اعتبر محللون وساسة أن خطاب التخوين الذي بدأت تنتهجه مجموعات ثورية منذ انقلاب 25 أكتوبر، شكل عائقا رئيسيا لوحدة قوى الثورة، وتسبب في إجهاض عدد من المحاولات الجادة لجمع كلمة الثوار خلف قيادة موحدة.
وظهرت مؤخرا مجموعات ثورية لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، تشكك في أي خطوة وتخوِّن الجميع.
وبحسب محللين، فإن تلك المجموعات التي ترفض أي طرح، ولا تؤمن إلا بما تراه هي، تسببت في نشر ثقافة عدم الاعتراف بالآخر مما يضيِّق فرص الإيمان بالتعددية والديمقراطية المنشودة.
وتسبب (التشكيك)، و(التخوين) في شق صف الثوار أكثر من مرة، حيث تباعدت المواقف بين أجسام وكتل لأسباب عززها التوجس من “الخيانة”.
وعلى الرغم من وحدة الهتاف، وتطابق المطالب إلا أن المزايدات بين بعض الأجسام الثورية تمثل أثرا لـ(التخوين) بينها.
وحول منشأ المرض الذي تفشى في المجتمع الثوري، قال فريق ممن استطلع (استقصائي) آراءهم، إنه ناتج عن ترسبات من سلوك النظام البائد وجهاز أمنه، إضافة إلى أن بعض الآيديولوجيات المنغلقة وغير المنفتحة على الآراء المختلفة معها بدأت توزع صكوك النضال وتحدد معاييره، كما أن لقصر رؤية بعض القوى الثورية دورا في الانغلاق واحتكار الصواب.
وأبدى مراقبون قلقهم من حملة أطلقها ناشطون وناشطات تستهدف من تجاوبوا ولبوا نداء اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين عقب دعوتها لجان المقاومة وقوى الثورة للحضور إلى دار المحامين لحمايتها من عدوان عناصر النظام البائد عقب قرار المحكمة بإعادة نقابات النظام البائد.
ووصفت الحملة نداء المحامين بـ”مسرحية” أعدتها الحرية والتغيير بهدف كسب تعاطف الجماهير مع تسييرية المحامين وبالتالي تسويق مشروع دستور التسييرية لإتمام التسوية التي تجري.
تخوين وشيطنة
لم يكتف مطلقو الحملة بـ”شيطنة” دعوة تسييرية المحامين فقط، بل صوّبوا سهام “التخوين” إلى صدر كل من لبى النداء من لجان المقاومة والكتل الثورية، فصنفوا كيان غاضبون الذي هرع لنجدة المحامين بالانخراط في خط “التسوية”، ما اضطره للرد ببيان جاء فيه “تابعنا ما حدث بالأمس من اعتداء بواسطة كوادر المؤتمر الوطني المحلول على دار المحامين، تواجدنا مع المحامين ودافعنا معهم عن الدار وتصدينا للاعتداء وأبعدناه، وما حدث من غاضبون هو دعم للمحامين الشرفاء بالدار وليس له علاقة بدعمنا للجنة التسييرية أو الوقوف ضدها، ليست لدينا علاقة بالعمل النقابي والاعتراف من عدمه هو مهمة الجمعية العمومية لنقابة المحامين.
وقالت غاضبون بلاحدود “صدرت بعض الإشاعات بكوننا موافقين على مشروع دستور المحامين لتصدينا للكيزان؛ ما حدث كان مجرد تصرف أخلاقي ورد دين لأساتذتنا الشرفاء ونوضح بأن خطنا السياسي واضح لم ولن نقبل بدستور لم يضعه الشعب السوداني بل وضعته مجموعة نخب مسيسة بأسلوب وصائي.
وأضاف البيان “عليه نحن في غاضبون بلا حدود نوضح أن لا شراكة مع القتلة ولا تفاوض فالحقوق تقتلع ولا مساومة في استرداد الوطن كاملاً ولا للتسوية التي يتم الترويج لها الآن”.
صكوك النضال
وفي هذا السياق قال الناشط في المجتمع المدني محمد عبد السلام بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر أصبح داء التخوين مستشرياً في جسد قوى الثورة وصارت المزايدات سيدة الموقف بسبب قصر النظر والمراهقة السياسية مما جعل محاولات وحدة قوى الثورة المناهضة للانقلاب تراوح مكانها مما أضعف المد الثوري أخيراً كما أن القوى السياسية ليست واضحة وشجاعة في طرح مواقفها وصارت خطوطها السياسية قائمة على ردود الأفعال كما أن لجان المقاومة أصبحت تعاني من الخلافات الداخلية بسبب كثرة المواثيق والمبادرات.
وأضاف هنالك كيانات سياسية وناشطون يشنون الحملات لتوزيع صكوك النضال للآخرين ويطلقون الاتهامات في كل الاتجاهات .
أما الناشط السياسي ياسين صلاح الدين فقال لـ”استقصائي” إن المزايدات السياسية هي إحدى سمات الصراع السياسي في السودان منذ بداية نشوء الأحزاب السياسية، ووصف ياسين المزايدات بوسيلة عاجزة يلجأ لها الخصم عندما لا يستطيع دحض حجة المنافسين، ودائما ما تعلو المزايدات والاتهامات عندما تحرز أحد الأحزاب أو التحالفات السياسية تقدما يزيد من شعبيتها، أو عندما يستطيع قيادة عملية سياسية مؤثرة.
وأضاف، لكن تختلف الوضعية الآن عن السابق، الآن الجماهير تستطيع الوصول للحقائق عبر وسائل عديدة ولا يمكن احتكار المعلومات ونشرها حسب ما تهوى فئة معينة.
أغراض أمنية لـ(التخوين)
وقال صلاح الدين لقد كانت ومازالت الأجهزة الأمنية هي أبرع من يقوم بصياغة خطابات المزايدة والتخوين وتوظيف الأفراد والتنظيمات التي تتوافق أهدافها مع حياكة هذه المزايدات.
قال ياسين لخلق بيئة سياسية معافاة يكون فيها الخلاف السياسي نزيها وشريفا يجب التصدي للكيانات والمنابر والأفراد التي تدير الصراع بهذه الأساليب المضرة، وتقع مسؤولية كبيرة أيضا على أجهزة الإعلام المختلفة في تحري الدقة في نشر المعلومات والتحقق من مدى صحتها، إضافة إلى فضج نوايا وأهداف الجهات التي تقوم بعمليات الابتزاز السياسي.
وقال الناشط السياسي مهند عرابي مازالت نتائج الممارسة السياسية للنظام المباد بأمر ثورة ديسمبر المجيد، في ثلاثين عاما الماضية، تلقي بظلالها على الواقع السياسي السوداني، وما زال هنالك عدم ثقة بين الفاعلين السياسيين يسيطر على المشهد، بالإضافة إلى الحسد والغيرة اللذين يحركان الفاعلين السياسيين تجاه بعضهم البعض، وأرجع ذلك لطبيعة الشخصية السودانية.
وأضاف عرابي ولكن لا يخلو هذا الأمر من أياد تنتهج هذا العمل والأجهزة الأمنية لها دور في زيادة الهوة بين الفاعلين السياسيين من المدنيين والناشطين في السودان.
هوة بين الأجيال
وبحسب مهند فإن الهوة الكبيرة بين الأجيال داخل الفاعلين أنفسهم أعطت مساحة كبيرة للمزايدات السياسية، وأضاف: إذا تمعنا في مواقف الشباب نجد أنهم يرون بأن الثورة ثورتهم وهم من قادوها وقدموا وبذلوا فيها الجهد وهم من ساهموا فيها وهذا ليس صحيحا والصحيح أن كل فئات الشعب مشاركة في الثورة، فالقوى السياسية نظمت وأدارت وحشدت الدعم الدولي والإقليمي والدبلوماسي والسياسي حتى سقط النظام.
ولفت مهند إلى نشوء مواقف متصلبة لبعض التنظيمات الشبابية في الكتلة الثورية الشبابية التي يطلق عليها لجان المقاومة حيث أصبح من لا ينضوي تحت لجان المقاومة ولا خطهم السياسي في نظرهم خائن للثورة وعدو وليس مناضلا وخائن لدماء الشهداء وهم وحدهم من يملكون النقاء الثوري والتقليد الثوري والوطني، كل هذه العوامل ساعدت في المزايدات السياسية، وقطعا هنالك أياد أمنية ساهمت في ذلك.
وطبقا لمهند فإن هناك ثلاثة عوامل ساهمت في انتشار ظاهرة المزايدات الثورية، أولها تكوين وتركيبة المجتمع السوداني وثانيها الهوة الكبيرة بين الأجيال وانعدام الثقة فيما بينهم وطبيعة التفكير المختلفة، والعامل الثالث هو الغيرة السياسية بين الفاعلين السياسيين، حيث نجد كثيرا من المواقف المنضبطة ولكن لا تجد استحسانا من الفاعلين لأنهم لم يكوا جزءا، وأشار إلى أن المزايدات تجعل مسألة إدارة الخلافات مسألة صعبة وربما مستحيلة.
إدريس عبدالله