التميز فبلغت رسوم فايل الإقامة الطويلة 12 ألف جنيه بدلاً من 600 جنيه وبلغت الأشعة المقطعية 22 الف جنيه بدلاً من 1500 وتضاعفت رسوم الفحوصات العادية كالملاريا وغيرها 15 مرة، وقال بعض المرضى لـ(استقصائي) عندما ذهبنا لإدارة مستشفى التميز لنعلم ما الذي أدى إلى هذه الزيادات قالوا لنا إنه قرار من والي ولاية الخرطوم ونحن طبقناه فقط.

ركود في سوق “الدواء”

ورصد (استقصائي) خلال جولة ميدانية، معاناة مواطنين داخل مستشفيات وصيدليات بالخرطوم من الزيادات التي أثقلت كاهلهم.

البداية كانت من مستشفى الخرطوم حيث ذهبنا إلى مكتب المدير الطبي لمعرفة أسباب الزيادات وهناك التقينا بالسكرتيرة التي أخبرتنا أنها أوصت زميلاتها بتجهيز أوراق للمرضى للذهاب إلى ديوان الزكاة.

وحرصت سكرتيرة المدير الطبي أن تعبِّر لنا عن استيائها من العمل لافتة إلى أن رواتبهم ١٠ آلاف جنيه فقط.

وأضافت، قائلة: على المرافقين سحب مرضاهم بعد هذه الزيادات التي لا تتناسب مع الكثير منهم.

ثم دخلنا إلى المدير الطبي الذي رفض التحدث لنا خوفاً من إيقافه مثل مدير مستشفى إبراهيم مالك.

وذهبنا الى بعض الصيدليات حيث أخبرنا الصيدلي متوكل محمد أن الأدوية المحلية زادت بنسبة تتراوح من 30 إلى 35% والمستوردة بنسبة 10% وأكثر.

وأشار الدكتور متوكل إلى أن كثيرا من المواطنين عجزوا عن شراء الدواء، واضاف (المواطن بقى ما قادر يشتري والدواء بقى ليو زي الرفاهية وأكثر من طاقته)، كاشفاً عن ركود كبير في شراء الدواء بجانب انعدام الأدوية المنقذة للحياة.

وأضاف أن 80% من الأدوية المتوفرة مصنعة محلياً متوقعاً خروج كثير من الشركات المستوردة من السوق لارتفاع التكلفة التشغيلية إضافة لعدم استقرار سعر الصرف.

وبحسب متوكل فإن الصيدليات أصبح لا يدخلها إلا المضطر، وتابع كثير من الصيدليات توقفت وأغلقت تماماً.

معاناة ومأساة

وبالحديث عن زيادة أسعار الخدمات الطبية والأدوية قال المواطن جعفر طه لـ(استقصائي) والدي مريض بمستشفى التميز منذ أكثر من أسبوعين وكانت الإقامة مجاناً وبعد الزيادة أصبح اليوم بـ 2000 جنيه بجانب زيادة أسعار الفحوصات والأدوية.

ويضيف جعفر إنه اضطر لإخراج والده من المستشفى والعودة به إلى المنزل  لعدم قدرته على سداد تكاليف المستشفى الباهظة.

وقال (ما عارفين البلد دي موديانا وين لكن الله في) مناشداً المنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني بالتدخل الفوري لمساعدة المواطن الذي لا يستطيع توفير وجبة واحدة.

وفي ذات السياق، شكت المريضة أم كلثوم نور الدائم التي تعاني من سرطان في الثدي من زيادة المواصلات وارتفاع تكلفة العلاج والأدوية.

وأضافت أن جلسه الإشعاع كان سعرها  بسيط والآن أصبحت ٢ ألف ولديها ١٥ جلسة لا تستطيع سداد  رسومها، وختمت حديثها، قائلة: “الواحد لو ما عندو إلا يموت”

من جانبه أكد الطبيب بمستشفى إبراهيم مالك يوسف فضل الله تطبيق زيادة أسعار الخدمات الطبية في كل الأقسام بالمستشفى  بنسبة وصفها بالقليلة.

وقال فضل الزيادة ليست حكراً على المستشفيات الحكومية بل حتى الخاصة التي  تتعامل مع الموضوع كاستثمار ولا تراعي للمواطن و موارده المحدودة.

وتابع لكن في المقابل تخفيض الأسعار يمثل عائقا للمريض في عدم حصوله على جميع الخدمات ونحن نحلم بتوفر الخدمات الأساسية في المستشفيات بقيمة مادية جيدة و أعلى جودة ممكنة حتى تتم خدمة المرضى بصورة جيدة و مريحة.

زيادات أسعار العلاج تفاقم معاناة المرضى

إدانة ورفض

من جانبها، أدانت نقابة أطباء السودان الزيادات الفلكية في أسعار الخدمات الصحية.

وقالت في بيان لها إن الأسعار قفزت بشكل أدهش حتى واضعيها فمثلا الفحوصات الروتينية تضاعفت إلى أكثر من خمسة أضعاف في المتوسط، والعمليات الجراحية من شبه المجانية إلى أكثر من ثلاثين ألفا والولادة الطبيعية من ٦٠٠ جنيه الى عشرة آلاف جنيه و القيصرية من خمسة آلاف جنيه إلى ثلاثين ألف جنيه.

وطبقا لبيان نقابة الأطباء زادت قيمة المقابلة بالعيادة المحولة إلى أكثر من ألف جنيه بزيادة سبعة أضعاف (هذا على سبيل المثال) مما يشكل ضغطاً مضاعفاً على المواطنين.

وأعلنت نقابة أطباء السودان الشرعية رفضها التام لهذه الميزانية الجبائية التي تزيد رهق المواطن، ودعت كافة الادارات الوطنية بالمستشفيات الحكومية لرفض هذه الزيادات فوراً.

كما دعت كافة شركاء الحقل الصحي للتصعيد الثوري ضد هذه الميزانية وتنظيم المؤتمرات الصحفية، والوقفات الاحتجاجية، والمواكب الثورية و الإضرابات المتصاعدة للمساهمة في إسقاط هذا النظام عاجلا.

بالمقابل وصف رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك ياسر ميرغني حكومة ما بعد 25 أكتوبر بالفاشلة والداعمة للفساد والرأسمالية المتوحشة.

وقال في حديثه لـ(استقصائي) (الما بهمو بفقرك ما توليهوا أمرك) مشيراً إلى أن المستشفيات الحكومية كانت بها الخدمة ناقصة وبأسعار معقولة وكان المستهلك يحضر من خارج المستشفى “القطن والشاش والحقنة الفاضية).

ووصف ميرغني الزيادات الأخيرة في أسعار الخدمات الطبية بغير المنطقية وغير المقبولة وقال إنها مرفوضة  وللمستهلك رب يحميه.

ودعا وزارة الصحة بولاية الخرطوم إلى التنازل عن هذه المستشفيات لصالح المجتمع المدني (جمعية حماية المستهلك وجمعيات أصدقاء المرضى).

واضاف أنهم مستعدون لتقديم الخدمة مجاناً للشعب السوداني ونستطيع إدارتها.

غياب الرقابة

وبحسب مدير إدارة الصيدلة والسموم بمحلية الخرطوم مجدي طه لـ(استقصائي) فإن تأثير زيادة أسعار الخدمات على الأدوية كبير، وأن الزيادات شملت كل شيء.

وأضاف أن زيادة رسوم ترخيص الشركات المستوردة للأدوية بلغت 450 ألف جنيه بدلاً من 50 ألف جنيه بجانب زيادة رسوم التسجيل الجديد للشركات إلى 950 ألف جنيه، وأن تجديد الترخيص للشركة بلغ 49510 آلاف بدلاً من 10 آلاف وترخيص الصيدلية بلغ 19 الف جنيه.

ونوه طه إلى أن الزيادات في المستشفيات شملت كل شيء حتى رسوم الفايل ووصلت نسبتها 500% وستؤثر على كل شيء.

وأضاف أن الشركة تضع كل زيادة للجازولين والوقود والكهرباء وغيره على الدواء لتغطية كل الخسائر، لافتا إلى عدم وجود رقابة مما جعل كل شخص يزيد بمفرده.

وكشف الدكتور مجدي أن الزيادات لم تأت من الوالي أو الوزارة بل تم رفعها من قبل رؤساء الأقسام بالمستشفيات والوزارات والأمين العام للمجلس القومي للصيدلة والسموم بالولاية وبعد ذلك تم تصديقها من الوالي ثم وزارة المالية.

وأردف حتى مدير عام وزارة الصحة رفعت له توصية بهذه الزيادات من المستشفيات وهو لم يضعها، ومضى بالقول ما حدث لمدير مستشفى إبراهيم مالك تناقض لأنه كان من ضمن اللجنة التي وضعت الزيادات ورفض تطبيقها.

زيادة عالمية

ووفقا لرئيس شعبة مستوردي الأدوية د.يوسف شكاك فإن المجلس القومي للأدوية والسموم  وافق لشركات استيراد الأدوية بتطبيق الزيادة في أسعار الأدوية بنسبة 10%  لتحقيق ضمان الوفرة الدوائية.

وقال شكاك في حديثه لـ(استقصائي) إن الزيادة جاءت بعد إلزام شركات الأدوية بإحضار خطاب رسمي من الشركة المصنعة لتفعيل الزيادة المتفق عليها في فترة زمنية أقصاها 5 أيام من صدور الإعلان، بجانب تقييم ورصد الآثار المترتبة على الزيادة التي طرأت على الأسعار خلال الـ 6 أشهر الماضية.

وأضاف أن أسباب الزيادة عالمية نسبةً للتغييرات الاقتصادية التي يشهدها العالم وجائحة كورونا التي أثرت بصورة مباشرة على أسعار المواد الخام الأولية للأدوية وتكلفة الترحيل.

وأوضح شكاك أن سعر شحن الحاوية ارتفع من 2 ألف دولار إلى 11 ألف دولار مؤكداً ارتفاع سعر الأدوية المصنعة محلياً بنسبة 30%.

مأساة زيادات أسعار الخدمات الطبية

زيادة منطقية ومعقولة

وبحسب مديرعام وزارة الصحة ولاية الخرطوم محمود القائم عبدالله لـ(استقصائي) فإن هذه الأسعار تجاز كل عام مع الميزانية.

ولفت إلى أنه ومنذ  عام2018  لم توضع أي أسعار جديدة والأسعار المتداولة غير حقيقية لذلك لم تستطع المؤسسات الصحية تقديم الخدمات كما أن كل المدخلات الطبية مستوردة ومرتبطة بالدولار.

وقال إن هذه المؤسسات تشتري مواد لتقديم الخدمات وخلال الأربعة أعوام الماضية كل الأسعار ارتفعت.

وأشار عبدالله إلى أنهم في أكتوبر الماضي قاموا بتكوين لجنة من مديري المستشفيات العامة والمتخصصة  لعمل مقترح على الأسعار وتمت مناقشتها عدة مرات مقارنة مع الأسعار خارج المؤسسات الحكومية وتم رفعها للولاية.

وأضاف أن الأسعار تمت مناقشتها في أكثر من 5 اجتماعات بحضور الوالي وأقدم الوالي على تخفيضها أكثر من مرة ووجه بالرجوع للمؤسسات المتخصصة التي أكدت أن هذه الأسعار لا تجعلهم يقدمون أي خدمات.

ومضى يقول: وبعد اعتراضهم قمنا بتخفيضها بنسبة 25% لتقديم الخدمة وتمت إجازتها من قبل الوالي وهذه الزيادة منطقية ومعقولة إذا تمت مقارنتها بالمستشفيات الخاصة.

وأضاف أن هذه الزيادات أقل من قيمتها بكثير وكل من ذهب إى القطاع الخاص يجدها مضاعفة أكثر من 10 مرات، كاشفاً عن إجماع كل من الوالي ووزيري الصحة والمالية ومدير عام الصحة وعضو مجلس السيادة عبدالباقي على أن هذه الأسعار  أقل من قيمتها الحقيقية.

وقال إن هناك أعلى من هذه الأسعار في بعض الولايات وأن الجدل الذي دار حول الزيادة وراء إرجاء القرار إلى حين معالجة أمر المحتاجين وعمل تأمين صحي لمن ليس لديه وكل المعالجات التي يمكن أن تخفف على المواطن.

وتابع قائلاً أنتم كصحفيين اذهبوا الى أي مستشفى خاص واعملوا مقارنات بين أقل خدمة في الخاص والحكومي وسوف تقتنعوا بأن زيادة الأسعار في المستشفيات الحكومية أقل من الواقعية بكثير جداً ويجب ألا تبنوا على زيادة الأسعار، وأردف(شوفوا المريض في المستشفى الحكومي لو ما قدمنا ليو خدمة بالسعر دا سوف يذهب للخاص وفي الخاص نفس الخدمة مرتفعة).

وقال نحن لا نريد أن نربح بالصحة ومهمتنا تقديم خدمة للمواطن بأقل تكلفة ممكنة.

من جانبه قال مدير إدارة المستشفيات بوزارة الصحة الولائية محمد سعيد لـ(استقصائي) إلى الآن لم يطلع على منشور الزيادات، مشيراً إلى أنه تم تعيينه منذ شهر ونصف وتوصية الزيادات رفعت منذ أكتوبر.

وأضاف (اسمع من الناس فقط والسوشل ميديا واحتمال تكونوا عارفين أكثر مني وليست لدي معلومة حولها) وإلى هذه اللحظة ليس لدي معلومة كافية لإفادتكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *