معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

 

خسر “الفلول” اليوم آخر فرصة للالتفاف على الثورة لركوب قطار “الانتقال”، بعد أن حدد لهم قائد الجيش “هامش” المشهد السياسي محلا خلال الفترة الانتقالية.

لم يحصد الكيزان ومؤيدوهم من أعداء ثورة ديسمبر المجيدة، اليوم إلا السراب، فلم يعودوا، بحسب البرهان، جزءا محتملا يحق له إبداء الرأي خلال أية مشاورات بشأن الانتقال الديمقراطي.

فالجنرال في كلمته في حطاب اليوم حدد الفئة السياسية التي لها الحق في المشورة، فليس من بينها مطلقا أي قوى لم تكن جزءا من الحرية والتغيير في أبريل 2019، إلا من ترتضيه قوى الثورة من باب توسيع المشاركة كما قال.

مهما يكن، فإن حديث البرهان عن عدم تسييس الجيش، يجب أن يؤخذ مأخذ الجد.. فلم يعد بالإمكان أن يجهر ضابط في القوات المسلحة بانتمائه للحركة الإسلامية أو غيرها من الأحزاب..

من اليوم فصاعدا، أصبحت “السياسة” فعلا محظورا على منسوبي القوات النظامية، وبشكل خاص بات الولاء لـ”الكيزان” جريمة تعرِّض مرتكبها للطرد من الخدمة.

بعيدا عن صدق “الحديث” من عدمه، فإنه يؤسس لمرحلة تقود حتما لعهد تستعيد فيه القوات النظامية كامل “قوميتها” وتتحرر من قيد أي انتماء سوى لـ”الوطن”.

لا شك أن بداخل القوات النظامية مهنيين يعملون، في صمت، من أجل أن تسود الروح القومية داخل هذه المؤسسات، سيعزز حديث البرهان من جهودهم، وسيشجعهم على المضي قدما في محو آثار “الكيزان” ، كما سيحمل بعض الموالين لـ”الكيزان” إلى إخفاء انتماءاتهم أو التبرؤ منها وكلاهما موقفان مطلوبان للتأسيس لعهد تسود فيه الروح القومية.

سيتنحى الولاء السياسي لتسود الروح القومية، وهو عين المطلوب في تقديري، إذ إن منسوبي القوات سودانيون، من حقهم الانفعال بما يجري لكن لا يحق لهم الولاء لغير الوطن، فهم بوضعهم “السيادي” فوق الانتماء للفروع دون الأصل.

وكانت آخر محاولات “الفلول” للعودة إلى المشهد السياسي

عبر استلاف المواكب وهي وسيلة الاحتجاج التي ابتكرها ثوار ديسمبر المجيدة.

يومها، بدا “الفلول” متناقضين، وهم يحتشدون من كل صوب وجهة أمام مبنى الأمم المتحدة في الخرطوم السبت الماضي، حيث يحاولون محاكاة الثوار الذين لكثرما هاجموهم ونعتوهم بأقذع الأوصاف..

قال متحدثهم، إن خروجهم يجيء تلبية لطلب رئيس الانقلاب، الذي يريد منهم إظهار قوتهم في الشارع، ليوفروا له حجة يدافع بها الضغوط الدولية التي تطلب منه الإصغاء لصوت الثوار.

وأسفرت تظاهرة داعمي الانقلاب، عن نتائج لا يصب معظمها في صالح أنصار الشمولية، فشهدوا على أنفسهم بالمشاركة في تقويض النظام الدستوري من خلال تأييد وتشجيع العسكر على الانقضاض على السلطة في 25 أكتوبر 2021 .

ولم يخف “الفلول” تخوفهم من “الديمقراطية” ، وعداءهم لداعميها من الآلية الرباعية، والأمم المتحدة التي صبوا جام غضبهم على ممثلها فولكر بيرتس الذي أكد أكثر من مرة أن يونتامس بعثة أممية لا تنحاز لطرف سوداني دون آخر، لكنها في مسائل الديمقراطية والانتقال، والقانون الدولي ليست محايدة بالتأكيد.

هاجم أنصار انقلاب 25 أكتوبر من المدنيين، كعادتهم، مشروع الدستور الانتقالي الذي تقدمت به اللجنة التسييرية لنقابة المحامين وأيدته أحزاب سياسية على رأسها قوى الحرية والتغيير وحظي بترحيب دولي كبير.

وعلى الرغم من أن مقترح نقابة المحامين مازال مشروعا للدستور قابلا للحذف والإضافة إلا أنهم وصفوه بـ”العلماني” .

ولم تخل كلمات متحدثي تظاهرة مؤيدي “الانقلاب” التي أسموها مسيرة “الكرامة” من تهديدات صريحة، على وزن “فلترق كل الدماء”، كقول بعضهم إن “التسوية” لن تمر إلا على أجسادنا، في إشارة إلى أنهم سيقاتلون “السلطة” إن وافقت على إعادة المسار الديمقراطي.. فأثبتوا دون أن يتنبهوا أنهم لا يجيدون إلا “العنف”، وأن “السلمية” ماركة مسجلة باسم ثوار ديسمبر وهي سلاح يعزُّ على أعداء الديمقراطية استخدامه.

أثبتوا أن فرقا كبيرا بينهم وثوار ديسمبر المجيدة الذين رغم القمع المفرط مازالوا يتمسكون بسلمية مواكبهم ويقولون إنها سلاحهم ضد أعداء الديمقراطية.

أجاب متحدثو مسيرة “الكرامة” عن غرض الانقلاب من إعادة عناصر النظام البائد إلى مواقعهم التي أبعدتهم عنها لجنة إزالة التمكين، وإعادة الأموال والممتلكات المستردة منهم.. فاتضح أن تنظيمهم (المخلوع بالإرادة الشعبية) مازال يملك القرار داخل دائرة السلطة الانقلابية..

رغم الإغراءات من “طحنية” و”موز” إلا أن الحشد كان متواضعا للدرجة التي اضطرت معها صفحات بعض مناصريهم على السوشيال ميديا للتلاعب في “الصور” لتكثير السواد الذي عز جمعه بـ”الحافلات” أو جذبه بـآلاف الجنيهات.

بدا حجم الحشد متواضعا، لا يساوي موكب أحد أحياء الخرطوم الطرفية فضلا عن حشود المؤسسة وباشدار، كما أثبتت المسيرة أن النظام البائد فقد أسباب العودة للسلطة، حيث ظهر أنه عاجز عن تجديد الخطاب، ومواكبة المتغيرات التي نتجت عن ثورة ديسمبر المجيدة.. فلم يعد من الممكن تسويق “المشروع الحضاري”، ومن العصي أن يصدق الناس رواية مكذوبة مرتين.

يمكن قراءة لجوء مناصري الانقلاب إلى التحشيد ضد (الحل السياسي) المنتهي قطعا إلى محطة استعادة المسار الديمقراطي.. إلى أنهم استشعروا الخطر من أن تقطع “التسوية” التي تجري، عليهم طريق التمدد في قلب وأطراف سلطة الانقلاب لمحو ما علق على موازين “العدالة”من جرائم سنواتهم الثلاثين..

اختفت مع حالة الفوبيا التي أصيب بها الكيزان من اقتراب لحظة طي صفحة الانقلاب، دعوات تشكيل حكومة، وبدا أنهم استسلموا لفشل محاولة الانقلاب، الذي يمسك بزمام سلطة لا يملكها، فقط يحتفظ بها كوديعة، تجري المشاورات لتحديد آلية تسليمها للمدنيين.

استطاع الخطاب السياسي المقاوم للانقلاب، هزيمة الخطاب الموازي، الأمر الذي اقتنع بموجبه الكيزان بأن “العسكر للثكنات” وأن السلطة للمدنيين، فتقلص طموحهم من العودة إلى السلطة، إلى المشاركة فيها، فتحولوا من خانة مؤيدي الانقلاب، إلى معارضين له.

للخروج من الحرج، يحاول بعض مؤيدي الانقلاب التمسك بأن ما جرى في 25 أكتوبر 2021 فض شراكة وليس انقلابا، لكنه ينسى أن (فض الشراكة) شكل من أشكال الانقلاب الذي ترفضه الجماهير التي لن تأتمن على “ديمقراطيتها” المنشودة من يمكن أن يسمِّي الانقلاب طلاقا.

إذن، حلم “الكيزان” في العودة إلى السلطة أصبح في أعينهم بعيد المنال، وعمر”الانقلاب” المتصالح معهم أوشك على النفاد، ووعي “الجماهير” الناتج عن ثورة ديسمبر أفشل محاولات نشوب أي حرب أهلية، كما ظلت المجتمعات صلبة رغم هجمات عصابات 9 طويلة.

ولم يتبق من حيلة سوى محاولة ركوب موج الثورة الهادر دون أن يتنبهوا أنهم، بهذا المسلك، يناصبون أنفسهم العداء، يزعمون أنهم يناهضون الاستبداد التنظيمي، والفكري، ويصورون أنهم ضد الظلم ومع تحقيق العدالة، ودعاة للديمقراطية والحرية والسلام والعدالة .. فالتحية للشفاتة والكنداكات الذين حملوا أعداء الديمقراطية على المناداة بها والتخلي عن دعم الانقلاب ولو بالكلام.

 

  تحليل: عمار سليمان

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *