معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

سبعون عامًا من الاستقلال: حين تنزع السلطة جوازك وبيتك

تقرير – استقصائي

في يوم الجمعة، أكمل السودان سبعين عامًا بوصفه دولةً حرة مستقلة كاملة السيادة، وهي مناسبة استعاد فيها السودانيون تفاصيل ذلك اليوم المفصلي، وما تلاه من تحولات ومسارات. استدعاء الذاكرة الوطنية فتح بابًا واسعًا للجدل: هل يحق لأبناء ديسمبر أن يستحضروا حلمهم في وضع لبنات سودان الحرية والسلام والعدالة، أم أن هذا الاستدعاء بات محل تشكيك وإنكار؟
غير أن سؤال الاحتفاء بالثورة بدا مؤجلًا أمام سؤال أكثر إلحاحًا وعمقًا: هل تحقق الاستقلال فعلًا؟ أم أن بناء دولة سودان 1956 لم يكن سوى سردية مثالية، سرعان ما اصطدمت بواقعٍ قاسٍ عنوانه الحرب والموت، باعتبارهما الدليل الأبرز على غياب الاستقرار واستدامة الدولة.
قبل سبعين عامًا، وقف رجل من نيالا، أسمه عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة، في برلمان سودان ما قبل الاستقلال. داخل مبنى شاءت مفارقات التاريخ أن يتحول لاحقًا إلى مسرح للجنة تفكيك تمكين من غيّروا خارطة البلاد نفسها. يومها لم يرفع دبكة إصبعه ليشير، بل ليصوّب الحقيقة في وجه المستعمر، وقال كلمته التي دخلت سجل التاريخ: «تسقط بس»، قبل أن يتقدم باقتراح إعلان السودان دولةً حرة مستقلة كاملة السيادة.
وفي مطلع عامه السبعين، يفاجئك السودان بعودة سؤال «السيادة» ذاته. سؤال يتجاوز جغرافيا النفط في هجليج، التي تُدار بواسطة جيش دولة جنوب السودان المنفصلة، ويتجاوز معالجات الماضي المعوجة، ليتوقف عند محطة الأوراق الثبوتية: الجنسية وجواز السفر، بوصفهما تعبيرًا عن الانتماء وحقًا مكتسبًا من فرضية أن هذه الأرض لنا.
هكذا يستقبل السودان عامه السبعين بصراع حول الأوراق الثبوتية، وبحضور سلطة تمتلك حق تجريدك من «سودانيتك»، مستندة إلى نفوذ استولت عليه عبر الانقلاب، لا إلى شرعيةٍ دستورية أو توافق وطني.
الثلاثاء الماضي، وجّه الفريق أول عبد الفتاح البرهان بعدم حرمان أي سوداني من أوراقه الثبوتية، ورفع القيود عن تجديد الجوازات. ورغم دوافع القرار، فإنه أعاد طرح السؤال القديم: بأي صفة يمنع سودانيٌّ سودانيًا آخر من حقه في المواطنة؟ ومن قال إن الجنسية تُمنح وتُسحب وفق مزاج السلطة؟ فالسودانية ليست منحة من أحد، وليست ورقةً سائبة على رصيف السياسة.
يقول شريف محمد عثمان، القيادي في تحالف «صمود»، وأحد المحظورين من تجديد أوراقه الثبوتية، إنه عقب تصريحات الفريق أول البرهان التي أعلن فيها رفع الحظر عن إصدار الوثائق لجميع السودانيين، توجّه صباحًا إلى سفارة السودان في دولة قطر لمتابعة طلب تجديد جواز سفره.
ويضيف شريف أنه تحدث مع أحد موظفي السفارة، فأفاده في البداية بوجود حظر على تجديد الجواز بسبب «تشابه الأسماء»، وهو ما يصفه بادعاء يفتقر إلى المنطق. وأوضح أنه تقدّم بطلب التجديد في 15 أغسطس من العام الماضي، وسدّد الرسوم كاملة، وخضع للتصوير الرسمي، بما ينفي أي التباس في الهوية. وحتى بافتراض وجود تشابه في الأسماء، فإن مرور ستة عشر شهرًا كان كافيًا لمعالجة أي لبس إداري، لا لتعليق الطلب إلى أجل غير معلوم، خاصة أنه لم يتم إخطارُه طوال تلك الفترة بوجود أي إشكال. وعندما أشار إلى قرار البرهان برفع القيود، جاء الرد صريحًا: «لم يصلنا أي قرار بهذا الشأن».

ويرى شريف أن جهة ما بات نفوذها يتجاوز نفوذ رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، إلى حد إلقاء توجيهاته في «سلة المهملات». ويضيف أن توظيف الانتماء الوطني وسحبه لصالح جهات سياسية يقدّم إجابة واضحة عن سؤال السيادة في السودان، ويكشف كيف تُنزع المواطنة من الناس بسبب مواقفهم السياسية.
وفي السياق ذاته، تبرز واقعة أخرى يرويها عمر الفكي، شقيق عضو مجلس السيادة المعزول محمد الفكي. إذ أعلن أن الأجهزة الأمنية في مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان استولت على منزل العائلة، وقامت بطرد من كانوا يسكنون فيه.
وأوضح عمر الفكي، في منشور على منصة «فيسبوك»، أن المنزل الكائن في حي عطرون وضعت الأجهزة الأمنية يدها عليه، وطردت الجيران المقيمين فيه، مطالبًا رئيس مجلس السيادة بتصفية صراعاته السياسية بعيدًا عن منزل جده، المتوفى عام 1961.
في عامه السبعين، يجد السودان نفسه معلقًا بين «الاستقلال والاستغلال»، حيث تتحول السيادة إلى تعبيرٍ سلطوي يُجرّدك من جنسيتك، ثم يمضي أبعد من ذلك لينزع منك بيتك، قبل أن يعود ليعتذر لك بأنك تعيش في «سودان الحرب”».

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *