معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

قال إنها تحت “بوتي”: كيكل يستعيد “جزمة” البشير لإخضاع أوروبا

تقرير – استقصائي

من كراسة “المعزول”، يستدعي اللواء “خلاء” أبو عاقلة كيكل ذات عبارات المواجهة، مرددًا وسط حشد من مناصريه: “أوروبا تحت بوتي”. زعيم ميليشيا “درع السودان”، الذي حوّل بندقيته من خدمة قوات الدعم السريع إلى خدمة الجيش، كان يرد على العقوبات التي فرضها عليه الاتحاد الأوروبي عقب اتهامه بالتورط في الصراع الدموي في السودان.

الخطاب الهستيري الذي ألقاه كيكل، وقوبل بتصفيق حاد من مناصريه، أعاد إلى الأذهان سؤالًا ملحًا: “كم لبثنا؟” وأعاد قلب صفحات التاريخ إلى عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، حين كان يعتلي ذات المنصات، وأمام ذات الحشود، وبذات اللغة، معلنًا: “أمريكا تحت جزمتي”، و”نحن ما بنسلم كديس”. لا جديد يُذكر سوى أن الماضي قد عاد، بشكل شبه حتمي، في سودان الحرب، لتُستعاد معارك الهواء المباشر وبنفس الأدوات القديمة.

في وقت سابق، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد كيكل، الذي تم تعيينه حاكمًا لولاية الجزيرة بعد أن اجتاحتها قوات الدعم السريع. وخلال قيادته لميليشيا “درع السودان”، اعتُبر مسؤولًا مباشرًا عن الانتهاكات التي وقعت في “الكنابي”. غير أن بيانًا صادرًا عن “درع السودان” رفض العقوبات، واعتبر أن أفعال كيكل جاءت في سياق “المجهودات النبيلة” لمواجهة تمرد قوات الدعم السريع. المفارقة أن كيكل نفسه كان قد وصف طرق الوصول إلى الجزيرة لقوات الدعم السريع حين كانت بندقيته تخدم حميدتي.

عندما فرض الاتحاد الأوروبي عقوباته على كيكل، قلّل البعض من تأثيرها، بحجة أنه لا يجمعه جامع بأوروبا، باعتباره مجرد “بندقجي” استُخدم من أطراف الصراع. وهو ما أكده كيكل في خطابه، حين قال: “لا شيء يجمعني بأوروبا، ولا أحتفظ بأموال أو تجارة هناك”، ما أعاد الجدل حول جدوى العقوبات التي يفرضها العالم الأول على من يسفكون دماء شعوب العالم الثالث.

لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل عدنا فعلاً إلى الوراء وإلى عزلة سريعة؟ ألم تُسقط ثورة ديسمبر خطابات العنتريات، وسعت لإعادة دمج السودان في محيطه الإقليمي والدولي؟ هل ضاع خطاب اعتذارنا عن الغياب، والذي أُطلق لحظة توقيع وثيقة ما بعد حقبة البشير، وسط صخب حرب الخامس عشر من أبريل؟

بالنسبة للكثيرين، فإن خطاب كيكل يعكس الواقع الذي قيل فيه، ويُعد تتويجًا لرغبة جهات بعينها في إعادة السودان إلى سنوات العزلة. كما يُستخدم لتسويق معركة “الكرامة”، التي بدأت تفقد بريقها نتيجة الخسائر التي يدفع ثمنها الشعب السوداني. وبعد غياب عبارة “بل بس” عن التداول اليومي، يبدو أن “أوروبا تحت جزمتي” جاهزة لتحل محلها.

مثل هذا النوع من الخطابات يلقى رواجًا في الأوساط الشعبية، وقد يجعل من كيكل بطلًا شعبيًا ونسخة معدّلة من “أسد إفريقيا”، الوصف الذي أُطلق على البشير حين لاحقته المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور.

وعند محاولة الإجابة على سؤال: “خطاب من الذي خرج بلسان كيكل في النيل الأبيض؟”، تأتي الإجابة محمولة على صفحات الإسلاميين. فقد اعتبر أحدهم أن “الجميل والرائع” في خطاب كيكل هو استحضاره لعبارة البشير “تحت جزمتي”، ومضى أبعد من ذلك حين قال إن تطور السودان ومقاومته وثباته مرتبط بالإسلاميين، وأن كيكل لا يستطيع الخروج عن هذا الخطاب حتى لو أراد.

وفي الوقت الذي يبحث فيه البعض عن البشير المختفي منذ اندلاع الحرب، وصل كيكل إلى مرحلته الخطابية بسرعة مذهلة؛ فلم يحتج إلى أكثر من عامين ليضع أوروبا كلها تحت أقدامه، مستعيدًا خطابًا قد تكون آثاره كارثية على البلاد، وإن أعجب البعض ممن يرونه منقذًا سيحرر السودان من الهيمنة الغربية.

لكن اللافت أن الجهات الرسمية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، لم تصدر أي رد على خطاب كيكل.

يرى كثيرون أن خطاب كيكل امتداد طبيعي لخطابات الشيطنة الإقليمية والدولية، وتحميل الآخر مسؤولية حرب السودان. الاختلاف فقط أن الخطاب الذي كان يُردد على مستوى القيادات العليا، بات اليوم يصدر عن شخص يسعى محيطوه لدمجه في المشهد السياسي تحت لافتة “المجد للبندقية”. والبندقية ذاتها، التي يحملها، هي التي نطقت بهذا الخطاب، في زمن “البل والجغم”.

كيكل يُعيد عنتريات البشير، ويريد وضع أوروبا وكل من يدعمها تحت حذائه. يتساءل البعض: “أوروبا كلها؟” إيطاليا، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، النرويج، السويد، البرتغال، ألمانيا، أوكرانيا؟! ويتساءل آخر: فرنسا، التي تمتلك طائرات الرافال، ستكون تحت جزمة كيكل؟ بينما يطرح أحدهم سؤالًا لاذعًا: “البوت الذي تريد أن تضع أوروبا تحته… هل هو مستورد أم مصنوع محليًا؟” في بلد أوقفت الحرب كل مصانعه – إن وُجدت أصلاً.

نحن لا نريد أن نضع أحدًا تحت أحذيتنا، ولا نملك القدرة على ذلك. ما نحتاجه الآن هو الخروج من هذه الحفرة. نريد أن نتحرر من تحت “البوت” الذي يصنع الميليشيات لمحاربة ميليشيات سبق أن صنعها، ليمنعنا من حقنا في الحياة… والتنفس.

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *