معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

 

 

 

فجرت الخطوة التي أقدمت عليها مجموعة من لجان مقاومة ولاية الخرطوم (تسع تنسيقيات) والتي التقت بدعوة للمكاشفة الثورية قدمتها تنسيقية الخرطوم وسط للاتفاق على رؤية إسقاط الانقلاب وتصفية آثاره، ساكن العملية السياسية في البلاد، وأجمعت اللجان الموقعة على بيان وحدة قوى الثورة الأخير، على أولوية إرساء دعائم نظام ديمقراطي جديد يقوم على التعددية وحقوق الإنسان.

 

وأكدت عزمها على إسقاط الانقلاب وتصفية آثاره، مع التأكيد على ضرورة التنسيق المحكم بين لجان المقاومة والقوى السياسية والمهنية والمطلبية المؤمنة بالتحول الديمقراطي والداعية لإسقاط الانقلاب، وهي الخطوة التي دعمتها تالياً مجموعة من اللجان بالولايات والعاصمة، فيما التزمت مجموعات أخرى وفاعلون، موقف الحياد والضد، باعتبار الخطوة تتجاوز القواعد التي وضعتها واتفقت عليها جميع لجان المقاومة كآلية لتوحيد قوى الثورة، فيما أشارت أطراف أخرى إلى وجوب توحيد لجان المقاومة (نفسها!) من خلال دمج ميثاقي سلطة الشعب والميثاق الثوري، كأساس جوهري لمضمون الوحدة..

خلفيات إطار المشهد:

ولسبر وتشريح راهن ومعطيات اللحظة السياسية، وتحليل إطارها الكلي، ما بين فسطاطي لجان المقاومة من ناحية، والقوى السياسية على الناحية الأخرى، وتفاعلات الخطاب السياسي على مستوى الوعي بأمهات قضايا السودان والتعقيدات المحلية والإقليمية التي تكتنف مسارات هذه التعقيدات.

يبتدر الأكاديمي والمحلل الاستراتيجي د. بكري الجاك القول بأن الدولة السودانية مختطفة بالكامل في الوقت الراهن، وأن الفاعلين الوحيدين الذين يمكن القول بأنهما حُرَّا الإرادة هما لجان المقاومة وجزء من القوى السياسية، في معنى وقوفهما كفاعلين على مشروع، ويضيف الجاك، أن هذين الفاعلين وفي إطار المشروع هذا يخلطان بين الأدوات وبين الرؤية، إذ يبتدرون مناقشة المشكلة بالقول إنهم “يحتاجون لحل سياسي؟”، دون أن يطرحوا سؤال: “ماهية الرؤية؟”.

وفي المقابل، يرى الجاك أن معسكر القوى الانقلابية لا يمكن القول في اللحظة الراهنة بتوفر طرف فيه على مشروع محلي، باستثناء بقايا الحركة الإسلامية، وحتى هؤلاء هم ليسوا سوى “اسم دلع” لتحالف المال والسلطة الذي أجهز على الحركة الإسلامية منذ 1998، ومشروعهم الوحيد هو كيفية استمرار اختطاف الدولة السودانية، بالإضافة إلى المجموعات التي تم توظيفها تحت مظلة القوى الانقلابية، والتي إلى حد كبير لديها مصالح ذاتية تتقاطع وتتطابق مع مجموعات خارجية ضمن صراع إقليمي، ويقول د. بكري إنها ليست فقط مجرد قوى عسكرية متسلطة مع بعض الإسلاميين، بل إن مستوى التعقيد بالنسبة لهذه القوى في اللحظة الراهنة، أكثر تعقيداً من هذه الصورة المبسطة.

التفاعل الاقتصادي الاجتماعي:

بدوره، يعود الناشط المدني سامي صلاح إلى تقييم الراهن انطلاقاً من ماضي التجربة الانتقالية التي تخلقت عقب 11 أبريل وتوقيع الوثيقة الدستورية 2019 لاحقاً، حيث يرى بأن الفترة الانتقالية التي وضعت د. عبد الله حمدوك على سنام قيادتها، كان من المفترض أن تحسم خلال المؤتمر الاقتصادي كافة قضايا الاقتصاد لارتباطها الوثيق مع مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومستوى معيشة السكان.

لكن موقف حمدوك كان يتسم بالتردد والانشقاق تجاه حاظنته السياسية المفترضة: قوى الحرية والتغيير، الأمر الذي ألقى بظلاله على الأداء الاقتصادي للحكومة الانتقالية، والذي شابه عدم الشفافية ابتداء، ويشرح سامي صلاح هذه الجزئية بالقول إن د. البدوي كان يمضي بشكل واضح في تنفيذ سياسات البنك الدولي، فيما كان حمدوك متردداً وتنقصه الشجاعة، وعقب إقالته للبدوي واستقدام د. هبة، عادت حكومة حمدوك مجدداً لسياسة البدوي بعد إضاعة الكثير من الزمن على البلاد والمواطنين.

وعلى مستوى التأثير الاجتماعي، يذهب صلاح إلى أن سياسة البنك الدولي والتي تم اتباعها عبر حمدوك، كان من المفترض أن تنشئ شبكات حماية اقتصادية واجتماعية للطبقات الفقيرة والمتأثرة بصورة مباشرة بتنفيذ هذه السياسات، لكن إنشاء هذه الشبكات شابه كثير من البطء والتأخيرـ وسمعنا في بعض الأحيان شبهات فساد (غير مؤكدة!) –والحديث لسامي صلاح- وهو ما جعل الطبقات الفقيرة أكثر هشاشة –رغم أن الكل تأثَّــر- في ظل ضعف البنية التحتية للدولة، وضعف المعلومات المتوفرة.

وقال إن الإنقاذ اتسمت بالضعف في مجال توفير الإحصاءات والمعلومات العامة، وهو ما استمر بعدها، ويشير إلى أن المعلومات الأساسية التي كانت جزءا من اشتراطات برامج (ثمرات) و(سلعتي) كانت غير متوفرة لدى كثير من المواطنين.

وأضاف بأن كل هذه المسائل أسهمت في إضعاف السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ على الرغم من وجود ايجابيات مُحرزة، من قبيل استقرار سوق الصرف والقضاء على السوق الأسود في البترول والعملة الحرة، وإعفاء السودان من الديون الخارجية، وإعادة إدماج السودان في النظام المصرفي العالمي. لكن تأثيرها الاجتماعي كان كارثياً، حيث زادت نسبة الفقر والعطالة نسبة لـ”ضعف الرؤية”.

وعلى المستوى الآخر، من خريطة الفاعلين السياسيين في المجال العام والتي تتمثل في لجان المقاومة، يقول سامي إن لجان المقاومة تكوينات قاعدية لم تكن معنية بالسياسات لكنها كانت أكثر اهتماماً بدعم التحول المدني الديمقراطي والوقوف في وجه العسكر، وشكلت البنية السياسية بعد حل اللجان الشعبية التابعة للمؤتمر الوطني وإبدالها بلجان الخدمات والتغيير، وقال إنهم كانوا في الذكرى الأولى لتوقيع الوثيقة الدستورية يهتفون “ارفع ارفع يا حمدوك” ويعنون رفع الدعم عن السلع الأساسية، نظراً لتردد حمدوك آنذاك رغم أنها حكومة ثورة! وكانت الأغلبية من هذه اللجان وتكوينات الشارع، مستعدة لتحمل الضريبة لأنهم رأوا فيها الطريق لإصلاح وهيكلة الاقتصاد السوداني. بيد أنه أكد على أن قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة لم تكن لديها رؤية مستقلة ومحددة، لكنها كانت خلف حمدوك من أجل العبور نحو الانتقال.

تحديات المقاومة والصراع:

ويذهب الأكاديمي د. بكري الجاك – في حوار مطوَّل ينشر لاحقاً- إلى ضرورة مراجعة كامل الخطاب المطروح، وبصرامة؛ حيث يقول إن ما حدث بعد الانقلاب من فعل مُقاوِم باسل، أيضاً محتاج للمراجعة – مع التأكيد على استمراريته في ذات الآن!- وابتداء من خلال النظر في النمط الاقتصادي للمجموعات التي اختطفت الدولة السودانية، باعتباره نمطاً غير مرتبط بجهاز الدولة نفسها، هذا الجهاز الذي يضم أكثر من (900) ألف موظف وعامل، والذي – كما يقول الجاك- حتى لو ذهبوا إلى منازلهم في حالة عصيان مدني شامل، لن يتأثر النمط الاقتصادي لمجموعات الاختطاف.

وقال إن النشاط الاقتصادي للسودان والذي تبلغ تقديراته حوالي ستة إلى ثمانية مليارات دولار يشتغل خارج إطار الدولة باستثناء المرتبات وبعض مالية التسيير، ولا توجد أرقام عنه تدرج في حسبة الدخل القومي، ولا أحد يعلم عنه شيئاً. ويشدد الجاك على أن أيَّ مشروع وطني مطروح يتوجب عليه عندما يخرج من الرؤية إلى الأدوات، يجب أن يرى مستوى التعقيد الخاص  بالسودان، حيث إن سلامة الرؤية وحدها فقط لا تكفي في هذا المضمار.

 

وضرب مثالاً بميثاقي لجان المقاومة (ميثاق تأسيس سلطة الشعب، والميثاق الثوري) حيث يتعاطيان مع القضايا بصورة مثالية، فمثلاً الحقوق التاريخية للمجموعات الإثنية في الأرض لا تعني امتلاكها على حساب الدولة القومية أو خصماً على مفهوم المواطنة المتساوية، ويعود بالقول إن توطين خطاب المواطنة المتساوية –نفسه- يتطلب وجوباً ردم الهوات التاريخية ضمن مشروع تمييز إيجابي يحتاج لوقت طويل حتى يتفق السودانيون عليه، وكذلك مثال آخر، يكمن في النظرة العامة حالياً لمزايا التفضيلية التي منحها اتفاق جوبا للسلام لبعض المجموعات، حيث نجد انتقادات في النقاش العام لسلوك قيادة المجموعات الداعم للانقلاب بصورة تشكك كلياً في قضية السلام.

وقال إن هذا الضرب من التوجه العاطفي في النقاش، يؤدي لمخاطر التشكيك في عدالة القضايا الحقيقية المرتبطة بالاتفاق كالتنمية المتوازنة والعدالة لسكان معسكرات اللاجئين، ويقول إن الحل الصحيح يبدأ من التشخيص الصحيح للمشكل، بأنها دولة مختطفة بالكامل من قبل تحالف مال وسلطة، أنتج حالة من توازن الضعف، الذي لا تمتلك جهة واحدة فيه قراراً نهائيا موحداً، وهكذا يشير الجاك، إلى تناقضات مركز البرهان والإسلاميين من جهة، وتعقيد وجود مليشيا تمتلك جندي في ومن كل ولاية بالسودان، مليشيا دخلت حيز الاقتصاد والبنوك ومجال تمويل الزراعة، وخرجت مسبقاً من عباءة الدولة ودخلت في صراعات جيوسياسية مع عصابات روسيا بوتين على امتداد صراع عولمي شرس في الحزام (إثيوبيا، السودان، تشاد، أفريقيا الوسطى، مالي، النيجر).

ويشدد وزير الإعلام الأسبق فيصل محمد صالح في إفادات بورشة تقييم الفترة الإنتقالية –الخرطوم، أبريل 2022- على أهمية توفير البيئة السياسية تحت إطار دستوري متفق عليه وقوانين تضمن سلامة الانتقال كلازمة مفتاحية للعبور نحو انتقال آمن وسلس يعبِّر عن جماع الحراك الثوري وأطراف المشهد السياسي.

وأشار إلى أن الإعلام شريك أساسي في عملية الانتقال، بجانب دور الإعلام المهم للغاية في توطين وحراسة مبدأ ومفهوم المواطنة، في ظل تحديات ومشاكل سيطرة الحكومة على أجهزة الإعلام، وهيمنة رأس المال ومصالحه، وتداخل العمل المهني مع الانتماء السياسي، إلى درجة شهدت أثناء التراشق بين مكونات الشراكة الانتقالية بين العسكر والمدنيين إلى طرح خيار الانتخابات كـ”إجراء عقابي” وهو ما يوضح بجلاء موقع المدنية.

ومن جانبه؛ يخلص د. بكري الجاك إلى أن التعامل بنضج يحتاج إلى تطوير الأدوات، ومن ضمن هذه الأدوات المقاومة، وكيفية تطويرها واستمراريتها، كما يكمن جزء منها في تقديم خطاب ديبلوماسي ناضج، موضحاً بأننا كسودانيين لدينا مشروع دولة ديمقراطية نريد إقامته عكس حركة التاريخ، في محيط إقليمي غير ديمقراطي، وهو ما لم تنجح فيه دولة على مستوى العالم سوى كوستاريكا، ويرى بأن جزءا من النضج أن بمقدورنا تحدي التاريخ لكن لا يمكننا تغيير الجغرافيا، وعليه يلزمنا أن نخبر العالم أجمع أن المشروع الديمقراطي الاجتماعي في السودان يمكنه التعايش مع مصالح الدول وليس بناف لها أو مهدد.

استقصائي/  عادل كلر

Share:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *