معلومات التواصل

السودان،الخرطوم،الرياض

متواجدون على مدار الساعة

نتمنى ألّا تحيق لعنة الفرص الضائعة – التي وَسَمَت تاريخ بلادنا – بالدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للقوات المسلحة والدعم السريع لإجراء مفاوضات مباشرة بينهما، منتصف أغسطس القادم، إذ أن هذه الدعوة تأتي في وقتٍ عصيبٍ بلغت فيه الأزمة الناتجة عن اندلاع حرب ١٥ أبريل أعلى من ذروتها من حيث التعقيد والمعاناة الإنسانية وخلخلة النسيج الاجتماعي والتهديد الوجودي للوطن.

حددت الدعوة الهدف من المفاوضات بالتوصل لاتفاق يتم بموجبه إيقاف شامل للعدائيات وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ الاتفاق .. وغنيٌّ عن القول أن هذا الهدف يمثل الأولوية الملحة لملايين السودانيين المكتوين بنار الحرب.
وبحسب ما جاء في الدعوة فإن مفاوضات سويسرا لن تكون معزولة عن الجهود الدولية والإقليمية الساعية لإيقاف الحرب ولا مبتورة عمّا تم الإتفاق عليه في مفاوضات منبر جدة، كما يروج البعض .. فقد أكدت الدعوة إلتزام الولايات المتحدة مع الشركاء لإنهاء الحرب المدمرة، وأن المفاوضات ستبني على ما تم إنجازه عبر مسار منبر جدة، كما أشارت لتوسعة تشكيلة الوسطاء الميسرين بانضمام سويسرا للولايات المتحدة والسعودية، وحضور الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجمهورية مصر ودولة الإمارات كمراقبين.

كما هو معلوم، سارعت قيادة الدعم السريع بالترحيب بالدعوة الأمريكية – وهذه خطوة إيجابية تستحق التقريظ – بينما لم تفصح قيادة القوات المسلحة عن موقفها من الدعوة حتى الآن، وسط تعالي أصوات تدعوها لأن تُعْرِض عنها وأن تستمر في الرهان على خيار الحسم العسكري، بل تجرأ البعض لدرجة التهديد إن هي قبلت بالذهاب إلى سويسرا !! .. نتمنى على قيادة القوات المسلحة أن تصم آذانها عن هذه الأصوات وأن تدرك أن الحل السياسي التفاوضي هو الخيار الأقوم لخلاص شعبنا ووطننا من هذه الأزمة التي جاوزت الزبي كلها.
ليس ثمة سببٍ واضح لعدم مبادرة القوات المسلحة بإعلان قبولها خيار التفاوض على أساس الدعوة الأمريكية، بل ليس ثمة مبرر لهذا التردد لأنها باشرت هذا الخيار بالفعل حين أرسلت وفودها لجولات التفاوض مع الدعم السريع في جدة والمنامة وجنيف، كما أن قبول خيار التفاوض لا يعتبر هزيمة ولا يعني إلقاء السلاح بشكل تلقائي وإنما هو تعبير عن إرادة البحث عن مخرج لمصلحة الوطن وشعبه الذي لم يَبْقَ له في قوس الصبر منزع.

مع تقديرنا لكل الجهود الدولية والإقليمية، فإن مهمة إيقاف الحرب في بلادنا ووضعها على درب السلام المستدام والتحول المدني الديمقراطي هي مهمة السودانيين قبل غيرهم .. ومما يشرع نافذة الأمل أن ملايين الناس العاديين – الذين هم أنبل الناس، ولا يمكن خداعهم كل الوقت – أدركوا بالتجربة القاسية أن السلام هو الطريق وأن الحل السياسي، لا العسكري، هو خشبة الخلاص من مستنقع الأزمة.

المطلوب من أصحاب المصلحة في خيار الحل السياسي المفضي للسلام – وهم عموم السودانيين التوّاقين لحياةٍ كريمة في وطن آمنٍ مستقر – أن تتضافر جهودهم ويرتفع صوتهم الموحد لهزيمة خطاب دعاة استمرار الحرب، ويا حبذا لو ضربوا يوم ١٤ أغسطس القادم موعداً للاحتشاد – وفق ما يتيسر داخل الوطن وفي شتات المنافي – والتعبير الجماعي عن رفض الحرب وسَمومها والمطالبة بإيقافها وإشراع الأبواب لنسائم السلام.

نأمل أن يذهب الطرفان لمفاوضات سويسرا بإرادة صادقة وجادة لإسكات أصوات البنادق بما يفسح المجال لإنهاء الكارثة الإنسانية وإنقاذ بلادنا من مخاطر الفوضى الشاملة والتقسيم، ويهيئ الفضاء الوطني لمسار سياسي جامع يتيح التوافق على إجابات على الأسئلة الكبرى ومعالجات لقضايا أزمة بلادنا المتراكمة ويحشد طاقات أهلها لبناء دولة مدنية ديمقراطية على أسس جديدة، راسخة وسليمة.

Share:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *