معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

 

قطع ثوار وأعضاء لجان مقاومة بأن الحل السياسي أو (التسوية) نهاية حتمية لأي ثورة شعبية، إلا أنهم بينوا لـ(استقصائي) رفضهم للاتفاق الإطاري الذي جرت مراسم توقيعه صباح اليوم بالقصر الجمهوري بين العسكريين والمدنيين ممثلين في الحرية والتغيير وبعض أحزاب الانتقال الديمقراطي.

وفيما أعلن ثوار تأييدهم للاتفاق، تباينت أسباب رفض من عارضوه، فبينما رأى فريق أن الاتفاق لم يخاطب جذور الأزمة، وأنه يفتقر للالتفاف الجماهيري، قال الأغلبية إن الاتفاق تضمن شراكة مع العسكريين، وتجاوز قضية العدالة.

وعلى الرغم من أن الاتفاق نص صراحة على خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية، إلا أن هناك من يصر على أن ذلك لا يعدو كونه مجرد حبر على ورق.

ودفع التوجس وعدم الثقة بعض المستطلعين إلى التساؤل عن ضمانات الاتفاق الذي في نظرهم يظل مهددا للإطاحة به من قبل العسكريين في أية لحظة.

قبول ورفض

وتباينت الآراء حول التوقيع الاطاري بين القوى السياسية و المجلس العسكري(التسوية) بين القبول و الرفض .

وقال المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم معاذ خليل إنه ضد التسوية لأنها تعمل علي إنتاج التجربة القديمة التي أثبتت فشلها مع قادة موسسة عسكرية لديهم طموحات سلطوية واضحة جدا.

وبحسب معاذ فإن الحل يكمن أولا في توحيد قوى الثوره عبر مواثيق لجان المقاومة وتكوين أكبر كتلة مقاومة للانقلاب ومن ثم استخدام الأدوات السلمية لإسقاط الانقلاب.

وقال المهندس أسامة خاطر إنه  لا يوجد فرق بين الاتفاق الطارئ الذي تم توقيعه اليوم، واتفاق حمدوك مع العسكر في 21 نوفمبر 2021، فالاتفاقان لم يستمدا شرعيتهما من الشارع الثوري لذا فمصيرهما الفشل، مشيرا إلى أن الاتفاق (الأحادي) لن يساهم في حل المشكلة.

وأضاف خاطر، قائلا: إنه لا بد من إثبات أن نهاية أي ثوره شعبية تسوية سياسية تضمن عدم تكرار الأسباب الرئيسية لقيام الثورة . وعدم إفلات المجرمين من العقاب ومحاسبة كل المتورطين في ارتكاب أي جرم ضد الدولة ومنتهكي حقوق الإنسان ومن أضروا بالمصلحة العامة (فساد و..  الخ).

الحلول نوعان

ومضى خاطر يقول: نظرا للوضع السياسي الراهن يوجد نوعان من الحلول :-

الأول، يتمثل في اتفاق سياسي يشمل كل القوى السياسية الثورية المفجرة لثورة ديسمبر وكل القوى الثورية الأخرى(كل الحركات المسلحة التي قاتلت النظام البائد) لضمان الاستقرار السياسي . مع ضمان عدم إفلات قادة المجلس العسكري من المحاسبة (والنقطة الأخيرة من المستحيلات أن تتحقق في الفترة الراهنة).

والحل الثاني هو مواصله العمل الثوري مع إدراك أنه سيستمر لفترات طويلة لا يمكن التنبؤ بمداها (حتى لو ذهب حميدتي والبرهان فسيخلفون بعدهم حميدتي وبرهان آخر .. وهكذا ).

 

قال عضو لجان مقاومة جنوب الحزام أحمد كوستا إنه ضد التسوية لأن التسوية في تقديره لم تخاطب جذور الأزمة ولم تحقق مطلب إصلاح المنظومة العدلية والعسكرية ومحاسبة مرتكبي انقلاب 25 أكتوبر،  ودمج الدعم السريع في القوات المسلحة .

وحدة الأجسام الثورية

ويرى كوستا أن الحل يكمن في توحيد كل الكيانات والأجسام الثورية والسياسية ما عدا الحركة الإسلامية ووضع وثيقة تضم كل الفئات المذكورة ويتم التوقيع عليها وعرضها على المجتمع الدولي والشعب السوداني تخاطب جذور الأزمة الحقيقية وتتضمن إصلاح المنظومة العسكرية والعدلية واتفاق سلام جوبا وإدارة الفترة الانتقالية بواسطة حكومة مدنية الخ…. وتحل مشاكل المواطن البسيطة.

 

وحول الفرق بين التسوية الحالية واتفاق حمدوك، قال كوستا إن

اتفاق حمدوك كان عبارة عن اتفاق لحقن الدماء ومحاسبة مرتكبي جرائم فض الاعتصام وقتل الشهداء، أما التسوية الحالية لم تلمس قضية فض الاعتصام ولا محاسبة قتلة الشهداء وهي عبارة عن حجز لمقاعد وكراسي للحرية والتغيير في الفترة الانتقالية ليس أكثر.

وفي ذات الصدد كتب الصحفي محمد الأقرع في صفحته بالفيسبوك حول التسوية السياسية الكل الفارغ من التسوية (1)

 

ـ على نحو متوقع، لم تخيب “قحت” ظن قوى الثورة في المضي قدماً نحو تسوية سياسية جديدة تعيد الأوضاع إلى ما هو أسوأ من ذي قبل ـ إبان حكمها السابق ـ وتمنح قادة الانقلاب بوليصة جديدة للبقاء وحصانة من المحاسبة وتشتت القوى الفاعلة في الشارع وتحاول قطع طريق التغيير.

 

ـ اجتهد مناصرو التسوية في الترويج بأن الشارع فقد أدواته على إحداث الإسقاط المنشود وأن الاتفاق هو عملية مرحلية لإنهاء الانقلاب تليها خطوات أخرى من الداخل لإحداث التحول وتفكيك بنية النظام العسكري وسلطة النظام المباد، على الرغم من أن النظر إلى “كوب” هذه التسوية المتوقعة يؤكد أنه فارغ تماماً بل ويعتريه الاتساخ.

 

ـ بدأت “قحت” هذه الطريق بالتدليس وعدم الشفافية، عبر اصطكاك مصطلح “العملية السياسية” واستخدامه بديلاً للتسوية علماً بأن الثورة نفسها والحراك الدائر في الشارع هو كذلك يقع تحت تصنيف العملية السياسية فالساحة عموماً تدور فيها عمليتان أساسيتان “عسكرية أو سياسية”، الركون لهذا المصطلح ليس له سبب سوى أنهم يريدون التدليس على الجماهير ومن ثم تقديم نصر زائف.

 

–  حاولت “قحت” أمس تصدير خبر بأنها رفضت الجلوس إلى تحالف الكتلة الديمقراطية لاصطحاب عناصر انقلابية غير مرغوب فيهم “أردالة”، رغم أن الوقائع القادمة ستثبت وجودهم ضمن التسوية الجارية وأن هذا الاعتراض مجرد دعاية لاستمالة الشارع وحتى لحظة كتابة هذه السطور مناديب “قحت” مازالوا يتوافدون إلى منزل “مناوي” بالخرطوم لإقناعه بالتوقيع، لكن تبقى أن الإشارة المثيرة للإشمزاز أن ذات الحرية والتغيير قبلت بالجلوس مع “البرهان” نفسه  وتوصلت معه لتفاهمات ومع القوى التي سقطت مع نظام البشير فما المانع إذا من مقابلة (الأردالة) وغيرهم ..؟!.

 

ـ قطاع كبير من مناصري التسوية  يرون أنها ستبعد جبريل وأردول وهو أيضا تصور عاجز فأنت لا يمكن أن تفترض أن النصر في القضاء على الظل وترك جسده ورأسه الذي هو شريك لك، هذه التسوية سوف تشمل جبريل وبل والتوم هجو وتؤسس لمعادلة مليئة بالتناقضات.

 

ـ الوقائع تشير إلى أن “قحت” وصلت إلى اتفاق كامل مع قادة الانقلاب لكنها تريد تجزئته بدعاوى تخدير الشارع والاشراك الجنائي عبر توسيع أكبر قدر من القوى التي تتبنى الحراك الثوري وتوقيعه معها على جريمة الحصانات والقضايا الأخرى التي لا تريد السير فيها وحدها.

 

ـ حين طرح الثوار في الشارع شعار “العدالة أولاً” كان الهدف معلوم ومفهوم، أن هذه البلاد وعلى طول تاريخها كانت تدخل في تسويات وتجارب مشابهة الأولوية لا تكون لقضية العدالة وعدم الإفلات من العقاب الأمر الذي بدوره يعيد إنتاج ذات المشاهد ويضع الجميع في حال دوران داخل الحلقة “الشريرة”، العدالة أولاً هي المفتاح للدخول إلى فضاء جديد وتبني مشروع وطني والقيام بتسوية تأسيسية تاريخية، لكن “قحت” تريد إنتاج ما قد سبق، بتأجيل قضية العدالة وتمييعها ومنح القاتل حصانات.

 

ـ قد يقول قائل إن الأزمة الآن تهدد وجود البلاد على الخريطة وأن الأسلم هو تبني طريق تسوية يلحق ما تبقى ويرتب الأولويات، وفي الأخيرة لا إفلات من العقاب كما حدث لقادة انقلاب الانقاذ!!، المستخدم لذات الصيغة الترويجية أيضا تغافل عن النظرة التاريخية القريبة بأن كل هذه الأوضاع التي نعيشها الآن سببها التسويات الرخوة على مر العقود، هذا الاتجاه يمضي بنا إلى نقطة تسويقية مشابهة بأن هؤلاء العسكر لديهم سلاح وهم لن يستجيبوا لأي حراك في الشارع يطالب بتقديمهم للمحاكمات ويقتص منهم، هذا التحليل بالتوالي هو نابع من ترويج آخر بأن العسكر يخشون المحاسبة هو بالتأكيد تصور غير سليم يتجاهل الطموح والرغبة البائنة لدى الانقلابيين في الحكم، لكن على العموم وبمسايرة هذا المنطق يطل سؤال الضمانات ومدى قدرة “قحت” على كبح جماح العسكر وإقناعهم بعدم الاستيلاء على السلطة بشكل كامل مجدداً ..؟.

 

ـ بعض داعمي التسوية يرون أنها ستوقف قتل المتظاهرين وتحقن الدماء وهو أيضا تبرير تم تداوله إبان التسوية الأولى واتفاق حمدوك، ورغم طيب النية إلا أن ذلك أمر يحتاج إلى توضيح فإن الشباب الذين نزفوا الدم فعلوا ذلك من أجل مطالب محددة فهل تحققت ..؟ إن كان الموضوع هو حقن الدماء لما كانوا في الأساس خرجوا كان الأفضل أن يستكينوا منذ عهد البشير لكنهم قرروا الخروج وفقاً لقضية وشعار الحرية والسلام والعدالة الذي لا تحققه هذه التسوية، وأنه من الغباء أن تبيع القضية وتبيع الدم تحت هذه اللافتة.

 

ـ من يتوقع أن هذه التسوية قادرة على حقن دماء الشباب السوداني فهو أيضا لا ينظر إلى التاريخ القريب، فقتل الشباب لم يتوقف إبان حكومة “قحت” الأولى والثانية، استشهد الطبيب عثمان والثائر مدثر وعضو المقاومة الأبرز “ودعكر” وغيرهم، هذه التسوية قد تكون مطية لاستخدام عنف أكبر لتصفية حركة الشارع، بعد تجريمه وشيطنته بواسطة صبية التسوية الجدد.

 

ـ يقول قائل كذلك إن هذه التسوية لا تعني عودة الشراكة وهو أمر أيضاً فيه الكثير من التضليل، لأن علم العقود يشير إلى أن عقد الشراكة هو عبارة عن تفريغ ما تم الاتفاق عليه من التزامات في شكل قانوني يكون أطرافه شخصان أو أكثر سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنويا، بالتالي فإن الشراكة مرتبطة بوجود الأطراف ليس بما حوى الاتفاق، وعليه ما دام قادة الانقلاب يوقعون في الاتفاق فهم بالتأكيد أطراف وشركاء في الفترة الانتقالية، هل تستطيع “قحت” في تسويتها إبعاد العسكر من التوقيع على الوثيقة ..؟.

 

ـ مروجو التسوية يعتمدون في خطابهم على أنها المخرج الوحيد الواقعي والواضح الذي يستصحب معه كل التعقيدات والظروف الاستثنائية، وأن خيار الشارع المجرب والذي أسقط “عبود ونميري والبشير” وأفشل الانقلاب غير قادر على تحقيق نصر، هذا الاعتقاد يفتقر إلى التعمق في جوهر الأزمة وغاية الثورة التي لا يرغب المنخرطون فيها إلى اصطحاب التعقيدات القديمة وإنما حلها جذرياً ومن ثم الانطلاق في براح السودان الجديد، هذه المسكنات دائما ما تفضي إلى نفس النتائج.

 

ـ هذه التسوية المرتقبة وأطرافها المتعددة والمتناقضة في نفس الوقت، ستدخل البلاد في نفق جديد شبيه بما يحدث في دولة لبنان والاتفاق العرفي المتوارث في توزيع السلطة على أساس طائفي، فقط في السودان سيتم توزيعها على أساس جهوي وبين تحالفات وحركات منبتة، وكلما حاول السودانيون لاحقاً التغيير سيصطدمون بمعطيات هذه المعادلة، وفي حقيقة الأمر أن هذه التسوية هي الخطوة الثانية في هذا الطريق فقد كانت اتفاقية سلام جوبا التي استندت على المسارات سابقة لها.

 

ـ في السياق كذلك يتحدثون بأن التسوية تقطع الطريق لعودة النظام البائد يقولون أيضا إنها ستحاول إصلاح الأوضاع المعيشية وإنقاذ الاقتصاد وجميعها أحلام تكذبها التوقعات، لماذا؟، لأنك إذا لم تغير المعطيات لا يمكن أن تنتظر نتائج جديدة وطالما أننا ندور في نفس المعادلة التي يمثل أطرافها العسكر الانقلابيون و”قحت” بهيكلها الهش بالإضافة إلى القوى التي سقطت مع النظام البائد فإن النتائج ستكون معروفة من خلال المقارنة القريبة للأوضاع والتي ستقود إلى تخريب الانتقال وتمييع قضية العدالة ومن ثم عودة هتاف “هبوا” وانقلاب عسكري جديد آخر المطاف.

 

ـ الأخطر في هذه التسوية أن الفاعل الأكبر فيها هي القوى الاقليمية والتي دون شك ستخضع كل العوامل والمعطيات في معادلة الوضع الذي سيخلفه هذا الاتفاق لتمرير مصالحها استناداً على تناقضات الأطراف.

وقال الاستاذ صديق علي عضو  هيئة محامي الطوارئ إنه مع الحل السياسي الذي تسمونه تسوية لأنه لا يرى حلا آخر، وفي رأيه أن الاتفاق الإطاري يختلف من اتفاق حمدوك لأن حمدوك عندما وقع اتفاقه القوى السياسية كانت في الزنازين والموضوع انقلاب رسمي لانه لا توجد وثيقة ولا اتفاق وكله تم إلغاؤه حاليا الوضع فيه أرضية دستورية و سياسية تنبنى عليها عملية الانتقال.

استقصائي   عمر هنري

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *