استقصائي
أرجع سياسيون سودانيون، سبب رفض الجيش السوداني، العديد من مبادرات الحوار والمفاوضات مع قوات “الدعم السريع”، التي يرعاها أو ينظمها الاتحاد الأفريقي، بغرض إنهاء الحرب في السودان، إلى تصنيف الاتحاد، قائد قوات الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بأنه طرف في الصراع وليس على رأس الدولة السودانية.
ومنذ يناير/ كانون الثاني الماضي، رفض الجيش السوداني عددا من المبادرات التي طرحتها “تقدم” أو التي طُرحت من أطراف ومنظمات دولية أو إقليمية، لوقف الحرب في البلاد.
كما يجد السياسيون، أن سببا آخر لرفض “البرهان” وحلفائه من الإسلاميين، التفاعل مع مبادرات عدة من جانب “تقدم” للجلوس على طاولة واحدة تجمع قائد الجيش السوداني، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يعود إلى آمال كان يعقدها البرهان نفسه، تتعلق بتحقيق انتصارات على “الدعم السريع”.
لكن جاء هذا مناقضًا لواقع سريان الأمور في ظل خسارة “البرهان” مناطق واسعة في السودان.
وعدّ سياسيون في تصريحات، ما تردد من أنباء حول موافقة الجيش على عقد لقاء يجمع بين البرهان وحميدتي، بالتزامن مع مبادرة خرجت من مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي السبت الماضي، أنها “مراوغة” مرتبطة بما يجهز من تشكيل قوة عسكرية من جانب الأمم المتحدة في السودان، في حال عدم ظهور أي بوادر للتفاوض بين “البرهان” و”حميدتي”، خلال الأسابيع المقبلة.
وأكدت مصادر رفيعة المستوى في “تقدم”، أن ما تردد عن أنباء من موافقة الجيش على لقاء مع “تقدم” بالتزامن مع الإعلان عن المبادرة الأفريقية، والتي نسبت إلى صفحات ليست محسوبة على “تقدم”، هي ليست أكثر من “مراوغة” مع المجتمع الدولي، سيعدل الجيش “مقصدها” مع الوقت حتى لا يظهر على أنه رافض للتفاوض أو ملتزم به بحسب المتغيرات.
كانت صفحات منسوبة لـ”تقدم” غير رسمية وليست تابعة لجهازها الإعلامي، نشرت أن القوات المسلحة السودانية وافقت على عقد لقاء للتشاور معها لوقف الحرب، وهو ما تم نفيه رسميا عبر الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، بكري الجاك.
ويسلط الأكاديمي والناشط السوداني النور حمد، الضوء على بعض المعطيات التي يرى فيها أسباب رفض الجيش خلال الفترة الماضية، للمبادرات والمفاوضات، للوصول إلى طرق تقود إلى إنهاء الحرب.
وأوضح أن أبرز الاسباب تعود إلى اشكالية تخص الاتحاد الأفريقي الذي يتبع له مجلس الأمن والسلم بالقارة، حيث قام الاتحاد بتعليق عضوية السودان منذ الانقلاب الذي جرى في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وبهذا التعليق أصبحت الحكومة السودانية غير معترف بها من الاتحاد.
وأضاف: “لذلك فإن ذهاب “البرهان” عبر أية وساطة لمقابلة قائد قوات الدعم السريع، سيكون بصفته رأسا لإحدى القوى المتصارعة وليس رأسا للدولة السودانية، وهو ما جعل “البرهان” يمتنع عن التجاوب مع مبادرات متعددة، سواء من “تقدم” أو مبادرات تقودها جهود دولية وقارية”.
وأشار النور، إلى أن من أهم أسباب رفض الجيش أيضا الجلوس على طاولة التفاوض، الواقع الميداني الذي يحمل ما لحق به من خسائر وفقدان مناطق بعد هزائم عسكرية أمام قوات “الدعم السريع” الذي كان مستعدا منذ بداية الحرب للجلوس مع قادة الجيش للتوصل إلى حلول تفاوضية.
ولفت إلى أن الجيش طوال الأشهر الماضية، يرى أن وضعه الميداني عسكريا لن يجعله قويا في التفاوض؛ ما دفعه إلى إطالة أمد الحرب، أملا بتحسين وضعه الميداني أو الوصول للحسم العسكري، وهما أمران غير متوفرين حاليا للجيش.
ويرى “النور”، أن ما تردد من أنباء عن موافقة الجيش بالجلوس على طاولة مفاوضات أخيرا، من الممكن أن يقرأ من عدة زوايا ، من بينها أن هناك تنسيقا من نوع ما بين القوى الدولية والإقليمية من بينها الولايات المتحدة مع الاتحاد الأفريقي، لممارسة المزيد من الضغط على القوى المتحاربة داخل السودان، حتى يكون هناك وصول إلى اتفاق في أقرب وقت في ظل ما آلت إليه الأوضاع ، وخاصة الإنسانية منها”.
واستكمل “النور” بالقول إن هناك رؤى تتعلق باحتمالية تغير أو تعديل مواقف لـ”البرهان” بخصوص التفاوض، بنيت على التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، بأن هناك مهلة 3 أسابيع، فإن لم يجتمع الطرفان ولم يتم التوصل إلى حل تفاوضي، سيكون هناك إجراءات أخرى من الممكن أن تتبع، من ضمنها تشكيل قوة دولية مكونة من الاتحاد الأفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة، للتدخل في السودان؛ ما يخلق واقعا جديدا هناك.
أما عضو المؤتمر التأسيسي لـ”تقدم” إبراهيم زريبه، فقال إن محاولات “التنسيقية” مع “البرهان” للسير في مبادرات لوقف الحرب، تعددت منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي ولم تتوقف حتى فترة قريبة.
واستذكر أنه في يناير/ كانون الثاني 2024، كان هناك توقيع اتفاق بين “تقدم” وقائد الدعم السريع، وفي الوقت ذاته، طلبت “التنسيقية” من القوات المسلحة، لقاء مع قائد الجيش الذي لم يوافق بدوره على هذا اللقاء.
ولفت زريبة إلى أن رفض “البرهان” يعني رفض الإسلاميين، وعناصر النظام السابق؛ لأن برامج الثورة والتغيير قائمة على تفكيك بنية النظام القديم وإخراج الإسلاميين من المشهد تماما، لذلك كان الانقلاب على الوثيقة الدستورية التي نصت على إبعادهم والحال ذاته تم مع الاتفاق الإطاري الذي قام بتعريف العملية السياسية في السودان، دون وجود عناصر النظام السابق أو المؤتمر الوطني.
نقلًا عن الخليج الآن